الرئيسية / الفتاوى / اللحية وحلقها وتخفيفها

اللحية وحلقها وتخفيفها

السؤال :

نحن طلبة علم في كلية الشريعة نسأل عن حكم اللحية وحكم حلقها وحكم تخفيفها وما هو الحكم بالنسبة لبعض مشايخنا حفظهم الله الذين يخففون لحاهم بالماكينة لدرجة كبيرة برقم 1أو 2أو 3 …

الجواب :

اللحية : هي الشعر النابت على الخدين من عذار ، وعارض ، والذقن . و العذاران: جانبا اللحية ولا يدخل منتهى العذار ( أي أعلاه الذي فوق العظم الناتئ ) لأنه شعر متصل بشعر الرأس لم يخرج عن حده ، أشبه الصدغ ، والصدغ من الرأس ( وليس من الوجه ) لحديث الربيع أن النبي صلى الله عليه وسلم " مسح برأسه وصدغيه مرة واحدة " ، ولم ينقل أحد أنه غسله مع الوجه . واللحية إذا أطلقت في اللغة فيراد بها الشعر الذي على الخدين والعارضين إلى الذقن ولا يطلق على الشعر الخفيف الذي يظهر منه بشرة الوجه لحية ، وإنما هو ابتداء لحية ، فإذا غلظ وكثر وطال يقال : هذا رجل ذو لحية ، أو ملتح . وقد حث بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم على إطالة اللحية فقال : " خالفوا المشركين ووفروا اللحى ، وأحفوا الشوارب " وفي لفظ " أعفوا " (البخاري 10/349) و(مسلم 3/150) ، ومعنى التوفير أو الإعفاء ترك اللحية حتى تكثر وتطول .قال ابن حجر : المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : " خالفوا المشركين " مخالفة المجوس فإنهم كانوا يقصون لحاهم ، ومنهم من كان يحلقها ، وذهب بعض الفقهاء ، منهم النووي إلى أن لا يتعرض للحية ، فلا يؤخذ من طولها أو عرضها لظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها ، قال : المختار تركها على حالها ، وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره . وذهب آخرون منهم الحنفية والحنابلة إلى أنه إذا زاد طول اللحية عن القبضة يجوز أخذ قال الحنفية : إن أخذ ما زاد عن القبضة سنة وقال الحنابلة : لا يكره أخذ ما زاد عن القبضة منها ، ونص عليه أحمد ، ونقلوا عنه ذهب جمهور الفقهاء : الحنفية والمالكية والحنابلة ، وهو قول عند الشافعية ، إلى أنه يحرم حلق اللحية لأنه مناقض للأمر النبوي وفي حاشية الدسوقي المالكي : يحرم على الرجل حلق لحيته ، ويؤدب فاعل ذلك ، ونص الحنابلة كما في شرح المنتهى على أنه لا يكره أخذ الرجل ما تحت حلقه من الشعر أي لأنه ليس من اللحية والأصح عند الشافعية : أن حلق اللحية مكروه والأمر وإن كان نصاً في وجوب توفير اللحية ، لكن النص على الإعفاء لا يمنع ظاهره الأخذ منها ، فالإعفاء مخصوص بما فيه تهذيب وتجميل ، بل الأخذ منها مرغوب فيه إذا كان الإعفاء يؤدي إلى عدم ترتيبها ، وشوهت الوجه ، وجلبت نظر الاستنكار لما ورد عنه r من قوله في العناية بشعر اللحية والرأس : " من كان له شعر فليكرمه " (أبو داود 4/395) – ولما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأي رجلا شعثاً قد تفرق شعره ، فقال : " أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره " (4/333) فهذا التخصص حمل على المظهر الطيب فيجوز بهذا الأخذ من اللحية من طولها ، وعرضها ، ولذا كان أبو هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما يأخذان من اللحية ما زاد عن قبضة اليد . وقد يفهم من فعل عبد الله بن عمر الأفضلية في الأخذ ، وأنه مستحب ومندوب لمحل ابن عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم والتزامه التأسي برسول الله r - أما التهذيب والتجمل مع الفورة فلا ريب أنه سنة ، وأما التأسي بأخذ ما زاد عن القبضة فقد يكون اجتهاد ابن عمر ، ونص الحديث ليس ظاهراً فيه ، ولا يمنع منه ، بل ما ذكرنا من أحاديث ترغب فيه . وأما ما أثر عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما أُثر عن كثيرين من التابعين ، لكن محل النظر والاجتهاد تحديد منتهى ما دون القبضة ، إذ لا نص فيه ، ولذا فإن الفقهاء وشراح حديث الموضوع السابق لم يجيزوا ما دون القبضة بإطلاق دون قيد حتى يصل حد ظهور بشرة الوجه ؛ ولذا قال ابن عابدين - فيما دون القبضة - : لم يبحه أحد . وكلامه لا سند له ولا يصح ، بل النقول والآثار والمتبع خلافه ، فكانوا يأخذون مما دون القبضة - كما سبق ذكره – فيحمل كلامه فيما يصل حد إنهاك اللحية أو الأخذ منها كثيراً كأنها ابتداء لحية . وليعلم حكم الإحفاء يتعين معرفة المراد منه قال في اللسان : حفا شاربه : بالغ في أخذه وألزق حزَّه . قال الأصمعي : أحفى شاربه ورأسه إذا ألزق حزَّه . وكل شيء استؤصل فقد احتفى . وعلى ذلك فقص الشعر بالماكينة إلى حد ملاصقة الآلة البشرة حتى لا يكاد يبقى إلا ما لا يكاد يمسك بأنامل اليد . وكما لو كان نبت لحية ليومين إلى خمسة . كما يعلم من مقابلة التوفير بالحف والأمر بالأول والنهي عن الثاني . حرمة أحدهما مكان الآخر . فيحرم حف اللحية وتوفير الشارب . ويتحصل مما سبق : 1 - أن الأخذ لما دون قبضة اليد جائز ومندوب إليه ، ولكن الكمال فيما زاد عن القبضة مع التهذيب . 2 - أن ما دون القبضة بقليل في حكم الوفرة . 3 – الإحفاف حلق اللحية بحيث تبدو بشرة الوجه ، أو لا يمكن مسك الشعر بأصابع اليد أو يتعذر ذلك ، أو لا يتم إلا بتكلف ، أو لا يمكن تسريح الشعر وإكرامه ؛ لتحقيق قول النبي r : " من كان منكم له شعر فليكرمه " هذا ميزان يعلم به التوفير والحف . ويبدو أن المشركين كانوا يأخذون من لحاهم قدراً كبيراً يصل حد إحفافها ، فجاء النهي لمخالفتهم في ذلك ، ولا ترتفع الحرمة إلا بتوفيرها بما يعتبر لحية لغة وشرعاً وعرفاً . وعلى هذا فما يفعله بعض الشباب والخطاب الى المشايخ من باب أولى من قص لحاهم حتى تبدو منها البشرة ، ولاتكاد تمسك بالأنامل ، وتبدو كمن ترك لحيته من ابتداء ظهورها ليومين أو ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة ، أو يكون حلقها بالماكينة عيار 1، أو2أو 3 .. فإن هذا ابتداء لحية وليست لحية لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً ، ونخشى أن فعل ذلك هو المعني بالنهي نهي تحريم بمشابهة المشركين الوارد في الحديث ، والحرج الشديد فيما يترتب على هذا الاستنباط ؛ لأن فاعله يكون متشبهاً بفعل المشركين المنهي عنه ، وفي هذا ما فيه من الوقوع في الإثم من حيث يريد فاعله السنة ، ويترتب عليه أيضاً أن حلق اللحية بهذه الطريقة مساوٍ لحلقها كلها وهو محرم على رأي جمهور الفقهاء ومكروه عند الشافعية . لهذا ننصح شبابنا ونشدد على منع يفعل ذلك من المشايخ : بإطلاق لحاهم إن قصدوا السنة مع تهذيبها والأخذ من طولها وعرضها مع توفيرها ، أو الأخذ منها فيما دون القبضة وتخفيفها ما لم تصل إلى حد رؤية البشرة ، أو عدم التمكن من مسكها أو تسريحها كما هو الحال في عيار قصها بماكينة الحلاقة بالأرقام المساوية لمن نبتت لحيته ليومين إلى خمسة على أعلى تقدير ، على أن هذا الحكم يستثنى منه من لا تنبت له لحية ، وهو ينوي توفيرها ، أو من نبت لحيته خفيفة الشعر خلقة . ونختم بالتنويه لما يفعله بعض المشايخ من حلق اللحية أو تخفيفها الى الدرجات السابق ذكرها ، فإنهم قدوة للشباب وقد يتأسون بهم فيخشى أن يلحقهم الإثم ، كما موقع الشيخ موقع الإمام وقد نص الفقهاء على أن من يتقدم للإمامة ينبغي أن يكون أكمل في الهيئة من غيره فيقدم السليم الأعضاء على باقصها ، وكذلك الشيخ بالنسبة الى تلاميذه وكيف يؤثر الناقص إذا كان التلميذ أكمل منه وأقرب الى سنة النبي صلى الله عليه وسلم منه .والله أعلم .

شاهد أيضاً

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

التحوط في المعاملات المالية

بحث التحوط في المعاملات المالية

تحويل البنوك التقليدية لبنوك اسلامية ( المبادئ والضوابط والإجراءات )

تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية