الرئيسية / الفتاوى / المرابحة بشراء سيارة

المرابحة بشراء سيارة

السؤال :

كثر الكلام حول بيع المرابحة ، ونريد الجواب الشافي في ذلك . ولقد قمت بشراء سيارة بطريق المرابحة ، وقد تمت كالتالي : رغبت في شراء سيارة من الوكالة فأخذت عرض سعر ، ثم ذهبت الى الشركة الاسلامية وطلبت منها أن تشتري لي السيارة ، وبناء على طلبي اشترت الشركة السيارة بسعر عرض الأسعار ، ثم باعتها لي بزيادة مقابل التأجيل . وسؤالي هو : هل هذا تحايل على الربا ، لأن الشركة استفادت أكثر من قيمة شراء السيارة . وهل كون الشركة اشترت السيارة لي وليست لها لأن الشركة لا تريد شراء السيارة ، وانما تريد أن تربح ببيعها لي . وسؤال أخير : ما هو الرأي الشرعي في الزامي بالشراء بعد أن اشترت الشركة السيارة ، هل هذا الشرط جائز لأنه يبين صراحة أن الشركة ما كانت تريد السيارة لها ؟

الجواب :

حقيقة بيع المرابحة : هو أن يبيع الشخص السلعة بثمن معلوم بين المتعاقدين وبربح معلوم بينهما ، فيقول مالك السلعة : رأس مالي فيها مائة دينار مثلا ، أبيعها لك بمائة وعشرة دنانير فلا بد من علم المتعاقدين بمقدار الثمن ، ومقدار الربح . والذي يحدث في الواقع العملي للمارسة في بيع المرابحة ، هو أن يتقدم العميل الى شركة أو مصرف أو بنك اسلامي يطلب منه شراء سلعة أو بضاعة محددة المواصفات ويعد أنه سيشتري هذه السلعة بزيادة على رأس مالها بمبلغ معين ، ثم تقوم الشركة أو البنك بشراء السلعة ، وبيعها بالزيادة المتفق عليها ويقسطها على المشتري . فالعملية مبنية ابتداء على وعد من الشركة أو البنك بأنه سيشتري هذه السلعة ، ويعد المشتري بأنه سيشتريها اذا تم شراء الشركة أو البنك للسلفة . وعند التفاوض يحددان ثمن الشراء ومقدار الربح ، وطريقة الدفع بالأقساط . بعد هذا يتم شراء السلعة ، ويبدأ ابرام العقد بعد تمام شراء البنك للسلعة وحيازتها ، ثم يعرضها على المشتري ويتم حينئذ كتابة العقد . وقد تكلم فقهاؤنا القدامى عن بيع المرابحة فاتفقوا على جواز صورة منه ، واختلفوا في صور ، أما الصورة المتفق عليها فهي أن يقول صاحب السلعة : رأس مالي في هذه السلعة مائة دينار مثلا وأبيعها لك بمائة وربح عشرة دنانير . فاذا علم المتعاقدان بمقدار رأس مال السلعة المشتراة ومقدار الربح وقع البيع صحيحا . فهذه الصورة لا خلاف في جوازها بل حكى ابن هبيرة والكاساني الإجماع على صحتها . أما الصور المختلف فيها فهي في الصورة العملية التي ذكرتها وهي ليست جديدة في جملتها ، بل هي معروفة عند الفقهاء مع تفصيل في صور المرابحة الجائزة وغير الجائزة ، ويمكن بيان الصورة الجائزة وغير الجائزة في صورتين : الأولى : أن يتم الاتفاق بين الطرفين على أساس وعد غير ملزم لهما ، أي لا في اتمام العقد ، ولا في تحمل أي تبعة من تعويض أو غيره لما قد يلحق أحدهما من ضرر ، مع عدم الاتفاق بينهما على مقدار الربح الذي سيأخذه البائع . فهذه الصورة جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية إن تم الاتفاق على ربح معين مسبقا ، فهي جائزة ، لكن المالكية قالوا بجوازها مع الكراهة . الثانية : أن يتم الاتفاق بينهما على أساس المواعدة الملزمة للطرفين قبل أن يحوز البائع السلعة مع الاتفاق على مقدار الربح مسبقا . فهذه الصورة جمهور الفقهاء على بطلانها ، كما سنشير الى علة ذلك لاحقاً . ومن نصوص الفقهاء في بيع المرابحة ما ذكره المالكية في مختصر خليل وشراحه قوله : " جاز المطلوب منه سلعة أن يشتريها ليبيعها بنماء ولو بمؤجل بعضه " ـ مختصر خليل مع شرح الدسوقي 8813 ـ كما ذكرها الامام الشافعي في الأم بوضوح تام فقال : " اذا أرى الرجلُ الرجلَ السلعة فقال : اشتر هذه وأربحك فيها كذا ، فاشتراها الرجل فالشراء جائز ، والذي قال أربح فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعا ، وإن شاء تركه " ـ الأم 3313 ـ التكييف الشرعي لصحة بيع المرابحة : هو أن صورته التي ذكرناها مركبة من أمرين : وعد بالشراء من العميل ، وبيع بالمرابحة من البائع ، فهي ليست من قبيل بيع الإنسان ما ليس عنده المنهي عنه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا تبع ماليس عندك " لأن الشركة أو البنك لا يبيع شيئا معينا غير موجود لديه ، وانما هو مجرد متلق لرغبة ممن يريد الشراء ، فلا يبيع حتى يملك وطلع المشتري على المبيع ، ويتيقن من أوصافه ويرغب تحقيق وعده بالشراء ، والشركة أو البنك الاسلامي هنا يتحمل تبعة ما قد يحدث للسلعة من تلف بعد أن يملكها ، فلا توجد هنا شبهة ما يسمى " ربح ما لم يضمن " . وأما القول : بأن البنك أو الشركة لا تقصد شراء البضاعة لها ، وانما من أجل الربح من العميل ببيعها بالأقساط ، فهذا لا تأثير له اطلاقا في صحة العقد ، او عدم صحته ما دام العقد يتم بصورته الصحيحة التي ذكرناها . فاذا تم العقد بصورته الصحيحة فلا يؤثر فيه مجرد الوعد على اتمام الصفقة بشروط صحيحة متفق عليها بينهما ، بل إن العقد يعتبر صحيحا من الناحية الفقهية ولو كان الشيء أو السلعة محل الوعد ليست موجودة وقت العقد ، فيكفي أن تكون قابلة للوجود في الأسواق على ان يتم وصفها وصفا منضبطا إن لم يمكن معاينتها بذاتها وهذا مثل بيع السلم ، ولذلك يسمى بيع المرابحة " ببيع السلم الحال " . وبناء على ذلك فإن الاعتراض على بيع المرابحة مطلقا ، قول في غير محله ، وهو قول جانبه الصواب ، لما نقلناه من أقوال الفقهاء . فالاعتراض على اشتراط الالزام في الوفاء بالوعد ، فهذا الموضوع يحتمل الخلاف فيه ، وهو محل خلاف في بيع المرابحة من قديم ، وفيه خمسة مذاهب : الأول : أن الوعد ملزم مطلقا إلا لعذر وينسب هذا الرأي الى إبن شبرمة كما ذكره ابن حزم . الثاني : أن الوفاء واجب ديانة لا قضاء . الثالث : أن الوفاء بالوعد مستحب وهو مذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة ورواية عن مالك . الرابع : اذا كان الوعد أو العدة مرتبطة بسبب ، ودخل الموعود في السبب ، فانه يجب الوفاء بها ، أما اذا لم يباشر الموعود السبب فلا شيء على الواعد . كما اذا قال لشخص : تزوج فلانة وأنا اسلفك المهر ، ثم باشر الموعود الأمر فتزوج فيلزم الواعد الوفاء ، وهذا هو المشهور من مذهب المالكية . الخامس : وهو المذهب المقابل للمشهور من مذهب المالكية وهو مذهب أصبغ : أن الوعد ملزم اذا تم الوعد على سبب وإن لم يدخل الموعود له في مباشرة شيء . ولا يخفى هنا أنه لا خلاف في أن بيع المرابحة جائز اذا كان للطرفين أو لأحدهما الخيار ، لكن محل النزاع ما ذكرناه من مذاهب خمسة في الالزام بالوعد . ولكل مذهب أدلته وليس هنا محل تفصيلها ، ولكن الراجح منها عندنا هو مذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة في أن الوفاء بالوعد غير لا زم ، لأن القول بالإلزام في بيع المرابحة يؤدي الى بيع الانسان ما ليس عنده ، وهو منهي عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تبع ما ليس عندك " ـ الجامع الصحيح 53613 ـ لأن الواعد بالشراء حين يقول اشتر السلعة وأنا ملتزم بشرائها منك بمبلغ كذا فهو التزم بما لا يملك ، وهذا مثل ما لو قال له : بعتك السلعة الفلانية بمبلغ كذا وهو لا يملك السلعة ، كما أن القول بالالزام فيه مخاطرة ظاهرة . وتجدر الاشارة هنا الى أن مجمع الفقه الاسلامي في دورة مؤتمره الخامس في الكويت المنعقد في الفترة من 1-6 حنلجلا 1409/10/15 ديسمبر 1988 ، قد قرر بشأن الوفاء بالوعد التالي : ـ الوعد ( وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد ) يكون ملزما للواعد ديانة إلا لعذر ، وهو ملزم قضاء اذا كان معلقا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد ، ويتحدد أثر الالزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد ، واما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر . ـ المواعدة ( وهي التي تصدر من الطرفين ) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما ، فاذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز ، لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه ، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عند بيع الإنسان ما ليس عنده .

شاهد أيضاً

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

التحوط في المعاملات المالية

بحث التحوط في المعاملات المالية

تحويل البنوك التقليدية لبنوك اسلامية ( المبادئ والضوابط والإجراءات )

تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية