الرئيسية / الفتاوى / صدقة للحج أو للفقراء

صدقة للحج أو للفقراء

السؤال :

بعض الجمعيات الخيرية تستلم من بعض الأشخاص مبالغ يخصصها لمن لم يحج حجة الفريضة فتسلمها الجمعية لهؤلاء الأشخاص.
هل الأفضل لهؤلاء المتبرعين أو المتصدقين أن يخصصوا هذه المبالغ وهي كبيرة لمن يريد الحج أو الأفضل إنفاقها في وجوه الخير للفقراء والمدينين وللمحتاجين في البلاد الإسلامية الفقيرة؟

الجواب :

الموضوع يتعلق بجهتين، باذل المال لمن يحج به، ومن يستلم المال للحج؛ فالذي يعرض عليه أن يستلم مبلغاً من المال من هذه الجهة الخيرية التي تنوب عن صاحب المال، لا يلزمه أن يأخذ المبلغ، لأن الشارع لم يوجب الاستطاعة عليه، بمعنى أن الشارع لم يطلب من المسلم أن يجهد نفسه ليكون مستطيعاً فيؤدي الحج، وقد يكون في الإلزام بأخذ المال مِنَّة عليه، فلا يلزمه حينئذ، ولا يعتبر مستطيعاً. وهذا رأي الإمام أحمد بن حنبل. وقال الشافعي : إذا بذل له ما يتمكن به من الحج لزمه الحج، لأنه حينئذ أصبح مستطيعاً من غير مِنَّة، ولا يلحقه ضرر فيلزمه الحج، والذي يترجح هنا : أن أخذ المال لا يلزمه إن كان فيه منة أو نحوها فإن لم يكن فيه ذلك – وهذا يختلف من شخص إلى آخر – واستلم المال لزمه الحج. وأما بالنسبة لمن دفع هذا المال ليحج به غيره لا على وجه النيابة عنه، بل هو متصدق بالمال، ويملّكه لمن يحج به، فهذا عمل طيب وله الأجر إن شاء الله، لكن بالنسبة لتقرير الأفضلية، فإن كان هذا الباذل للمال قادراً على أن يجمع بين بذل المال لمن يحج لنفسه، وبين الإنفاق في أوجه الخير للفقراء والمساكين والغارمين ونحوهم، فالجمع هو الأفضل، وأما إن كان ينوي فعل شيء واحد وهو بذل المال لمن يحج أولا يقدر إلا على واحد إما دفعها لمن يحج أو إنفاقها في أوجه الخير، فينبغي النظر حينئذ في الأولويات، فالإنفاق هو الأولى، ويقدم على تيسير الحج للغير. ويروى في ذلك ما قاله أبو النصر التمار : أن رجلاً جاء يودع بشر بن الحارث فقال : قد عزمت على الحج فتأمرني بشيء، فقال له كم أعددت للنفقة؟ فقال : ألفي درهم، قال بشر : فأي شيء تبتغي بحجك؟ تزهداً أو اشتياقاً إلى البيت، أو ابتغاء مرضاة الله تعالى؟ قال : ابتغاء مرضاة الله، قال : إن أصبت مرضاة الله تعالى وأنت في منزلك، وتنفق ألفي درهم، وتكون على يقين من مرضاة الله تعالى، أتفعل ذلك؟ قال : نعم، قال اذهب فأعطها عشرة أنفس: مديون يقضي دينه، وفقير يرم شعثه، ومعيل يغني عياله، ومربي يتيم يفرحه، وإن قوي قلبك لتعطيها واحداً فافعل، فإن إدخالك السرور على قلب المسلم، وإغاثة الملهوف، وكشف الضر، وإعانة الضعيف أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام، قم فأخرجها كما أمرتك (إحياء علوم الدين للغزالي 3/397). ويروى أن عبدالله بن المبارك خرج إلى الحج فاجتاز بعض البلاد فمات طائر معهم، فأمر بإلقائه على المزبلة، وسار أصحابه أمامه، وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة وأخذت ذلك الطائر الميت فاستحيت أولاً ثم قالت : أنا وأمي هنا وليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقى على هذه المزبلة، وكان لنا والد ذو مال عظيم فأخذ ماله، وقتل لسبب من الأسباب، ولم يبق عندنا شيء نتبلغ به أو نقتات، سمع بذلك ابن المبارك فدمعت عيناه، وأمر برد الأحمال والمؤونة للحج، وقال لوكيله : كم معك من النفقة قال : ألف دينار، فقال له : ابق لنا عشرين ديناراً تكفينا لإيابنا، وأعطِ الباقي إلى هذه المرأة المصابة فوالله لقد أفجعتني بمصيبتها، وأن هذا أفضل عند الله من حجنا هذا العام، ثم قفل راجعاً ولم يحج. وربما نستثنى من ذلك اعطاء المال لحج المهتدين الجدد لأن فى ذلك مقاصد منها : تثبيت هؤلاء على دينهم ، واطلاعهم على عظمة الاسلام ، وتأثرهم وزيادة ايمانهم مما يرون من المشاهد العظيمة .

شاهد أيضاً

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

التحوط في المعاملات المالية

بحث التحوط في المعاملات المالية

تحويل البنوك التقليدية لبنوك اسلامية ( المبادئ والضوابط والإجراءات )

تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية