الرئيسية / قضايا الساعة / حكم المظاهرات

حكم المظاهرات

المظاهرات وسيلة مستحدثة للتعبير عن الرأي لا تنافي السمع والطاعة لولي الأمر، فالحكام والنظم بين مضيق ومتوسط وموسع في شأن الحريات وإبداء الناس آراءهم ، وليس كل رأي يعلن عنه ، ولا كل مسيرة أو مظاهرة يسمح بها ، وإنما الدساتير والقوانين تحد حدودها ، والدول الحضارية توسع ، والدول المتخلفة تضيق ، ودولنا متوسطة ، ولعلها على خير الأمور ، ولكل بلد ظروفه وموروثاته وأعرافه ، ولا يصح وصف من يعبر عن رأيه في صحافة أو غيرها ، أو يعبر عن رأيه بمسيرة أو اعتصام أو مظاهرة أنه يعارض قول الحاكم أو يثير الفتنة ، فهو مخالف للشرع لأنه عصى ولي الأمر. فإن ما سمح به ولي الأمر والدساتير فهو في دائرة المباح وهذا في الحالات والظروف العادية السلمية . ودستور الكويت من هذه الدساتير التي تحترم عقول الناس ، وتفترض فيهم حسن الظن والحرص على مصلحة الوطن ، ففتحت للناس أن يعبروا عن آرائهم بكل الوسائل المشروعة قانوناً حتى الاعتصامات و المسيرات والمظاهرات اعتبرتها نوعاً من أساليب التعبير المسكوت عنه فنص الدستور على أن ” لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما ، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ” فالأصل جواز التعبير بكل وسيلة حتى بالاعتصامات و بالمسيرات والمظاهرات والتجمعات ، ما لم يصدر من ولي الأمر منعها ، أو تقييدها تبعاً للظروف والأحوال. وقواعد ومقاصد شريعتنا تعتبر المظاهرات وسيلة وهي من الوسائل تدخل في المصالح المرسلة التي لم يرد نص باعتبارها بذاتها ولا نص بإلغائها وهي وسيلة لها اعتبار في مقاصد الشرع ومصالحه ومآلاته وهذا الذي يعبر عنه بالمناسب المرسل ولا يشك عاقل أن المظاهرات إذا كانت سلمية وأزاحت نظاما كفريا أو حاكما فاسد أو حزبا علمانيا دون حمل السلاح أنها خير من الخروج المسلح . فالمظاهرات في حكمها الأصلي الإباحة وما ذكرناه يرقى بها إلى الندب والوجوب ، ولا تمنع شرعا  إلا إذا ترتب عليها مفسدت أعظم من المفسدة القائمة . وهذا ما لم يتحقق يقينا في أوضاع تونس ومصر . ثم هي اليوم وسيلة حضارية ما دام هدفها سامياً ، والأصل في الوسائل الجواز ما دام هدفها نبيلاً يحقق مصالح الناس ، وقد تكون الوسيلة واجبة إذا تعينت طريقاً للإصلاح أو توصيل الرأي ، أو هي مطلوبة مرغوب فيها لنصرة الحق ، مثل تعبير الناس عن فرهتهم بالتحرير فتظاهر الكبار والصغار تعبيرا عن هذه الفرحة ، ومن ذلك نصرة قضايا المسلمين العامة ، فقد كانت المظاهرات والمسيرات الوسيلة المؤثرة في نصرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين تعرضت ذاته للانتقاص والسخرية ، فالحدث لا تكفيه البيانات والشجب ، وإنما يستحق أن تتحرك الشعوب لتعبر عن مشاعرها الجياشة نصرة لنبيها ، فتحرك العالم بتحركهم ، وقضية فلسطين ما حركتها إلا المظاهرات وأحداث غزة آخرها تجاوب معاها العالم الغربي قبل المسلمين نصرة لأهل فلسطين ورأينا المظاهرات تجوب العالم أجمع . فالمظاهرات والمسيرات من حيث الأصل مباحة إذا أذن بها الحاكم وسارت ملتزمة بالنظم والقوانين ، وما دامت محققة للمصالح ، فإن خرجت من المصلحة إلى المفسدة من إتلاف وتكسير وإثارة فتنة لزم منعها درءاً للمفسدة ، فالمنع لاستغلالها في غير مقاصدها وأهدافها السامية في التعبير عن الأراء والتوجيهات لا لذاتها.

والمظاهرات داخلة أيضا في قاعدة ” الوسائل لها حكم المقاصد ” فتعامل معاملة ملا يتم الواجب إلا به فهو واجب وما لايتم المندوب إلا به فهو مندوب ، وإذا كان محرما فهو محرم أوكان مكرها فهو مكروه ولا يبعد القول عن الصحة إن قلنا : إن المظاهرات قد تكون مشروعة ومطلوبة ولو لم يأذن بها الحاكم ونظامه إذا قابلها بلوغ ظلم الحاكم مداه فعطل الشرع وحارب أهله ، وصادر الحريات وكمم الأفواه ، وملء السجون ، وأشاع الفساد ، وأساء توزيع الثروة فحارب الناس في أرزاقهم فقتر عليهم ، وأسرف على نفسه وأعوانه . فتركه والحال هذه إلقاء بنفوس العباد والبلاد إلى التهلكة ، فالمظاهرات نعمة الوسيلة حينئذ فهي أفضل وإن ترتب عليها بعض المفاسد والتضحيات بالمال وبالأنفس فيحتمل هذا دفعا للفساد الأعظم القائم . وهي – كما تدل الوقائع – ستحقق بعض المصالح في تعديل الأوضاع وتخفيفها أو قلع الظالم والنظام من جذوره وهي في الترتيب الفقهي أولى من الإنقلاب العسكري الدموي. فالمظاهرات قد تعينت في مصر وتونس ، لأن الفساد الذي قد عم وطم البلاد والعباد ولم يمكن تغيير النظام بالسلاح وترجح إمكان إصلاحه أو إزاحته بالمظاهرات فغدت والحال هذه في حكم الواجب الكفائي.

ومن جانب آخر فإن المظاهرات السلمية لاتعدو أن تكون إبداء الرأي بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك حتما لايعني الخروج على الحاكم ، وهذا خلط لدى البعض بين السمع والطاعة والخروج على الحاكم المسلم ، وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وبينهما بون شائع ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في دائرة النصح وهويحقق السمع والطاعة والتعاون على البر والتقوى، فدائرة النصح مضادة لدائرة الخروج ، فالأصل وجوب الطاعة والأصل حرمة الخروج على الحاكم المسلم ، وقد عني الفقهاء بالأول فوسعوا في  بالمعروف والنهي عن المنكر ووسائله متنوعة حسب المناسبة فتختلف حسب الزمان والمكان والأعراف ، فهي لسيت توقسفية البتة بل لايعقل أن تكون كذلك ، وإلا لعزلنا الإسلام في زاوية ضيقة وتركنا للكفر يعيث الفساد عبر كل وسائل الاتصال الحديثة . وأما الثاني وهو الخروج فقد  ضيق الفقهاء فيه تضييقا كبيرا فلم يجيزوا الخروج إلا بشرطين متلازمين :

الأول: ظهور الكفر البواح من الحالكم أو نظامه مع قيام الدليل القاطع البين عليه مثل إعلان الكفر والعمل علي تنحية شرع الله ، والحكم بغير ما انزل ، والظلم ، أو إشاعة الفساد ورعايته وحمايته بالقوانين ونحو ذلك .

 والثاني :  أن يغلب على الظن القدرة على إزاحة الكفر أو الظلم والفساد بالقوة ، وإقامة شرع الله بشرط ألا يؤدي ذلك إلى شر أو فتنة أعظم مما كان .  
 . 

ولا خلاف بين الفقهاء أن من قتل ظلما أنه شهيد وهم يقسمون الشهداء ثلاثة أقسام . 1- شهيد الدنيا والآخرة أي في حكم الدنيا بمعنى أنه لا يغسل ولا يصلى عليه وفي حكم الآخرة بمعنى أن له ثوابا خاصا , وهو من قتل في قتال الكفار وقد قاتل لتكون كلمة الله هي العليا 2- شهيد في الآخرة دون الدنيا , وهو من قتل ظلما بغير ذلك والمبطون ونحوهما وشهيد في الدنيا دون الآخرة , وهو من قتل في قتال الكفار بسببه وقد غل من الغنيمة أو قتل مدبرا أو قاتل رياء أو نحوه ( أسنى المطالب شرح روض الطالب زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري 315 و رد الحتار علي الدر المختار محمد امين  ابن عابدين ج2  352والعناية شرح الهداية ج2

 

وفي خصوص من قتل ظلما ذهب الفقهاء إلى أن للظلم أثرا في الحكم على المقتول بأنه شهيد , ويقصد به غير شهيد المعركة مع الكفار , ومن صور القتل ظلما : قتيل اللصوص والبغاة وقطاع الطرق , أو من قتل مدافعا عن نفسه أو ماله أو دمه أو دينه أو أهله أو المسلمين أو أهل الذمة , أو من قتل دون مظلمة , أو مات في السجن وقد حبس ظلما . واختلفوا في اعتباره شهيد الدنيا والآخرة , أو شهيد الآخرة فقط ؟ فذهب جمهور الفقهاء : إلى أن من قتل ظلما يعتبر شهيد الآخرة فقط , له حكم شهيد المعركة مع الكفار في الآخرة من الثواب , وليس له حكمه في الدنيا , فيغسل ويصلى عليه . وذهب الحنابلة في المذهب : إلى أن من قتل ظلما فهو شهيد يلحق بشهيد المعركة في أنه لا يغسل ولا يصلى عليه , لقول سعيد بن زيد رضي الله عنه : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم : يقول { من قتل دون ماله فهو شهيد , ومن قتل دون دينه فهو شهيد , ومن قتل دون دمه فهو شهيد , ومن قتل دون أهله فهو شهيد } ولأنهم مقتولون بغير حق فأشبهوا من قتلهم الكفار . الموسوعة ج29 و المغني ج2174 وقال فيه روايتان

وأما من قال إن المظاهرات فيها خروج على الحاكم فقد  جانب الصواب – في تقديرنا – لأن إبداء الرأي بكل الوسائل لا يعني الخروج على الحاكم لأن الخروج على الحاكم إنما يكون برفع السلاح والمتظاهرون لم يرفعوا سلاحا ولو رفعوا السلاح فقد اختلف حكمهم فقد يكون المنع اذا لم يتوافر لهم الشرطان الاتيان بعد  ، فمن قال إن المظاهرات خروج على الحاكم فقد خلط  بين وجوب السمع والطاعة والخروج على الحكام المسلمين ، فهذا خلط بين المشروع والممنوع وتحميل الشرع ما لم يحتمله أو يقره ، فدائرة النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مضادة لدائرة الخروج على الحاكم ، فالأصل وجوب النصح ، والأصل هنا حرمة الخروج ؛ ولذا عني الفقهاء بالأصل الأول فوسعوا فيه توسعة كبيرة جداً ، وضيقوا في الثاني تضييقاً كبيراً جداً ، وهذا فهمهم من الأحاديث الصريحة في التوسعة أو التضييق ، فلم يجيزوا الخروج على الحكام إلا بتحقق شرطين متلازمين :
الأول : تعطيل شرع الله ، وظهور الكفر البواح الذي قام عليه الدليل والبرهان.
الثاني : القدرة على إقامة الشرع ومحو الكفر وإزالة من أمر به إذا لم يؤد ذلك إلى شر وفتنه أعظم .

شاهد أيضاً

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

التحوط في المعاملات المالية

بحث التحوط في المعاملات المالية

تحويل البنوك التقليدية لبنوك اسلامية ( المبادئ والضوابط والإجراءات )

تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية