اللحية

السؤال :

سؤال : بعض الشباب المتدين لا يطلق لحيته ، وإنما يحلقها حتى لا يرى منها إلا القليل من الشعر ، ويتم الحلق بماكينة الحلاقة برقم 1 أو2 أو3 ، فهل تعتبر هذه لحية في الشرع ، التي قصدها وأمر بها النبي r ؟ .

الجواب :

الجواب : اللحية إذا أطلقت في اللغة فيراد بها الشعر الذي على الخدين والعارضين إلى الذقن ولا يطلق على الشعر الخفيف الذي يظهر منه بشرة الوجه لحية ، وإنما هو ابتداء لحية ، فإذا غلظ وكثر وطال يقال : هذا رجل ذو لحية ، أو ملتح . وقد حث بل أمر النبي r على إطالة اللحية فقال : " خالفوا المشركين ووفروا اللحى ، وأحفوا الشوارب " وفي لفظ " أعفوا " (البخاري 10/349) و(مسلم 3/150) ، ومعنى التوفير أو الإعفاء ترك اللحية حتى تكثر وتطول . والأمر وإن كان نصاً في وجوب توفير اللحية ، لكن النص على الإعفاء لا يمنع ظاهره الأخذ منها ، فالإعفاء مخصوص بما فيه تهذيب وتجميل ، بل الأخذ منها مرغوب فيه إذا كان الإعفاء يؤدي إلى عدم ترتيبها ، وشوهت الوجه ، وجلبت نظر الاستنكار لما ورد عنه r من قوله في العناية بشعر اللحية والرأس : " من كان له شعر فليكرمه " (أبو داود 4/395) – ولما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أتانا رسول الله r فرأي رجلا شعثاً قد تفرق شعره ، فقال r : " أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره " (4/333) فهذا التخصص حمل على المظهر الطيب فيجوز بهذا الأخذ من اللحية من طولها ، وعرضها ، ولذا كان أبو هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما يأخذان من اللحية ما زاد عن قبضة اليد . وقد يفهم من فعل عبد الله بن عمر الأفضلية في الأخذ ، وأنه مستحب ومندوب لمحل ابن عمر من رسول الله r والتزامه التأسي برسول الله r - أما التهذيب والتجمل مع الفورة فلا ريب أنه سنة ، وأما التأسي بأخذ ما زاد عن القبضة فقد يكون اجتهاد ابن عمر ، ونص الحديث ليس ظاهراً فيه ، ولا يمنع منه ، بل ما ذكرنا من أحاديث ترغب فيه . وأما ما أثر عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما أُثر عن كثيرين من التابعين ، لكن محل النظر والاجتهاد تحديد منتهى ما دون القبضة ، إذ لا نص فيه ، ولذا فإن الفقهاء وشراح حديث الموضوع السابق لم يجيزوا ما دون القبضة بإطلاق دون قيد حتى يصل حد ظهور بشرة الوجه ؛ ولذا قال ابن عابدين - فيما دون القبضة - : لم يبحه أحد . وكلامه لا سند له ولا يصح ، بل النقول والآثار والمتبع خلافه ، فكانوا يأخذون مما دون القبضة - كما سبق ذكره – فيحمل كلامه فيما يصل حد إنهاك اللحية أو الأخذ منها كثيراً كأنها ابتداء لحية . وليعلم حكم الإحفاء يتعين معرفة المراد منه قال في اللسان : حفا شاربه : بالغ في أخذه وألزق حزَّه . قال الأصمعي : أحفى شاربه ورأسه إذا ألزق حزَّه . وكل شيء استؤصل فقد احتفى . وعلى ذلك فقص الشعر بالماكينة إلى حد ملاصقة الآلة البشرة حتى لا يكاد يبقى إلا ما لا يكاد يمسك بأنامل اليد . وكما لو كان نبت لحية ليومين إلى خمسة . كما يعلم من مقابلة التوفير بالحف والأمر بالأول والنهي عن الثاني . حرمة أحدهما مكان الآخر . فيحرم حف اللحية وتوفير الشارب . ويتحصل مما سبق : 1 - أن الأخذ لما دون قبضة اليد جائز ومندوب إليه ، ولكن الكمال فيما زاد عن القبضة مع التهذيب . 2 - أن ما دون القبضة بقليل في حكم الوفرة . 3 – الإحفاف حلق اللحية بحيث تبدو بشرة الوجه ، أو لا يمكن مسك الشعر بأصابع اليد أو يتعذر ذلك ، أو لا يتم إلا بتكلف ، أو لا يمكن تسريح الشعر وإكرامه ؛ لتحقيق قول النبي r : " من كان منكم له شعر فليكرمه " هذا ميزان يعلم به التوفير والحف . ويبدو أن المشركين كانوا يأخذون من لحاهم قدراً كبيراً يصل حد إحفافها ، فجاء النهي لمخالفتهم في ذلك ، ولا ترتفع الحرمة إلا بتوفيرها بما يعتبر لحية لغة وشرعاً وعرفاً . وعلى هذا فما يفعله بعض الشباب من قص لحاهم حتى تبدو منها البشرة ، وتكاد تمسك بالأنامل ، وتبدو كمن ترك لحيته من ابتداء ظهورها ليومين أو ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة ، فإن هذا ابتداء لحية وليست لحية لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً ، ونخشى أن فعل ذلك هو المعني بالنهي نهي تحريم بمشابهة المشركين الوارد في الحديث ، والحرج الشديد فيما يترتب على هذا الاستنباط ؛ لأن فاعله يكون متشبهاً بفعل المشركين المنهي عنه ، وفي هذا ما فيه من الوقوع في الإثم من حيث يريد فاعله السنة ، ويترتب عليه أيضاً أن حلق اللحية بهذه الطريقة مساوٍ لحلقها كلها وهو محرم على رأي جمهور الفقهاء ومكروه عند الشافعية . لهذا ننصح شبابنا : بإطلاق لحاهم إن قصدوا السنة مع تهذيبها والأخذ من طولها وعرضها مع توفيرها ، أو الأخذ منها فيما دون القبضة وتخفيفها ما لم تصل إلى حد رؤية البشرة ، أو عدم التمكن من مسكها أو تسريحها كما هو الحال في عيار قصها بماكينة الحلاقة بالأرقام المساوية لمن نبتت لحيته ليومين إلى خمسة على أعلى تقدير ، على أن هذا الحكم يستثنى منه من لا تنبت له لحية ، وهو ينوي توفيرها ، أو من نبت لحيته خفيفة الشعر خلقة . والله أعلم . | |

شاهد أيضاً

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

التحوط في المعاملات المالية

بحث التحوط في المعاملات المالية

تحويل البنوك التقليدية لبنوك اسلامية ( المبادئ والضوابط والإجراءات )

تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية