الرئيسية / الفتاوى / حكم المظاهرات

حكم المظاهرات

السؤال :

السلام عليكم
شيخ ماحكم المظاهراات ؟

الجواب :

المظاهرات وسيلة مستحدثة للتعبير عن الرأي لا تنافي السمع والطاعة لولي الأمر، فالحكام والنظم بين مضيق ومتوسط وموسع في شأن الحريات وإبداء الناس آراءهم ، وليس كل رأي يعلن عنه ، ولا كل مسيرة أو مظاهرة يسمح بها ، وإنما الدساتير والقوانين تحد حدودها ، والدول الحضارية توسع ، والدول المتخلفة تضيق ، ودولنا متوسطة ، ولعلها على خير الأمور ، ولكل بلد ظروفه وموروثاته وأعرافه ، ولا يصح وصف من يعبر عن رأيه في صحافة أو غيرها ، أو يعبر عن رأيه بمسيرة أو اعتصام أو مظاهرة أنه يعارض قول الحاكم أو يثير الفتنة ، فهو مخالف للشرع لأنه عصى ولي الأمر. فإن ما سمح به ولي الأمر والدساتير فهو في دائرة المباح وهذا في الحالات والظروف العادية السلمية . ودستور الكويت من هذه الدساتير التي تحترم عقول الناس ، وتفترض فيهم حسن الظن والحرص على مصلحة الوطن ، ففتحت للناس أن يعبروا عن آرائهم بكل الوسائل المشروعة قانوناً حتى الاعتصامات و المسيرات والمظاهرات اعتبرتها نوعاً من أساليب التعبير المسكوت عنه فنص الدستور على أن " لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما ، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون " فالأصل جواز التعبير بكل وسيلة حتى بالاعتصامات و بالمسيرات والمظاهرات والتجمعات ، ما لم يصدر من ولي الأمر منعها ، أو تقييدها تبعاً للظروف والأحوال. وقواعد ومقاصد شريعتنا تعتبر المظاهرات وسيلة وهي اليوم وسيلة حضارية ما دام هدفها سامياً ، فالأصل في الوسائل الجواز ما دام هدفها نبيلاً يحقق مصالح الناس ، وقد تكون الوسيلة واجبة إذا تعينت طريقاً للإصلاح أو توصيل الرأي ، أو هي مطلوبة مرغوب فيها لنصرة الحق ،مثل تعبير الناس عن فرهتهم بالتحرير فتظاهر الكبار والصغار تعبيرا عن هذه الفرحة ، ومن ذلك نصرة قضايا المسلمين العامة ، فقد كانت المظاهرات والمسيرات الوسيلة المؤثرة في نصرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين تعرضت ذاته للانتقاص والسخرية ، فالحدث لا تكفيه البيانات والشجب ، وإنما يستحق أن تتحرك الشعوب لتعبر عن مشاعرها الجياشة نصرة لنبيها ، فتحرك العالم بتحركهم ، وقضية فلسطين ما حركتها إلا المظاهرات وأحداث غزة آخرها تجاوب العالم الغربي قبل المسلمين نصرة لأهل فلسطين ورأينا المظاهرات تجوب العالم أجمع . فالمظاهرات والمسيرات من حيث الأصل مباحة إذا أذن بها الحاكم وسارت ملتزمة بالنظم والقوانين ، وما دامت محققة للمصالح ، فإن خرجت من المصلحة إلى المفسدة من إتلاف وتكسير وإثارة فتنة لزم منعها درءاً للمفسدة ، فالمنع لاستغلالها في غير مقاصدها وأهدافها السامية في التعبير عن الأراء والتوجيهات لا لذاتها. ولا يبعد القول عن الصحة إن قلنا : إن المظاهرات قد تكون مشروعة ومطلوبة ولو لم يأذن بها الحاكم ونظامه إذا قابلها بلوغ ظلم الحاكم مداه فعطل الشرع وحارب أهله ، وصادر الحريات وكمم الأفواه ، وملء السجون ، وأشاع الفساد ، وأساء توزيع الثروة فحارب الناس في أرزاقهم فقتر عليهم ، وأسرف على نفسه وأعوانه . فتركه والحال هذه إلقاء بنفوس العباد والبلاد إلى التهلكة ، فالمظاهرات نعمة الوسيلة حينئذ فهي أفضل وإن ترتب عليها بعض المفاسد والتضحيات بالمال وبالأنفس فيحتمل هذا دفعا للفساد الأعظم القائم . وهي – كما تدل الوقائع - ستحقق بعض المصالح في تعديل الأوضاع وتخفيفها أو قلع الظالم والنظام من جذوره وهي في الترتيب الفقهي أولى من الإنقلاب العسكري الدموي . وإبداء الرأي بكل الوسائل لا يعني الخروج على الحاكم : فقد يخلط البعض بين وجوب السمع والطاعة والخروج على الحكام المسلمين ، فهذا خلط بين المشروع والممنوع وتحميل الشرع ما لم يحتمله أو يقره ، فدائرة النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مضادة لدائرة الخروج على الحاكم ، فالأصل وجوب النصح ، والأصل هنا حرمة الخروج ؛ ولذا عني الفقهاء بالأصل الأول فوسعوا فيه توسعة كبيرة جداً ، وضيقوا في الثاني تضييقاً كبيراً جداً ، وهذا فهمهم من الأحاديث الصريحة في التوسعة أو التضييق ، فلم يجيزوا الخروج على الحكام إلا بتحقق شرطين متلازمين : الأول : تعطيل شرع الله ، وظهور الكفر البواح الذي قام عليه الدليل والبرهان. الثاني : القدرة على إقامة الشرع ومحو الكفر وإزالة من أمر به إذا لم يؤد ذلك إلى شر وفتنه أعظم.

شاهد أيضاً

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

التحوط في المعاملات المالية

بحث التحوط في المعاملات المالية

تحويل البنوك التقليدية لبنوك اسلامية ( المبادئ والضوابط والإجراءات )

تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية