الرئيسية / المقالات / عقد المقاولة

عقد المقاولة

        الحمد لله نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً . وبعد ..

        فلم تعد إجارة الأشخاص عاملاً يستأجر لسقي زرع أو حمل متاع ، ولا أجيراً مشتركاً يخيط ثوباً أو يخرز نعلاً أو يصنع إناء ، أو حتى عقاراً أو قصراً مشيداً ، بل أصبح الأجراء شركات عملاقة تبني عمائر تنطح السحاب ، وحظائر ومصانع ضخمة  تصنع الطائرات ، والبواخر والغواصات ، بعقود هي مقاولات واستصناعات .

ولما احتاج هذا الميدان إلى تنظيم العلاقات ، وبيان حقوق والتزامات الأطراف قام القانون بتنظيم  ذلك وتفصيله في غيبة الفقه الإسلامي أو تغييبه .

        ولو حضر فلا والله ما هو بحائر ، ولا جامد على قديم لا يناسب الحديث ، وإنما عنده لكل جديد حكمه وبيانه ، فما من حدث في قديم أو حديث أو مستقبل إلا وفي كتاب الله أو سنة رسوله r حكمه وبيانه ، إن بطريق مباشر أو غير مباشر ، فسعة الفقه لا تضيق بمستجدات عصر مهما عظمت وتعقدت ، ولو هي اليوم شركات عملاقة ترعى مقاولات وصناعات صغار أو كبار .

        ولهذا اليوم العاصف بالمستجدات والصناعات والمكاسب قال الإمام الماوردي : المكاسب أربعة أوجه : نماء زراعة ، ونتاج حيوان ، وربح تجارة ، وكسب صناعة . أما الزراعة فهي مادة أهل الحضر ، وسكان الأمصار ، والمدن . وأما نتاج الحيوان فهو مادة أهل الفلوات ، وسكان الخيام .. ، وأما التجارة فهي فرع لمادتي الزرع والنتاج .. ، وأما الصناعة ، فقد يتعلق بما مضى من الأسباب الثلاثة ، وتنقسم أقساماً ثلاثة : صناعة فكر ، وصناعة عمل ، وصناعة مشتركة بين فكر وعمل . ولله در الماوردي ما أفهمه فإن هذه الأربعة الوجوه اليوم وغداً هي محل المقاولات والصناعات والمكاسب .

        واليوم وقد هيأ الله للأمة فقهاء مجتهدين في الواقعات والمسائل المستجدات ، فما من عذر أو اعتذار عن بيان الأحكام والأوصاف الشرعية لكل مستجد ، ولكن ليس لهم التسرع في الحكم حتى ينظروا في تراث الفقه الحضاري الزاخر ، فهم معنيون قبل الاجتهاد برفع اللثام للكشف عن ثغر الفقه المتفلج للحسن الباسم ، الأخاذ بجماله وكماله ، المذخور بكنوز لا تقوّم بثمن ، ولا تقدر بعَرَض ، ففيها من دقيق النظر والفهم ما يُطرب ويُعجب ، وقلما يند مستجد اليوم ليس لهم فيه سابق اجتهاد . وما لم يوجد فههنا رجال اليوم أشباه ونظراء أولئك الأفذاذ من الرجال ولله الحمد والمنة .

        هذا . وإن البحث المذكور يعنى بموضوع المقاولة حقيقتها ، وصورها ، وحكم كل صورة ، وتكييفها ، وبيان الأحكام المتعلقة بها وبأطرافها ، وذلك في أحكام الفقه الإسلامي وقواعده وضوابطه ، وما احتاج إلى بيانه في القانون نذكره في اتحاد الحكم أو اختلافه ، ليظهر من ذلك وجه المقارنة ، وفيه فوائد وإشارات جديرة بالاعتبار .

        وسأقسم البحث إلى مباحث :

المبحث الأول : المقاولة والإجارة .

المبحث الثاني : صور عقد المقاولة .

المبحث الثالث : عقد المقاولة والاستصناع .

المبحث الرابع : غرامة التأخير .

المبحث الخامس : الأجرة وأحكامها .

المبحث السادس : عقد المقاولة من الباطن .

المبحث السابع : التعديل والإضافات في عقد المقاولة عند فقهاء الشريعة والقانون .

المبحث الثامن : ضمان المقاول واشتراط البراءة .

المبحث التاسع : توقيت خيار العيب ومدته .


 

المبحث الأول

المقاولة والإجارة

ــــــــــ

تعريف المقاولة :

تعريفها لغة :

هي من مادة : قول ، قال يقول قولاً ومقالة ، وتقاولا أي تفاوضا ، وترد قال بمعنى تهيأ للفعل واستعد ، وقال بمعنى غلب ، ويسمى الملك قيلاً لأنه إذا قال قولاً نفذ قوله ([]) .

وفي المعجم الوسيط : المقاولة اتفاق بين طرفين يتعهد أحدهما بأن يقوم للآخر بعمل معين بأجر محدود في مدة معينة .

والمقاول من يتعهد بالقيام بعمل معين مستكمل لشروط خاصة كبناء أو إصلاح طريق ([]) .

تعريف عقد المقاولة في القانون :

المقاولة عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً أو أن يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر ([]) .

ويبين من هذا التعريف أن لعقد المقاولة خصائص أهمها ما يلي :

1 – عقد المقاولة عقد رضائي لا يشترط في انعقاده شكل معين ، وهو عقد ملزم للجانبين ، ومن عقود المعوضات .

2 يقع التراضي في عقد المقاولة على عنصرين اثنين : الشيء المطلوب صنعه ، أو العمل المطلوب تأديته من المقاول وهو أحد المتعاقدين والأجر الذي يتعهد به رب العمل وهو المتعاقد الآخر .

3 انفصل عقد المقاولة بهذا التعريف عن عقدي الإيجار والعمل .

فعقد المقاولة يرد على العمل ، بينما عقد الإيجار يرد على منفعة الشيء ، وكونه يرد على العمل باعتبار نتيجته يجعله يتميز عن عقد العمل الذي يرد على العمل في ذاته .

فعقد المقاولة وعقد العمل ، وإن كان كل منهما يرد على العمل إلا أن الفارق يظهر جلياً في أن القواعد التي يخضع لها أحد العقدين يختلف اختلافاً جوهرياً عن القواعد التي يخضـع لهـا العقـد الآخـر وبخاصة في تحمل التبعة حيث يتحملها المقاول ولا يتحملها العامل ، وفي الخضوع لتشريعات العمل المختلفة ، ومنها التشريعات المتعلقة بساعات العمل والإجازات ، وتقدير الأجر ، وضمانات وإصابات العمل ، وما إلى ذلك مما يذكر في عقد العمل الفردي فهذه التشريعات تسري على العامل دون المقاول .

ومما يميز عقد المقاولة عن عقد العمل أيضاً أن المقاول لا يخضع لإدارة رب العمل وإشرافه بل يعمل مستقلاً طبقاً لشروط العقد المبرم بينهما ومن ثم لا يعتبر المقاول تابعاً لرب العمل ، ولا يكون هذا الأخير مسئولاً عن المقاول مسئولية المتبوع عن التابع ، أما في عقد العمل فالعامل يخضع لإدارة رب العمل وإشرافه ، سواء كان يؤجر بمقياس مقدار الوقت أو بمقياس كمية الإنتاج ، ولا يعمل مستقلاً عن رب العمل بل يتلقى تعليماته وعليه أن ينفذها في حدود العقد المبرم بينهما ، ومن ثم يعتبر العامل تابعاً لرب العمل ويكون هذا الأخير مسئولاً عنه مسئولية المتبوع عن التابع . ومن هذا نرى أن المقاول يدفع ثمن استقلاله عن رب العمل ، إذ لا يتمتع بالمزايا الكثيرة التي يمنحها القانون للعامل والتي هي نتيجة تبعية العامل لرب العمل .

وتطبيقاً لهذا المعيار الأخير يكون كل من النقاش والنجار والحداد والسباك ومن إليهم مقاولاً ، إذا هو تعاقد مع صاحب العمل على صنع شيء معين يقوم بصنعه مستقلاً عن رب العمل ، لا يخضع لإشـرافه ولا يتلقى منه تعليمات غير ما هو مذكور في العقد ، وذلك سواء كان يؤجر بحسب كمية الإنتاج كما هو الغالب أو بحسب مقدار الوقت . ويكون كل من هؤلاء عاملاً لا مقاولاً ، إذا قام بعمله بإشراف رب العمل وتحت إدارته ، يتلقى منه التعليمات ويقوم بتنفيذها ، وذلك سواء كان يؤجر بحسب مقدار الوقت كما هو الغالب ، أو بحسب كمية الإنتاج .

كما أن عقد المقاولة يختلف عن عقد الوكالة ، فهما يتفقان في أن كلا منهما عقد يرد على العمل ، وهذا العمل يؤديه المقاول أو الوكيل لمصلحة الغير ، ولكنهما يختلفان في أن العمل في عقد المقاولة هو عمل مادي ، أما العمل في عقد الوكالة فهو تصرف قانوني ويستتبع ذلك أن المقاول وهو يؤدي العمل المادي لمصلحة رب العمل لا ينوب عنه وإنما يعمل استقلالاً ، أما الوكيل وهو يقوم بالتصرف القانوني لمصلحة موكله يكون نائباً عنه ويمثله في التصرف الذي يقوم به فينصرف أثر هذا التصرف  إلى الموكل .

وتظهر أهمية التفرقـة بينهما في النواحي العملية . فالمقاولة تكون دائماً مأجورة ، أما الوكالة فقد تكون مأجورة أو غير مأجورة ، والمقاول لا يخضع لإشراف رب العمل ولا يكون تابعاً له ، فلا يكون رب العمل مسئولاً عن المقاول مسئولية المتبوع عن التابع ، أما الوكيل فيعمل في كثير من الأحيان بإشراف الموكل ، وفي هذه الحالة يكون تابعاً له ويكون الموكل مسئولاً عنه مسئولية المتبوع عن التابع .

وأيضاً فإن المقاولة في الأصل عقد لازم ، أما الوكالة فهي في الأصل عقد غير لازم ، ويجوز عزل الوكيل أو تنحيته في أي وقت . وأيضاً فإن المقاولة لا تنتهي بموت رب العمل ، أو بموت المقاول إلا إذا كانت شخصيته محل اعتبار ، وتنتهي الوكالة بموت الموكل أو بموت الوكيل ([]) .

الإطار القانوني العام لعقد المقاولة : 

يلزم قبل الشروع في بيان المقاولة وما يتعلق بها من أحكام فقهية الوقوف على الإطار العام الذي نظم فيه القانون ” المقاولة ” باعتبارها مصطلحاً قانونياً ، وهذا الإطار يهيئ لنا معرفة عامة بحجم الموضوع وأهميته ، وأهم مفاصله التي ينبغي أن نتكلم فيما يقابلها شرعاً قبولاً أو رفضاً أو تقييدا أو تأسيساً جديداً . ونختار الإطار العام لعقد المقاولة في القانون المصري باعتباره المغذي الأساسي لغالب القوانين العربية .

عَلِمْنَا أن المقاولة عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً أو أن يؤدي عملاً . فالمقاول إذن يتعهد بصنع شئ أو بأداء عمل ، ولما كان صنع الشيء هو أيضاً عمل يؤديه الصانع ، فالمقاول يتعهد دائماً بتأدية عمل . والعمل الذي يؤديه المقاول يختلف مـن مقاولة إلى أخرى اختلافاً بيناً ، ويتنوع تنوعاً كثيراً . ويمكن تقسيم الأعمال التي يؤديها المقاول من نواح مختلفة : من ناحية طبيعة العمل ، ومن ناحية حجمه ، ومن ناحية نوعه . 

فمن ناحية طبيعة العمل ، قد يكون العمل غير متصل بشيء معين بل هو مجرد عمل ، كنقل الأشخاص والطبع والنشر والإعلان والعلاج والمرافعة والتدريس والمحاسبة ونحو ذلك . وقد يكون العمل متصلاً بشيء معين وهذا الشيء إما أن يكون غير موجود وقت العقد فيصنعه المقاول بمادة من عنده أو من عند رب العمل ، فالنجار يصنع الأثاث بخشب من عنده أو من عند رب العمل ، والحائك يخيط الثوب بقماش من عنده أو من العميل ، والبناء يقيم البناء بمواد من عنده أو من عند رب العمل . وإما أن يكون الشيء موجوداً وقت العقد ويرد العقد عليه ليقوم المقاول بعمل فيه ، كبناء يرممه أو يدخل فيه تعديلاً أو يهدمه ، وكحائط يدهنه ، وكأثاث يجدده ، وكسيارة يصلحها .

ومـن ناحية حجم العمل ، تتدرج المقاولات من صغيرة إلى كبيرة . فالأعمال التي تقدم بيانها فيها الكبير وفيها الصغير . فعمل النجار والحائك والسباك والحداد وأعمال المهن الحرة ونحوها تكون غالباً من المقاولات الصغيرة وتتدرج مع ذلك في أهميتها . أما المقاولات الكبيرة ، فهي عادة تشييد المباني والمنشآت الثابتة الأخرى والمشروعات الكبيرة كالجسور والسدود والخزانات والترع والمصارف والطيارات والسفن والأسلحة الحديثة والذخائر . 

ومن ناحية جنس العمل ، هناك من المقاولات ما أصبح معروفاً باسم خاص لانتشاره ، فهناك مقاولات البناء وهي من الانتشار بحيث إذا أطلقت كلمة ” المقاولة ” انصرفت إليها . وقـد وضعت القواعد العامة لعقد المقاولة منظوراً فيها بوجه خاص إلى مقاولات البناء ، وإن كانت تنطبق على سـائر المقاولات . وهناك التزام المرافق العامة ، وعقود الأشغال العامة ، وعقد النقل ، وعقد النشر ، وعقد الإعلان ، وعقود المهن الحرة ، وعقد النظارة . وهذه المقاولات ينفرد كل منها بخصائص معينة تميزها عن غيرها .

وقد قسم التقنين المدني النصوص المتعلقة بعقد المقاولة إلى قسمين : في القسم الأول : أورد القواعد العامة التي تنطبق على جميع المقاولات ، ومنها مقاولات البناء . فبعد أن عرف المقاولة ، عرض لالتزامات المقاول في حالتي ما إذا تعهد بتقديم العمل والمادة معاً أو تعهد بتقديم العمل فقط . وأورد بنوع خاص القواعد المتعلقة بمسئولية المهندس المعماري والمقاول بالتضامن عن خلل البناء في مدة عشر سنين ، ووضع أحكاماً منظمة لهذه المسئولية من حيث شروطها وتوزيعها بين المسئولين ، وانتفاؤها بالقوة القاهرة ، وجواز الاتفاق على الإعفاء منها ، وسقوطها بالتقادم . ثم عرض لالتزامات رب العمل ، في حالتي ما إذا أبرم عقد المقاولة بمقتضى مقايسة على أساس الوحدة أو أبرم العقد بأجر إجمالي على أساس تصميم اتفق عليه مع المقاول . وقرر للمهندس المعماري أجراً مستقلاً عن وضع التصميم وعمل المقايسة ، وآخر عن إدارة الأعمال . ثم عرض بعد ذلك للمقاولة من الباطن ، فأجاز للمقاول أن يكل تنفيذ العمل في جملته أو في جزء منه إلى مقاول من الباطن ، وحدد العلاقة ما بين رب العمل والمقاول الأصلي والمقاول من الباطن ، وجعل للمقاول من الباطن والعمال الذين يشتغلون لحساب المقاول في تنفيذ العمل دعوى مباشرة يطالبون بها رب العمل بما لا يجاوز القدر الذي يكون مديناً به للمقاول الأصلي وقت رفع الدعوى . ثم عرض أخيراً لانتهاء المقاولة ، فأجاز لرب العمل أن يتحلل من العقد ويقف التنفيذ في أي وقت على أن يعوض المقاول جميع ما أنفقه من المصروفات وما أنجزه من الأعمال وما كان يستطيع كسبه لو أنه أتم العمل . وجعـل المقاولة تنتهي باستحالة تنفيذ العمل المعقود عليه ، وبهلاك الشيء بسبب حادث مفاجئ قبل تسليمه لرب العمل ، وبموت المقاول إذا كانت مؤهلاته الشخصية محل اعتبار في التعاقد .

وفي القسم الثاني أورد التقنين المدني القواعد المتعلقة بنوع خاص من المقاولات هو التزام المرافق العامة ، فنظم العلاقة التي تقوم بين ملتزم المرفق العام وعميله ، وأوجب على ملتزم المرفق أن يحقق المساواة التامة بين عملائه ، وجعل لتعريفات الأسعار التي قررتها السلطة العامة قوة القانون بالنسبة إلى العقود التي يبرمها الملتزم مع عملائه ، وجعل على عملاء المرافق العامة أن يتحملوا ما يلازم أدوات المرافق عادة من عطل أو خلل لمدة قصيرة ، كهذا الذي تقتضيه صيانة الأدوات التي يدار بها المرفق ([]) .


 

تعريف المقاولة في الفقه الإسلامي :

        لم يستخدم الفقهاء لفظ ” مقاولة ” للدلالة على مضمونه في القانون والعرف المعاصر ، وإنما عبروا عن مضمون المقاولة بالإجارة كما سيأتي بيانه والعبرة للمعاني لا للألفاظ ، ولا مشاحة في الاصطلاح .

        ومع هذا فإن الناظر إلى المعنى الاصطلاحي المعاصر للمقاولة لا يجده بعيداً عن المعنى اللغوي ، فإن المقاولة لغة هي المفاوضة ، ولا يتم عقد المقاولة إلا بعد تفاوض حول الأجر والعمل ، والمتعاقـدان في المقاولة وغيرها يلتزمان بمقتضى قولهما ، ولذا يقـال لملوك حمير الأَقيـال ، وإنما سموا بذلك لأنهم إذا قالوا قولاً نفذوه كما سبقت الإشارة إليه – ، وهو شأن المتعاقدين في المقاولة ؛ إذ يلتزم كل منهما بمقتضى قوله ، فلقد تعهد المقاول بأداء عمل أو صنع شيء ، والتزم رب العمل بدفع الأجر ، وإذا انعقد العقد كان لكل واحد من المتعاقدين في المقاولة إجبار الآخر على تنفيذ ما التزم به ، ولذا أتت قال بمعنى غلب ، والمقاول لا شك يتهيأ ويستعد للقيام بما التزم به من أعمال ، ويتهيأ رب العمل لدفع الأجر ، وهذا يتناسب مع قال التي بمعنى التهيؤ للأفعال ([]) .

تعريف الإجارة في الفقه المساوية للمقاولة في القانون :

        المقاولة نوع من أنواع الإجارة في الفقه الإسلامي ، وهي الإجارة على العمل ، وعليه فالإجارة أعم من المقاولة .

        ولتحرير معنى الإجارة التي هي مقاولة نحتاج إلى تعريف الإجارة عموماً ، ثم بيان أنواعها ، وتخصيص ما هو مقاولة بالذكر .


 

تعريف الإجارة :

عرف فقهاء المذاهب الإجارة بتعاريف متعددة متقاربة في ألفاظها ومعانيها ، غاية ما فيها من اختلاف إدخال بعضها الشروط في التعاريف ، ولعل أجمعها تعريف المالكية وهو : تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم ([]) .

أنواع الإجارة وما يعتبر منها مقاولة :

        يقسم الفقهاء الإجارة بحسب ما يؤجر ، فيتكلمون عن أنواع ، النوع الأول  إجارة الأراضي والدور والمباني . كما يتكلمون عن إجارة الحيوان وهو النوع الثاني ، وأما النوع الثالث فهو إجارة الأشخاص ، وهذا النوع هو محل النظر باعتبار أن عقد المقاولة لا يخرج عنه إذ هو وارد على العمل .

أنواع الإجارة على العمل :

        وتتنوع إلى نوعين : الأول وهو ما يشترط فيه على الأجير أن يعمل فيه بنفسه ، لأن محل العقد العمل من شخص بعينه ، ومقصـود رب العمل قيام الأجير بعينه بالعمل .

والنوع الثاني : ما لا يشترط فيه على الأجير أن يقوم بالعمل بنفسه ، بل له أن يقوم بالعمل بواسطة أجرائه .

أقسام إجارة الأشخاص :

        يقسم الفقهاء إجارة الأشخاص إلى قسمين ، أو صورتين : أجير خاص ، وأجير مشترك ، وهذا الأخير هو الصورة الأولى للمقاولة كما سنبينه – .

        أولاً : الأجير الخاص : وهو من يعمل لمعين عملاً مؤقتاً ، ويكون عقده لمدة ، ويستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة ؛ لأن منافعه صارت مستحقة لمن استأجره في مدة العقد . كرجل استؤجر لخدمة أو عمل في بناء أو خياطة يوماً أو شهراً . وسمي خاصاً لاختصاص المستأجر بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس . ويلزم في إجارة الأجير الخاص تعيين المدة ، لأنها إجارة عين المدة ، فلابد من تعينها ، لأنها هي المعينة للمعقود عليه ، والمنفعة لا تعتبر معلومة إلا بذلك .

        قال السرخسي : أجير الواحد من يكون العقد وارداً على منافعه ، ولا تصير منافعه معلومة إلا بذكر المدة ، أو بذكر المسافة ، ومنافعه في حكم العين فإن صارت مستحقة بعقد المعاوضة لا يتمكن من إيجابها لغيره .

        وينبغي أن تكون المدة مما يغلب على الظن بقاء الأجير فيها قادراً على العمل .

        وليس للأجير الخاص أن يعمل لغير مستأجره إلا بإذنه وإلا نقص من أجره بقدر ما عمل ، ولو عمل لغيره مجاناً أسقط رب العمل من أجره بقدر قيمة ما عمل .

        والأجير الخاص أمين ، فلا يضمن ما هلك في يده من مال ، كما لا يجوز له أن يكلف غيره بإنجاز ما استأجر لأجله ؛ لأن العقد وقع على منافعه نفسه لا على عمل غيره .

        والأجير الخاص لا يضمن ما في يده لأنه أمين ، فلا يضمن ما يهلك في يده ، أو ما يهلك بعمله ، ما لم يكن بالتعدي أو التقصير ، أما أنه لا ضمان عليه لما تلف في يده من مال ، فلأن العين أمانة في يده لأنه قبضه بإذن رب العمل ، وأما ما هلك بعمله فإن المنافع تصير مملوكة للمستأجر ، لكونه يعمل في حضوره ، فإذا أمره بالتصرف في ملكه صح ، ويصير نائباً منابه ، ويصير فعله منسوباً إليه ، كأنه فعله بنفسه ، فلهذا لا يضمن .

        وقال المالكية : لا يضمن ولو شرط عليه الضمان ، لأنه شرط ينافي مقتضى العقد ، ومنهم ومن الشافعية من قال : إنه يضمن لقول الشافعي : الأجراء سواء ، وذلك صيانة لأموال الناس ، وكان يقول : لا يصلح الناس إلا ذاك ([]) .

        ويظهر مما ذكر أن الأجير الخاص يختلف عن المقاول ، إذ الأجير الخاص تحت نظر ومسؤولية وإشراف رب العمل ، فهو تابع له ، ويده يد أمان ، وهذا كله بخلاف المقاول كما سيأتي – .

المبحث الثاني

صور عقد المقاولة

ـــــــــــ

        لا يثور أي لبس في تحديد طبيعة العقد إذا كان المقاول يتعهد بموجبه أن يقدم عمله فقط ، على أن يقدم رب العمل الأرض التي سيقام عليها البناء ، والمواد والخامات التي سيستخدمها المقاول في تنفيذ المبنى ، إذ في هـذا الفرض يكون العقد وعلى العكس ، إذا  كان المقاول يقدم العمل والمواد والأرض أيضاً ، بمعنى أنه يتعهد بأن يبني على أرض يملكها وبمواده وأدواته بناء يتعهد بأن ينقل ملكيته بعد إنجازه ، مع الأرض ، إلى رب العمل ، فإنه لا جـدال في تكييف هـذا العقد بأنه بيع للأرض في حالتها المستقبلة ، أي بيع للعقار في مجموعه بعد البناء .

        أما إذا كان يقدم العمل والمواد فقط ، بمعنى أنه يتعهد بأن يقيم بناء بمواد من عنده على أرض مملوكة لرب العمل ، فإن طبيعة العقد في هذا الفرض قد تتردد بين البيع والمقاولة . وفيما يلي بيان هذه الصور :

الصورة الأولى لعقد المقاولة : تقديم المقاول الأجير المشترك العمل :

الأجير المشترك : هو كما قال السرخسي : من يكون عقده وارداً على عمل هو معلوم ببيان محله ؛ لأن المعقود عليه في حقه الوصف الذي يحدث في العين بعمله ، فلا يحتاج إلى ذكر المدة ، ولا يمتنع عليه بعمل مثل ذلك العمل من غيره ؛ لأن ما استحقه الأول في حكم الدين في ذمته وهو نظير السلم مع بيع العين . أو هو كما قال الدردير : هو من نصب نفسه لعموم الناس . مثل الصباغ والخياط والقصار والحداد ، فالأجير المشترك هو من يستأجر لعمل معين لم يجعل الزمن معياراً له ، ولم يختص به شخص معين أو أشخاص معينون ، ومعنى ذلك : أن كل أجير يجوز له أن يتقبل العمل من كثير من الناس في وقت واحد ، سواء أعمل لشخص واحد فعلاً أم عمل لكثير ، وسواء جعل الزمـن معياراً لعمله عند الحاجة إلى ذلك ، بأن يكون العمل مما يمتد كرعي الغنم ، أو لم يجعل الزمن معياراً له ، كالاستئجار على إصلاح آلة معينة ، وذلك كالمحامي ، والمهندس والبناء والحمال إذا لم يقصروا على العمل وإن كان عملهم لشخص واحد وما داموا لم يمنعوا من أن يعملوا لغيره ، ويتعاقدوا معه على ذلك ، كمن استأجرته ليقوم بإصلاح مباني منزلك ، ولكن إذا اشترطت عليه في العقد ألا يقوم بعمل لغيرك في هذا الوقت كان فيه أجيراً خاصاً غير مشترك ([]) .

 تكييف عقد المقاولة :

        ظهر مما ذكر أن الأجير المشترك هو المقاول ، ومحل العقد هـو العمل . فقد تبين أن العقد في الأجير المشترك وارد على العمل الموصوف أو الأثر والوصف الذي يحدثه العامل في العين بعمله ، مقابل أجر ، وهذا هو عقد المقاولة في القانون المعرف بأنه : عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً أو أن يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر كما سبق وتظهر ماهية عقد المقاولة أكثر حين المقارنة بين الأجير الخاص والأجير المشترك .

أوجه الاختلافات الفقهية بين الأجير الخاص والأجير المشترك :

        بيان أوجه الاتفاق والاختلاف بين الأجير الخاص والمشترك ، تميز الأجير المشترك ، وتظهر مدى مطابقته للمقاول وعقد المقاولة ، إذ المقاولة بينهما تقابل المقاربة القانونية بين المقاولة والإجارة على العمل إجارة العامل .

أولاً : المعقود عليه في إجارة العامل :

        المعقود عليه بالنسبة للأجير المشترك هو العمل أو الأثر والوصف الذي يحدثه العامل في العين بعمله ، ولذا لا يحتاج إلى ذكر مدة له إلا إذا كان عملاً ممتداً كرعي الغنـم ، فيحتاج حينئذ إلى ذكر المدة لتقديره ، أما إذا كان مما لا يمتد فلا يحتاج إليها ، وإذا ذكرت معه كان ذكرها للاستعجال فقط . ويستحق المستأجر هذا العمل على الأجير ويثبت ديناً في ذمته ، كثبوت الدين في ذمة المدين ، ولذا لا تزدحم بكثير الأعمال ، كما لا تزدحم بكثير الديون . ويلزم بالقيام به نتيجة للعقد ، ويستوجب الأجر بعمله .

        والمعقود عليه بالنسبة للأجير الخاص منفعته في المدة المبينة بالعقد ، وإن شئت قلت : نفس الأجير أو وقته ، ولذا يستحق الأجرة بتسليمه نفسه في المدة ، وإن لم يعمل شيئاً كالموظف يستحق مرتبه إذا ما ذهب إلى محل عمله وإن لم يجد عملاً يقوم به ، وكالطاهي يستحق أجرته وإن لم يحضر له المستأجر ما يطهوه من الطعام ، واستحقاقه لها يكون بحسب المدة لا بحسب العمل الذي يقوم به فيها .

ثانياً : استحقاق الأجرة :

إذا سلم الأجير الخاص نفسه في مدة الإجارة استحق الأجرة وإن لم يعمل ، متى كان متمكناً من أن يقوم بعمله وإن منعه منه المسـتأجر . فإذا سلم نفسه مريضاً لا يستطيع عملاً لم يستحق أجرته .

        وليس للمستأجر أن يمتنع عن إعطائه أجر المـدة كلها وإن استغنى عنه فيها ، بل يجب عليه أداؤها إليه متى لم يكن بالأجير عذر يجيز للمستأجر فسخ الإجارة كالمرض مثلاً .

        أما الأجير المشترك فلا يستحق أجرة إلا بالعمل وعلى حسبه كما تقدم . ولابد لاستحقاقه الأجر من تسليم عمله إلى المستأجر ، فإذا تلف عمله قبل التسليم لم يستحق أجراً عليه ، وذلك كخياط خاط ثوباً ثم فتقت خياطته قبل تسليم الثوب إلى مالكه فلا يستحق عليها الأجر إلا إذا أعادها .

ثالثاً : بيان المدة في إجارة العامل :

إذا لم تعين مدة الإجارة للأجير الخاص فسد العقد في جميع الأحوال ؛ لأن الزمـن معـه معيـار لما يطلب منه من منفعة ، فعند عدم ذكـره يكـون محل العقد مجهولاً جهالة تفضي إلى النزاع فيفسد العقد ، بخلاف الأجيـر المشترك ، فإن تحديد مدة له قد يكون لتقدير المنفعة المطلوبة إذا كانت تمتد أزماناً ، وعندئذ يجب ذكرها وإلا فسد العقد للجهالة ، وقد يكون للاستعجال إذا كانت لا تمتد ، كخياطة الثوب وخبز كيلة من الدقيق .

رابعاً : إنابة الأجير غيره :

لا يجوز للأجير الخاص في جميع أحواله أن يكلف غيره بإنجاز ما استؤجر لأجله ، لأن العقد وقع على منافعه نفسه لا على عمل غيره ، ويجوز للأجير المشترك إذا لم يشترط عليه العمل بنفسه أن يكلف غيره بذلك العمل ، لأن العقد وقع على العمل نفسه ، سواء أقام به الأجير أم قام به غيره بتكليف منه ، ويكون حينئذ ضامناً لما يتلف في يد من كلفه على خلاف في هذا – .

خامساً : عمل الأجير لغير من استأجره :

لا يجوز للأجير الخاص أن يعمل لغيـر المستأجر في وقت العمل ، فإذا عمل نقص من أجرته بقدر ما أضاع من الزمـن في هـذا العمل ؛ لأن منفعته في ذلك الزمن ملك المستأجر ، بخلاف الأجير المشترك فإنه يجـوز أن يعمل لكل من يطلب منه العمل ([]) .

سادساً : يد الأجير الخاص كيد رب العمل ، وعلى الأجير أن يأتمر بأوامره لأنه ملك منفعته خلال المدة .

        أما الأجير المشترك فيعمل مستقلاً عن رب العمل ، ولا يأتمر بأمره ، وليس عليه إلا أن يحصل العمل في الذمة وفقاً للمشـترط في العقـد ، وما يقتضيه العرف ، ولا يعد نائباً عن رب العمل ، ومنافعه ليست مملوكة لرب العمل .

سابعاً : الأجير الخاص لا يضمن إلا إذا تعدى أو قصر أو فرط ، لأن المستأجر يختص بمنافعه ، ولا يعمل إلا له ، ويده كيده وهو نائب عنه ، فتكون يده يد أمانة كالغائب والوكيل .

        أما الأجير المشترك فإنه التزم تحصيل العمل على السلامة ؛ لأن عقد المعاوضة يقتضي سلامة المعقود عليه من العيوب ، وقد اختلف الفقهاء في تضمينه إذا لم يتعد أو يفرط كما سنبينه – .

        وعلى هذا فإذا كان العمل المعقود عليه عملاً موصوفاً في الذمة كنا بصدد عقد مقاولة ، أما إذا كان العقد مع أجير على أن يعمل لدى المستأجر مدة معينة كان العقد عقداً مع أجير خاص ، والمسمى عند القانونيين بعقد العمل .

ثامناً : العمل المعقود عليـه في المقاولة معلـوم علماً نافياً للجهالة ، وقاطعاً للمنازعة ، ويكون ذلك عن طريق بيان صفاته ، وما يميزه عن غيره ، ومقصود رب العمل هو تحصيل العمل المعقود عليه ليس إلا ، أما العمل المعقود عليه في إجارة الأجير الخاص فليس معلوماً من كل الوجـوه ، فيكفي أن يستأجره للبناء يوماً أو شهراً أو سـنة ، أو نحو ذلك دون بيان لما يبنيه وكيفيته ، ومقصود رب العمل ليس تحصيل عمل محدد ، وإنما مقصوده عمل الأجير لديه في البناء مثلاً مدة محددة ([]) .

        ومن هذا يتبين الفرق بين المقاولة في القانون والمقاولة في الفقه الإسلامي ، وينجلي تكييفه الشرعي ، فما يطلق عليه في القانون مقاولة هو في الفقه الأجير المشترك ، إذا كان محل العقد عملاً موصوفاً في الذمة ، وما يسمى بعقد العمل في القانون هو عقد الأجير الخاص في الفقه . فالفقهاء نظروا في معيار التفرقة بين عقد المقاولة الأجير المشترك وبين عقد العمل الأجير الخاص إلى العمل المعقود عليه . فأما أن يكون موصوفاً في الذمة فيكون مقاولة ، أو غير موصوف في الذمة ، بل ملك المستأجر وحده منفعة الأجير مدة معينة فيكون عقد أجير خاص .

        والقانونيون ارتضوا في معيـار التفرقة تبعيـة العامل لرب العمل فيكون عقـد عمل . وعدم تبعيته والإشراف عليه من رب العمل حتى يكون مقاولة .

        وعند التدقيق فإن معيار الفقهاء أدق ، حيث إن التبعية غير منضبطة فهناك نوع تبعية وإن لم تكن قانونية ، فرب العمل هو من يرجع إليه في كثير من الأعمال قبل العمل وأثناءه ، وله صلاحيات تجاه المقاول كما أن عليه واجبات ، ويرجع إليه المقاول في التعديل أو التغيير والزيادة ونحوه ، ” وأيضاً فإن معيار الاستقلال وعدم الخضوع لأوامر رب العمل وتعليماته الذي أخذ به القانون هذا لازم من لوازم العقد على عمل موصوف في الذمة ، إذ أن العقد على عمل موصوف في الذمة يقتضي هذا الاستقلال ، ولا يخضع الأجير إلا لما يمليه عليه العقد . وعلى هذا فإذا كان المعقود عليه عملاً موصوفاً ، كان الأجير أجيراً مشتركاً ، والأولى الأخذ بهذا المعيار ، وإن كان معيار فقهاء القانون يعد صحيحاً أيضاً لأنه لازم من لوازم العمل الموصوف في الذمة ، فإذا قيل بأن الأجير يعمل في استقلال ولا يلتزم بأوامر رب العمل دل ذلك على أن المعقود عليه عمل موصوف في الذمة ” ([]) .   أما معيار العمل الموصوف ، فإنه معيار منضبط يحدد في العقد كل ما ينفي الجهالة والغرر .

الصورة الثانية : تقديم المقاول الأجير المشترك العمل والمادة :

        وهي صورة من صور المقاولة ، فالمقاولة الواردة على العمل ، يقدم المقاول عمله ، ولكن قد يقدم مع العمل مادة ، فهل يكون هذا العقد مقاولة ، أو بيعاً ، أو مقاولة وبيعاً .

اختلف فقهاء القانون في ذلك . قال السنهوري : قد يقع أن يتعاقد شخص مع نجار على أن يصنع له مكتباً أو مكتبة أو أثاثاً ويقدم النجار الخشب من عنده ، وهذا ما يحصل في الغالب . ويقع أن يتعاقد شخص مع حائك على أن يصنع له ثوباً ويقدم الحائك القماش من عنده . والرسام يقدم عادة القماش والمادة التي يصور بها فيتعاقد على المادة والعمل معاً . وصانع السفينة يقوم هو أيضاً بتقديم الخشب والمواد اللازمة لصنع السفينة فيتعاقد على العمل والمادة معاً . فهل يبقى العقد في الأحوال المتقدمة الذكر عقد مقاولة ، أو يكون عقد بيع واقع على شيء مستقبل هو الأثاث بالنسبة إلى الرسام والثوب بالنسبة إلى الحائك والصورة بالنسبة إلى الرسام والسفينة بالنسبة إلى صانعها ؟ ([]) .

انقسمت الآراء في هذه المسألة . فرأي يذهب إلى أن العقد مقاولة دائماً ، والمادة ليست إلا تابعة للعمل . وتكون المقاولة في هذه الحالة ملزمة للصانع بصنع الشيء المطلوب فتقع على العمل ، وهي في الوقت ذاته تقع على الشيء المصنوع فتنقل ملكيته إلى رب العمل ولا تخرج مع ذلك عن نطاق المقاولة ، إذ أن ” تملك رب العمل للشيء الذي صنعه المقاول ليس إلا نتيجة ضرورية لازمة لكون المقاول يقوم بالصنع لحساب رب العمل ، والعقود الواردة على الملكية لا تقتصر على البيع فهناك الشركة والقرض والدخل الدائم والصلح ، وكذلك المقاولة إذا اتخذت صورة الاستصناع بأن كان محلها صنع شيء من مواد يقدمها المقاول ” . والقول بأن المقاولة تنقل ملكية الشيء المصنوع إلى رب العمل مع بقائها مقاولة يجعل للمقاولة طبيعة أخرى تختلف تماماً عن طبيعتها باعتبارها عقداً يرد على العمل . ولم يقل أحد قبل ذلك إن المقاولة قد ترد على الملكية فتنقلها ، وهي إذا وردت على الملكية فنقلتها فذلك إنما يكون إما لأنها اندمجت في عقد آخر أو اختلطت بعقد آخر . وهذا العقد الآخر الذي نقل الملكية في نظير مقابل لا يمكن إلا أن يكون بيعاً إذا كان المقابل نقوداً ، أو إلا أن يكون مقايضة إذا كان المقابل غير نقود . وإذا كان صحيحاً أن المشرع في نصوص متفرقة قد أجاز أن يتعهد المقاول بصنع شيء يقدم فيه العمل والمادة ( م 647 / 2 مدني ) من القانون المصري فقد ورد فيها صورتان للمقاولة فنصت في فقرتها الأولى على أنه : ” يجوز أن يقتصر المقاول على التعهد بتقديم عمله فهذا يتمخض عقد مقاولة ” ، والفقرة الثانية تقول : ” كما يجوز أن يتعهد المقاول بتقديم العمل والمادة معاً ” . وأنه في هذه الحالة يكون مسؤولاً عن جودة المادة وعليه ضمانها لرب العمل ، فليس معنى ذلك أن المقاولة تبقى مقاولة محضة في هذه الظروف ، ولا يوجد ما يمنع من أن تختلط المقاولة بعقد آخر هو  الذي يقع على المادة دون العمل ويصح القول مع ذلك إن المقاول هو الذي قدم المادة ، ويكون له بذلك دوران ، دور البائع الذي قدم المادة ، ودور المقاول الذي قدم العمل .

        ورأي ثانٍ يذهب إلى أن العقد هو بيع شيء مستقبل . وهذا الرأي لا يدخل في الاعتبار أن المقاول إنما تعاقد أصلاً على العمل ، والمادة إنما جاءت تابعة للعمل . ولو كان المقاول قصد أن يبيع شيئاً مصنوعاً ، لجاز له أن يقدم لرب العمل شيئاً يكون قد صنعه قبل العقد . وهو إذا فعل ، وقبل منه رب العمل ذلك ، فإن ملكية هذا الشيء المصنوع من قبل لا تنتقل بموجب العقد الأصلي ، وإنما تنتقل بموجب عقد جديد يكيف على أنه بيع ، لا لشيء مستقبل ، بل لشيء حاضر .

        ورأي ثالث يذهب إلى أن العقد يكون مقاولة أو بيعاً بحسب نسبة قيمة المادة إلى قيمة العمل . فإن كانت قيمة العمل تفوق كثيراً قيمة المادة ، كالرسام يورد القماش أو الورق الذي يرسم عليه ، والألوان التي يرسم بها وهذه الخامات أقـل بكثير من قيمة عمل الرسام ، فالعقد مقاولة . أما إذا كانت قيمة المادة تفوق كثيراً قيمة العمل ، كما إذا تعهد شخص بتوريد سيارة بعد أن يقوم فيها ببعض إصلاحات طفيفة ، فالعقد بيع ([]) . وهذا هـو الرأي الذي ذهب إليه السنهوري وقال : إن الأمر ظاهر في المثلين المتقدمين ، حيث تصغر قيمة المادة إلى حد كبير بالنسبة إلى عمل الفنان فتكون تابعة للعمل ويكون العقد مقاولة ، وحيث تكبر هذه القيمة إلى حد بعيد بالنسبة إلى العمل في  السيارة التي تحتاج إلى إصلاحات طفيفة فيكون العقد بيعاً ، ولكن كثيراً ما يقع أن تكون للمادة قيمة محسوسة إلى جانب قيمة العمل ، حتى لو كانت أقل قيمة منه ، وذلك كالخشب الذي يورده النجار لصنع الأثاث ، والقماش الذي يورده الحائك لصنع الثوب ، ويصبح العقد في هذه الحالة مزيجاً من بيع ومقاولة ، سواء كانت قيمة المادة أكبر من قيمة العمل أو أصغر ، ويقع البيع على المادة وتسري أحكامه فيما يتعلق بها ، وتقع المقاولة على العمل وتنطبق أحكامها عليه ([]) .

        وعلى هذا فللمقاولة صـورتان في القانون : الأولى إذا تعهد المقاول بتقديم العمل ، والثانية إذا تعهد بتقديم مادة العمل كلها أو بعضها .

اجتماع المقاولة والبيع في الفقه الإسلامي :

        ظاهر أن المقاولة عقد يرد على العمل ، والبيع عقد يرد على الأعيان والمنافع ، وقد تجتمع المقاولة أو الأجير بالعمل مع البيع بأن يقوم الأجير بالعمل وبتقديم عين من الأعيان ، فالعقد مع الكحال على أن يكحل عين مريض في مقابل أجر ، ويقوم بكحل المريض بكحل من عنده . والعقد مع الصباغ على صبغ ثوب في مقابل أجر ، ويقوم بصبغ الثوب بصبغ من عنده ، والخياط يخيط الثوب بخيط من عنده ، ففي هذه المسائل ورد عقد الإجارة على العمل ومع هذا فإنه تضمن نقل ملكية عين من الأعيان إلى المستأجر ، فالكحل يتملكه المريض بالوضع في عينه ، والصبغ يتملكه صاحب الثوب ، والخيط يتملكه صاحب الثوب المخيط ، وهكذا ([]) .

        وقد اختلف الفقهاء في مثل هذا على أربعة أقوال :

الأول : أن المعقود عليه العمل ، ويأتي استهلاك العين تبعاً ، فالمعقود عليه هو الوصف الذي يحدث في المحل . وهذا هو مذهب الحنفية ، فقد نصوا على أن المعقود عليه هو العمل ولا سـبيل إلى تحصيل هذا الوصف إلا باستهلاك الصبغ المملوك للصباغ في مثال الصباغ لأن الصبغ آلة العمل ، وهي مستحقة على الصباغ . بمنزلة الحوض والصابون في عمل الغسال فلا يصير صاحب الثوب مشترياً للصبغ ، أو لأن العين المقدمة تابع للعمل ومتعارف عليها ، كما لو استأجر أسكاف بأجر مسمى على أن يخرز له خفين بصفة معلومة على أن يفعله الاسكاف ويبطنه ووصف له البطانة  والنعـل فهو جائز لأنه متعارف عليه .. ولا يتأتى الرد في البطانة والنعل منفرداً عن الأصل ، ثم البطانة والنعل بيع في هذا العقد ، والمقصود هو العمل ([]) .

كما ذكر السرخسي هذه الصورة للمقاولة في ذكره النوع الثالث من أنواع البيوع حين قال : اعلم أن البيوع أنواع أربعة : بيع عين بثمن ، وبيع دين في الذمة بثمن ، وهو السلم ، وبيع عمل العين فيه تبع ، وهو الاستئجار للصناعة ونحوهما ، فالمعقود عليه الوصف الذي يحدث في المحل بعمل العامل ، والعين هو الصبغ بيع فيـه ، وبيع عن شرط فيه العمل وهو الاستصناع ، فالمستصنع فيه مبيع عين ([]) .

الثاني : أن العقد جمع بين إجارة وبيـع ولكل حكمه ، فيعد الصباغ بائعاً لمادة الصبغ ، أجيراً في منفعة يده ، فلا تفسد الإجارة ولا يفسد البيع لجواز اجتماعهما كشرائه ثوباً بدراهم معلومة على أن يخيطه البائع ، أو جلداً على أن يخرزه . ويشترط حينئذ شروعه أو ضرب أجل الإجارة ([])     

وفي المدونـة ما هـو صريح في هـذا النوع من المقاولة : قلت : أرأيت إن استأجرت رجـلاً على أن يبني لي داري على أن الجص والآجـر من عند الأجير ، قال : لا بأس بذلك . قلت : وهو قول مالك . قال : نعم ، قلت : لـم جوزه مالك ؟ . قال : لأنها إجارة وشراء جص وآجر صفقة واحدة . قلت : وهذا الآجر لم يسلف فيه ، ولا هذا الجص ، ولم يشتر شيئاً مـن الآجر بعينه ، ولا مـن الجص والآجر ، فلم جوزه مالك ؟ . قال : لأنه معروف عند الناس ، ما يدخل في هذه الدار من الجص والآجر ، فلذلك جوزه مالك ([])

وقد قسم ابن القاسم السلم في الصناعات أربعة أقسام ، ثانيها وثالثها من باب اجتماع البيع والإجارة على العمل . وهما جائزان عند المالكية كما سبق التنويه قال ابن القاسم : السلم في الصناعات على أربعة أقسام : ( أحدها ) أن لا يشترط المسلم المستعمل عمل من استعمله ولا يعين ما يعمل منه .

( والثاني ) أن يشترط عمله ويعين ما يعمل منه .

( والثالث ) أن لا يشترط عمله ويعين ما يعمل منه .

( والرابع ) أن يشترط عمله ولا يعين ما يعمل منه فهو سلم على حكم السلم لا يجوز إلا بوصف العمل وضرب الأجل ، وتقديم رأس المال .

فالقسم الثاني : وهو أن يشـترط عمله ويعين ما يعمله منه فليس بسلم وإنما هو من باب البيع والأجرة في الشيء المبيع … .

وأما القسم الثالث : وهو أن لا يشرط عمله بعينه ويعين على ما يعمل منه فهو أيضاً من باب البيع والأجرة في المبيع ([]) .

الثالث : يجوز اشتراط العين على الأجير وجوازه للحاجة على خلاف القياس إعمالاً للعرف والعادة وتيسيراً على الناس ودفعاً للمشقة ، قال ابن قدامة : إذا كان الكحل من العليل جاز لأن آلات العمل تكون من المستأجر كاللبن في البناء ، والطين والآجر ونحـوها ، وإن شارطه على الكحل جاز .. ، لأن العادة جارية ، ويشق على العليل تحصيله ، وقد يعجز عنه بالكلية ، فجاز ذلك كالصبغ من الصباغ ، واللبن في الرضاع ، والحبر والأقلام من الوراق ، وقال أصحاب مالك : يجوز أن يستأجره ليبني له حائطاً ، والآجر من عنده ؛ لأنه اشترط ما تتم به الصنعة التي عقد عليها ، فإذا كان مباحاً معروفاً جاز ، كما لو استأجره ليصنع ثوباً والصبغ من عنده . ورأى المالكية هذا أورده ابن قدامة ليرد عليه ويبين أن جواز ما سبق فيما يشق تحصيله ولذا قال محتجاً لمذهبهم : ولنا أن عقد الإجارة عقد على المنفعة ، فإذا شرط فيه بيع العين صار كبيعتين في بيعة ، ويفارق الصبغ وما ذكرنا من الصور التي جاز فيها ذلك من حيث إن الحاجة داعية إليه ؛ لأن تحصيل الصبغ يشق على صاحب الثوب .. فجاز لمسيس الحاجة إليه ([]) . وهذا وجه عند الشافعية ، والأصح عندهم أنه لا يجب على الأجراء شيء مما تقدم ؛ لأن عقد الإجارة عقد يرد على المنفعة ، ولا يرد على استيفاء عين .

الرابع : يرى أصحابه الرجوع إلى العادة ، فإذا كانت العادة جارية بأن هذا على المستأجر فليس على الأجير ، فإن لم تكن هناك عادة وجب البيان بالشرط ، بأن تشترط على الأجير أو المستأجر ([]) .

الخامس : لا يجوز اشتراط عين من الأعيان على الأجير وإلا بطل العقد ، فلا يجوز أن يشترط على الأجير فإذا اشترط بطل العقد ، لأنه بيع مجهول وإجارة مجهولة ([]) .

والأصح عند الشافعية أن لا يجب على الأجراء شيء مما تقدم لأن عقد الإجارة عقد يرد على المنفعة ولا يرد على استيفاء العين ([]) .

ولعل الراجح والأوجه من هذه الأقوال ، قول المالكية في أنهما عقدان وليس ما يمنع اجتماع عقد إجارة على العمل ( المقاولة ) وعقد البيع في صفقة واحدة ويكون لكل حكمه ، وفي ذلك تحقيق لمصلحة المتعاقدين ، بل تحقيق مصالح الناس عامة .

وبناءً عليه فهذا الترجيح يوافقه ما انتهى إليه الترجيح في القانون لدى أغلب رجال القانون . ويترتب على اجتماع العقدين الأثر القانوني والشرعي .

التكييف الشرعي والقانوني لتقديم المقاول العمل والمادة :

إذا اتفق العاقدان المقاول ورب العمل على تقديم المقاول للعمل والمادة ، فإن قصدهما وإرادتهما في تحديد محل العقد يحتمل عدة أمور لا يخرج عنها : إما أن تكون قصدهما العمل والمادة ، أو العمل فقط أو المادة فقط .

فإذا كان القصد أن المعقود عليه العمل والمادة فنكون بصدد عقد مقاولة ( إجارة على العمل ) وعقد بيع ، فلكل عقد حكمه .

قال خليل وشارحه الدردير : وإن اشترى المعمول منه وعينه ودخل في ضمانه واستأجره بعد ذلك على عمله جاز إن شرع في العمل ولو حكماً كتأخيره لنصف شهر ، قال الدسوقي : يعني أنه إذا اشترى منه حديداً مثلاً معيناً واستأجره على أن يعمل له منه سيفاً بدينار . فإن ذلك جائز سواء شرط تعجيل النقد أم لا بشرط أن يشرع في العمل ، وفهم من قوله : واستأجره أنه لو استأجر غير البائع لجاز من غير قيد الشروع ([]) .

أما إذا وقع العقدان صفقة واحدة في إيجاب وقبول واحد ،فإن العقد قد جمع بين المقاولة ( إجارة على العمل ) ، والبيع وقعا صفقة واحدة في عقد واحد فيجب أن يستوفى عقد المقاولة حكمه ، ويستوفى عقد البيع حكمه .

أما إذا قلنا بأن المعقود عليه هو العمل دون المادة وفقاً لقصد المتعاقدين فإننا نكون بصدد عقد مقاولة لا شك ، والفرض هنا أن المقاول قد قام بتقديم المادة أيضاً فما هو تكييف تقديم المقاول للمادة ؟

أما المـادة التي يقدمها المقاول فإذا قدمها على سبيل البيع وفقاً لقصد المتعاقدين فنكون بصدد عقد بيع ومقاولة وهو أمر يدخل تحت الصورة السابقة ، والفرض أننا استبعدناه لأننا اعتبرنا أن المعقود عليه هو العمل ، فهل قدمها على سبيل التبرع ؟ ، أم قدمها على سبيل القرض ؟ فهنا يكون العقد مقاولة على العمل ، وتبرع بالمادة في الحالة الأولى وقرض لها في الثانية . وهذا ليس شأن عقد المقاولة ولا جرى به العرف .

وإذا قلنا بأن المعقود عليه المادة فقط وفقاً لقصد المتعاقدين والعمل ليس معقوداً عليه فإننا نكون بصدد عقد بيع لشيء بمواصفات معينة . وهذا ليس من شأن عقد المقاولة أيضاً .

أما التزام المقاول بتقديم العمل وهو يلتزم به فرضاً إلا أنه ليس مقصوداً للمتعاقدين فيكيف على أنه وصف في المادة التي يلتزم البائع بتسليمها ، ونكون بصدد عقد بيع لشيء بمواصفات معينة يعتبر العمل وصفاً فيه .

أما إذا كان القصد مقابلة المادة ( بمقابل ثمناً أو مقايضة ) وكان العمل متبرعاً به ، فإننا نكون بصدد بيع المادة وتبرع بالعمل ، والتبرع بالعمل ليس مقاولة .

وعلى أساس ما تقدم فإني أرجح الرأي القائل بأن لكل عقد حكمه ، فللمقاولة حكمها ، وللبيع الواقع على المادة أو أي عقد آخر يجتمع معها حكمه ، ولا يجمع المقاولة والعقد الآخر إلا أنهما وقعا صفقة واحدة .

ويظهر من هذا رجاحة القول بأنهما عقدان في صفقة واحدة . ويترتب على ذلك أنه فإذا كانت مادة العمل معينة بذاتها فإن الملكية تنتقل بمجرد العقد دون حاجة إلى أي أمر آخر ، ويلتزم البائع بالتسليم ، فإذا قام بواجبه وسلم المبيع ، وتركه لديه المشتري ليقوم بإجراء العمل فيه فإن العمل يقع لرب العمل ( المشتري ) ، وإذا لم يسلم المبيع وقام البائع ( الذي هو في نفس الوقت رب العمل لأن ملكية الشيء المعين بالذات تنتقل بمجرد العقد ، ويكون البائع الذي هو المقاول في نفس الوقت قد قام بالعمل في مادة مملوكة لرب العمل . أما إذا كانت المادة غير معينة بذاتها بل كانت معينة بنوعها فلا تنتقل الملكية إلا بالأفراز ، فإذا قام البائع بالأفراز والتسليم ، وقام بإجراء العمل فإن المادة تكون مسلمة إليه بوصفه مقاولاً ليجري فيها العمل الذي التزم به ، فيقع العمل لربه في مادة مملوكة له .

أما إذا قام البائع بإجراء العمل المطلوب منه على سبيل المقاولة قبل التسليم فبديهي أنه بإجراء العمل بعد الإفراز ، لأن إجراء العمل يتطلب تجنيب مادة من النوع المتفق عليه لإجراء العمل فيها ، فيكون عاملاً في ملك رب العالمين ، لأن الملكية تنتقل في المعين بنوعه بالأفراز ، أو بوضع علامات المشتري عليها ، أو تجنيبها أو اي إجراء آخر من شأنه الأفراز كعد الأشياء ، أو وزنها ، أو قياسها ، أو أي أمر آخر من شأنه فصل هذه الأشياء المعينة بنوعها عن ملك البائع ، ولا يشترط لانتقال الملك في المعين بنوعه التسليم .

ولا شك أن البائع الذي هو المقاول عند قيامه بإجراء العمل يفرز مادة العمل عن ملكه ، فيكون عاملاً في ملك المشتري الذي هو نفس الوقت رب عمل ، ويقع العمل له .

أما إذا أراد رب العمل التحلل من المقاولة قبل تمام العمل فله ذلك ، وليس له أن يتحلل مـن عقد البيع الذي وقع معها ، لأن أحكام التحلل خاصة بالمقاولة دون ما سواها ([]) .

شروط العاقدين في عقد المقاولة :                            

        طرفا العقد في المقاولة رب العمل والمقاول ويشترط فيهما ما يشترط في العقود جملة من العقل والبلوغ والرشد والرضى والاختيار .

        هذا ولا يشترط في المتعاقدين الإسلام . وقد أجاز الفقهاء أن يكون المسلم أجيراً مشتركاً ( مقاولاً ) لرب عمل غير مسلم كأن يعمل المسلم نجاراً ومقاول بناء أو مهندساً ونحو ذلك ، ولا يتنافى هذا الحكم مع قوله تعالى : ) وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ( ([]لأن غير المسلم لا سبيل له على الأجير المشترك ( المقاول ) المسلم وهو يقوم بعمل موصوف في الذمة ، ولا يختص المستأجر بمنافعه ، وليست يده كيد رب العمل وليس نائباً له فلا يتضمن هذا العقد إذلال المسلم لكافر . قال ابن المنير : ” استقرت المذاهب على أن الصناع في حوانيتهم يجوز لهم العمل لأهل الذمة ، ولا يعد ذلك من الذلة ، بخلاف أن يخدمه في منزله وبطريق تبعية له ، وقد وضع الفقهاء معياراً خاصاً في هذا هو أن يكون العمل الذي يؤجر نفسه للقيام به مما يجوز له أن يفعله لنفسـه ، كالخياطة والبناء والحرث ، أما إذا كان لا يجوز له أن يعمله لنفسه كعصر الخمر ، ونحوه فإنه لا يجوز والمعيار عند الحنابلة أن يكون العمل غير الخدمة الشخصية .

        فيجوز أن يؤجر المسلم نفسه من ذمي إجارة مشتركة ، كأن يكون طبيباً أو خياطاً أو معلماً . كما يجوز للمسلم أن يستأجر عاملاً أو مقاولاً كافراً بلا خلاف لأن النبي r وصاحبه أبا بكر t استأجر رجلاً من بني الديـل وهو على دين كفار قريش ليحفظ راحلتيهما ، ويدلهما على الطريق ([]) .

شروط المعقود عليه في المقاولة :

يشترط في العمل المعقود عليه محل العقد في المقاولة أن يكون منتفعاً به ، متقوماً ، مقدوراً عليه ، معلوماً علماً نافياً للجهالة عند فقهاء الشريعة ، معيناً أو قابلاً للتعيين عند فقهاء القانون ، كما يشترط أن يكون العمل جائزاً شرعاً ، وحصول المنفعة للمستأجر ، وأن لا يتضمن العقد استيفاء عين قصداً .

        وأهم هذه الشروط : أن تكون المنفعة أو العمل معلوماً علماً نافياً للجهالة فيجب أن تكون المنفعة التي يستأجر عليها محـددة معلومة القدر وقد تحدد بتحديد محلها ، ويكون للأجير المشترك خيار الرؤية في كل عمل يختلف باختلاف المحل كما يرى الحنفية والحنابلة ، وقد تحدد المنفعة بتحديد المدة وحدها ، كما تحدد بتحديد العمل ، كإجارة خياطة الثوب ، وقد تحدد بالعمل والمدة معاً عند الصاحبين وهو أحد رأيين مشهورين عند المالكية إذا تساوى الزمن والعمل ، ورواية عند الحنابلة ، وقالوا : إن المعقود عليه أولاً هو العمل وهو المقصود من العقد ، وذكر المدة لمجرد التعجيل ، وإن أوفى الشرط استحق الأجر المسمى ، وإلا استحق أجر المثل بشرط ألا يتجاوز الأجر المسمى ، وهذا يعطي سعة كبيرة ومرونة مناسبة لعقد المقاولة ، وذهب أبو حنيفة والشافعي وهو رواية أخرى عند الحنابلة إلى فساد هذا العقد ؛ لأنه يفضي إلى الجهالة والتعارض ، لأن ذكر المدة يجعله أجيراً خاصاً ، والعقد على العمل يجعله أجيراً مشتركاً ( مقاولاً ) وهما متعارضان ويؤدي ذلك إلى الجهالة ([]) . كما اشترط الفقهاء أن يكون العمل معلوماً علماً نافياً للجهالة ، بأن يكون موصوفاً وصفاً ظاهراً لا خفاء فيه من حيث بيان جنسه ونوعه والشروط المطلوب تنفيذها حسب طبيعة محل العقد ، بناء تجارياً أو سكناً خاصاً ، أو نجارة ، أو تطبيباً بإجراء عملية ، ونحو ذلك ، فيجب أن يكون موصوفاً وصفاً ينفي الجهالة ولا يورث النزاع ولذا ينبغي أن يكون العقد مفصلاً ويتم الاتفاق على ما فيه من تفصيل نفياً للنزاع والغرر والجهالة .


 

المبحث الثالث

عقـد المقاولة والاستصناع

ــــــــــــــــ

        لا تعرف حقيقة المقاولة عند الفقهاء حتى تعرف حقيقة عقد الاستصناع ، فبمعرفته يتميز معنى المقاولة قانوناً وعرفاً ، ويعرف ما يقابلها في المعنى عند الفقهاء . فإن ماثل الاستصناع المقاولة ، فتنطبق شروط وأحكام الاستصناع على المقاولة ، وهذا ما يتضح فيما يأتي :

تعريف عقد الاستصناع :

هو طلب العمل من الصانع في شيء مخصوص على وجه مخصوص ([]) ، وعرفته مجلة الأحكام : بأنه عقد مع صانع على عمل شيء معين في الذمة ([]) . والمقصود أن المادة والعمل من الصانع ، أما إذا قدم المستصنع العين فيكون العقد إجارة .

حكم عقد الاستصناع :

        جمهور الفقهاء يدرجون عقد الاستصناع في عقد السلم ، ولا يعتبرونه عقداً مستقلاً ، ولم يجوزا الاستصناع إلا بشروط السلم ، وعلى هذا فإنهم لا يجوزون الاستصناع فيما لا تنضبط صفاته ؛ لأن شرط السلم أن تنضبط صفاته كالأثمان والحبوب فما كان كذلك سلماً فهو عقد ملزم ، ولا يثبت في الخيار ، لأن المسلم فيه إذا لم يكن مستوفياً لشروطه فعلى المسلم إليه أن يبدله لثبوته في الذمة ، كما أن الجمهور إنما يجوزون الاستصناع فيما تجري فيه العادة ، ولما كانت العادة مختلفة تبعاً للزمان ، فيجوز استصناع السيف والسرج كما يجوز استصناع الطائرة والباخرة ، لكن ذلك كله جاز بشروط السلم .

        وقد أجاز الحنفية الاستصناع ، وهو عقد مستقل عندهم على خلاف القياس وإنما جوز للحاجة الداعية إليه ، وللعمل عليه في سائر الأعصار ، قال الكاساني : وأما جوازه فالقياس أن لا يجوز ؛ لأنه بيع ما ليس عند الإنسان لا على وجه السلم ، وقد نهى رسول الله r عن بيع ما ليس عند الإنسان ، ورخص في السلم ، ويجوز استحساناً لإجماع الناس على ذلك ، لأنهم يعملون ذلك في سائر الأعصار من غير نكير .. والقياس يترك بالإجماع .. ولأن الحاجة تدعو إليه ؛ لأن الإنسان قد يحتاج إلى خف أونعل مـن جنس مخصوص ، ونوع مخصوص على قدر مخصوص وصفة مخصوصة ، وقلما يتفق وجوده مصنوعاً ، يحتاج إلى أن يستصنع ، فلو لم يجز لوقع الناس في الحرج ([]) .

        ويشترط لجواز الاستصناع عند الحنفية شروط :

1 أن يكون المعقود على صنعه معلوماً ببيان جنسه ، ونوعه ، وصفته ، وقدره ، وبيان جنس الصنعة ، ونوعها ، وصفاتها .

2 أن يكون مما يجري فيه التعامل بين الناس من أوانى الحديد والرصاص والنحاس والزجاج .. ونصول السيوف والسلاح ونحو ذلك ، ولا يجوز في الثياب ؛ لأن القياس يأبى جـوازه ، وإنما جوزناه استحساناً لتعامل الناس ، ولا تعامل في الثياب ، فإذا لم تجر العادة بالاستصناع واستوفى شروط السلم كان سلماً حملاً للعقد على الصحة.

3 ألا يكون فيه أجل ، فإن ضرب للاستصناع أجلاً صار سلماً حتى يعتبر فيه شرائط السلم وهو قبض البدل في المجلس ، ولا خيار لواحد منهما إذا سلم الصانع المصنوع على الوجه الذي شرط عليه في السلم .. وهذا قول أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف ومحمد : هذا ليس بشرط ، وهو استصناع على كل حال ، ضرب فيه أجلاً أو لم يضرب ، ولو ضرب للاستصناع فيما لا يجوز فيه الاستصناع أجلاً ينقلب سلماً في قولهم جميعاً ([]) .

        قال السمرقندي : فإذا ضرب الأجل في الاستصناع ينقلب عند أبي حنيفة سلماً ، خلافاً لهما ، وعلل لذلك بقوله : لأنه إذا ذكر فيه الأجل يكون فيه جميع معاني السلم ، والعبرة للمعنى لا للفظ ، ولهذا لو استصنع ما لا يجوز استصناعه حتى يكون استصناعاً فاسداً وشرط فيه الأجل ينقلب سلماً بلا خلاف كذا هذا ([]) .

تكييف عقد الاستصناع :

اختلف القائلون بالاستصناع حول تكييفه ، هل هو بيع ، أو وعد بالبيع ، أو إجارة ، ومن قال إنه بيع وهو الراجح عند الحنفية اختلفوا هل هو عقد على مبيع في الذمة ، أو عقد على مبيع في الذمـة اشترط فيه العمل . قال الكاساني : وجه القول الأول : أن الصانع لو أحضر عيناً كان عملها قبل العقد لما جاز لأن الشرط يقع على عمل في المستقبل لا في الماضي . ثم قال : والصحيح هو القول الأخير ؛ لأن استصناع طلب الصنع ، فما لم يشترط فيه العمل لا يكون استصناعاً فكان مأخذ الاسم دليلاً عليه ؛ ولأن العقد على مبيع في الذمة يسمى سلماً ، وهذا العقد يسمى استصناعاً ، واختلاف الأسامي دليـل اختلاف المعاني في الأصل . وأما إذا أتى الصانع بعين صنعها قبل العقد ، ورضى به المستصنع فإنما جاز لا بالعقد الأول ، بل بعقد آخر وهو التعاطي بتراضيهما ([])

وقـد فرق السرخسي و الكاساني بين الاستصناع والاستئجار على عمل الصناعة ، فقال الكاساني : إذا سلم إلى حداد ليعمل له إناء معلوماً بأجر معلوم ، أو جلداً إلى خفاف ليعمل له خفاً معلوماً بأجر معلوم فذلك جائز ، ولا خيار فيه ؛ لأن هذا ليس باستصناع ، بل هو استئجار فكان جائزاً ، فإن عمل كما أمر استحق الأجر ، وإن فسد فله أن يضمنه حديداً مثله ؛ لأنه لما أفسده فكأنه أخذ حديداً له ، واتخذ فيه آنية من غير إذنه ، والإناء للصانع ، لأن المضمونات تملك بالضمان ([]) .

لزوم عقد الاستصناع وعدم لزومه :

الاستصناع عقد غير لازم عند أكثر الحنفية سواء تم الصنع أو لم يتم ، وسواء كان موافقاً للشروط والمواصـفات أم لا ، ولا خلاف بينهم في أنه غير لازم قبل الصنع ، قال الكاساني : إنه عقد غير لازم قبل العمل في الجانبين جميعاً بلا خلاف ؛ حتى كان لكل واحد منهما خيار الامتناع قبل العمل ، ورأى أبو يوسف أنه إن تم الصنع حسب الاتفاق يصير لازماً فإن لم يطابق فهو بالخيار إن شاء أخذه ، وإن شاء رده . وقد اختارت مجلة الأحكام اللزوم في حق الطرفين منذ انعقاده ، فنصت المادة 392 : إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع ، وإذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة كان المستصنع مخيراً ([]) .

المقاولة والاستصناع في القانون والفقه :

يظهر جلياً من عرض معنى المقاولة في القانون وعرف الناس اليوم الفرق بين المقاولة والاستصناع ، فالمقاولة أعم من الاستصناع إذ بينهما عموم وخصوص مطلق ، يجتمعان فيما إذا كانت المادة والعمل من المقاول وهو الصانع ، فيكون مقاولة في القانون والعرف واستصناعاً في الفقه ، وتنفرد المقاولة فيما إذا كانت المادة من المستصنع والعمل من المقاول وهو الصانع ، فهي مقاولة في القانون والعرف ، إجارة على العمل عند الفقهاء .

وعنـد النظر لا نجد بعداً في المعنى والأثر بين المقاولة قانوناً والاستصناع فقهاً ، فالمقاولة عقد جمع بين بيع وإجارة على العمل في صفقة واحدة ولا يمانع كثير من الفقهاء في هـذا الاجتماع كما سبق البيان والاستصناع قريب في المعنى من ذلك ، فله شبه بالبيع والإجارة على العمل ، فهو بيع عند الحنفية على الراجح لأن حقيقته بيع وليس هو من قبيل إجارة الأشخاص ، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن المعقود عليه عمل الصانع وهو مبيع معدوم حين العقد ، واختلف عن السلم في عدم اشتراط تعجيل الثمن ، وبيان مدة إتمام الصنع وهما مشتركان في السلم .

وللاستصناع شبه بالإجارة في أنهما بيع عمل ، واختلف الاستصناع عن الإجارة في أن الصانع يقدم المادة والعمل ، والأجير يقدم العمل فقط ومحل العقد ، أو المعقود عليه في الاستصناع العين ، وهو في الإجارة العمل . ويتقارب الفقه والقانون في أثر عقد المقاولة والاستصناع ، فحكم أو أثر عقد الاستصناع عند الحنفية ثبوت الملك للمستصنع في العين المبيعة وثبوت الملك للصانع في الثمن المتفق عليه متى جاء بالمصنوع على وفق وصفه المطلوب . وقد نصت مجلة الأحكام في المادة 392 على أنه ” إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد المتعاقدين الرجوع عنه ، وإذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة كان المستصنع مخيراً ” وقد اعتبر مجمع الفقه الإسلامي الدولي عقد الاستصناع : ” عقداً وارداً على العمل والعين في الذمة . ملزم للطرفين ([]) .

ولعل الراجح القول بلزوم العقد لأنه لا يصلح الناس إلا هذا ، وإلا ضاعت حقوق وترتبت أضرار قد تكون مجحفة وفادحة لأحد الطرفين رب العمل أو المقاول فلا مندوحة من اللزوم ، بل مع اللزوم والشروط الجزائية ، والناس يتفلتون لأدنى مصلحة تلوح ويرون أنها قد تفوت بالالتزام ، وإتقان العمل وتحمل مسؤوليته .

 

المبحث الرابع

غرامة التأخير على المقاول في الفقه الإسلامي

ــــــــــــــــــــــــــ

غرامة التأخير وهي شرط جزائي مصطلح لم يكن معروفاً عند الفقهاء ، وحقيقته أو تعريفه : ” اتفاق الناس على أن يشترطوا في عقودهم ضمانات مالية على الطرف الذي يتأخر عن تنفيذ التزامه في حينه ” ، وهو في القانون : ” اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شرط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم ينفذ الطرف الآخر ما التزم به ، أو تأخر في تنفيذه ([l]) .

ويمكن أن يستأنس لجواز الشرط الجزائي وغرامة التأخير بما رواه البخاري بسنده عن ابن سيرين : ” أن رجلاً قال لكريه : أدخل ركابك ، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم ، فلم يخرج ، فقال شريح : من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه . وقال أيوب عن ابن سيرين أن رجلاً باع طعاماً ، وقال : إن لم آتك يوم الأربعاء فليس بيني وبينك بيع ، فلم يجئ فقال شريح للمشتري : أنت أخلفت ، فقضى عليه ([l]) .

ومرجع الكلام في الشرط الجزائي إلى تصحيح أو عدم تصحيح الشروط المقترنة بالعقد عند الفقهاء ، فالمذاهب الأربعة في الشروط المقترنة بالعقد ينقسمون إلى قسمين رئيسيين :

1 قسم يضيق في تصحيح الشروط ويلتزم مبدأ وحدة الصفقة ، فلا يبيح إلا شرطاً اقتضاه العقد أو لاءم العقد أو جرى به التعامل ، وهذان هما المذهب الحنفي والشافعي .

2 قسم يتوسع في تصحيح الشروط ، ولا يلتزم مبدأ وحدة الصفقة ، فيبيح الشروط ما لم تكن منافية لمقتضى العقد ، أو مناقضة للشرع ، وهذان هما المذهب المالكي والحنبلي .

فالأصل عند المالكية والحنابلة في الشروط الصحة ، والفساد استثناء في حالات مخصوصة . وقـد قال الإمام ابن تيمية أن الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة ولا يحرم ويبطل منها إلا ما دل على تحريمه وإبطاله نص أو قياس عند من يقول به ، وأصول أحمد t المنصوصة يجري أكثرها على هذا القول ، ومالك قريب منه ، لكن أحمد أكثر تصحيحاً للشروط ، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحاً للشروط منه ([l]) .

ويستدل ابن تيمية لصحة ما يقول بالنقل والعقل ، أما النقل فلقوله تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ( ، ولقوله r : ” المسلمون على شرطهم ، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً ” ، وأما العقل فإنه يقول : إن العقود والشروط من باب الأفعال العادية أي ليست من العبادات والأصل فيها عدم التحريم فيستصحب عدم التحريم فيها حتى يدل دليل على التحريم ، كما أن الأعيان الأصل فيها عدم التحريم وقوله تعالى : ) وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ( عام في الأعيان والأفعال ، وإذا لم تكن حراماً لم تكن فاسدة ؛ لأن الفساد إنما ينشأ من التحريم ، وإذا لم تكن فاسدة كانت صحيحة ([l]) ، فالوفاء بالشرط إذن واجب بالنقل والعقل ، وبخاصة بعد أن رضيها المتعاقد مختاراً ، فإن الأصل في العقود رضا المتعاقدين ، ونتيجتها هي ما أوجباه على نفسيهما بالتعاقد ، لقوله تعالى : ) إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم  ( ([l]) ، وقال : ) فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ( ([l]) فعلق جواز الأكل بطيب النفس تعليق الجزاء بشرطه ، فدل على أنه سبب له ، وإذا كان طيب النفس هو المبيح للصداق ، فكذلك سائر التبرعات ، قياساً بالعلة المنصوصة التي دل عليها القرآن . وكذلك قوله تعالى : ) إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم ( لم يشترط في التجارة إلا التراضي ، وذلك يقتضي أن التراضي هو المبيح للتجارة ، وإذا كان كذلك فإذا تراضى المتعاقدان أو طابت نفس المتبرع بتبرع ثبت حله بدلالة القرآن ، إلا أن يتضمن ما حرمه الله ورسوله كالتجارة في الخمر ونحو ذلك ([l]) .

 وعند المالكية نقل عن الحطاب قوله : ” إذا التزم أنه إذا لم يوف حقه في وقت كذا فعليه كذا وكذا لفلان ، أو صدقة للمساكين ، فالمشهور أنه لا يقضي به ، وقال ابن دينار : يقضي به ، والمالكية يصححون الشرط الجزائي إلا إذا كان مفضياً إلى الربا . والأخذ بالشرط الجزائي يتفق ومن ذهب من المالكية إلى الإلزام بالوعد خاصة إذا ترتب عليه ضرر بسبب الإخلال : جاء في فروق القرافي قول سحنون : ” قوله : أهدم دارك ، وأنا أسلفك ما تبني به أو أخرج إلى الحج وأنا أسلفك ، أو اشتر سلعة أو تزوج امرأة وأنا أسلفك ، لأنك أدخلته بوعد في ذلك ، وقال أصبغ : يقضي عليك به تزوج الموعود أم لا ([l]) .

ونقل الحطاب : من ضمن لرجل ماله على ميت ثم بدا له ، فقد لزمه ذلك ؛ لأن المعروف كله إذا أشهد به على نفسه لزمه ([l]) . وقال أشهب : سمعت مالك يسأل عن رجل قال لبيعه : بع ولا نقصان عليك فقال : لو قال له قولاً بيناً ثم رجع لم أر له ذلك ، ورأيته لازماً . قال ابن رشد : فهذا أمر قد أوجبه على نفسه يحكم به عليه ما لم يمت أو يفلس .

وسبب الإلزام ظاهر في أن الموعود ما دخل الأمر إلا بناء على الوعد ، فمن وعد تسبب في دخول الموعود في التزام لولا وعده لم يدخل ، وفي المدونة قال : وإن كان لك عليه ألف درهم حالة فأشهدت له أنه إن أعطاك مائة من الألف الحالة إلى شهر فباقيها ساقط عنه ، وإن لم يفعل فالألف كلها لازمة فذلك جائز .

ولعل الراجح جواز اشتراط غرامة تأخير على المقاول ، لما يترتب على التأخير في العمل من أضرار قد تكون فادحة يتكبدها رب العمل ، ولا شك بنسبة التقصير إلى المقاول فيما تحدده شروط العقد بينه وبين رب العمل ، ومن أهمها وقت انتهاء وإنجاز المشروع . والشأن أن التأخير لم يكن لعذر قاهر ، أو طارئ لا يد للمقاول فيه . ولا لسبب يرجع إلى رب العمل كأن يتأخر رب العمل في تقديم مواد مطلوبة منه إذا كان هو مقدم المادة للمقاول . أو يمتنع أو يتأخر عن سداد أقساط مطلوبة منه للمقاول ، أو يطلب إضافات وتعديلات من شأنها تأخير العمل ونحو ذلك ، فالغرامة حينئذ تعويض عن ضرر فعلى يمكن تقديره ، ولا مانع من اتفاق الطرفين عليه بمبلغ محدد ويراعى في تقديره العدل والعرف . وبمقدار الضرر ويحدد اتفاقاً أو برأي أهل الخبرة أو بحكم القاضي ، وأيضاً فإن غرامة التأخير تحقق مصلحة لرب المال حفظاً لحقه وإنجاز مشروعه ، وهي بلا شك حافز مؤثر لإتقان والتزام المقاول بعمله ومواعيده . فإذا قبل الشرط في ذلك فالمؤمنون على عهودهم ، قال تعالى : ) وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ( ([l]) وهـم بعقـودهـم أوفياء قال تعالى : )  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ( ([l]) وهم على شروطهم ، قال r : ” المسلمون على شروطهم ” ([l]) . كما سبق الاستدلال .

وإنما جازت الغرامة في المقاولة لأنها في مقابلة عمل قصر صاحبه عن الوفاء به ، وليست غرامة عن دين في الذمة تأخر المدين في سداده ، فهذا من الربا المتفق على منعـه وحرمته لأنه من الزيادة على الدين ، وواجب الدائن نظرة المدين إلى ميسرة .

وقد أجاز الشرط الجزائي هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ، استئناساً بخبر شريح السابق ، ولأنـه من مصلحة العقد وحافز لإكماله في وقته المحدد له . وجاء نص الحكم بالآتي : أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعاً فيكون العذر مسقطاً لوجوبه حتى يزول .

وإذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً بحيث يراد به التهديد المالي ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة أو لحق من مضرة . ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر عملاً بقوله تعالى : ) وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل ( ([l]) وقوله سبحانه : ) وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ( ([l]) وبقوله r : ” لا ضرر ولا ضرار ” ([l]) .

وهذا الجواز في قرار الهيئة وإن كان عاماً يشمل الشرط الجزائي بالغرامة على الديون إلا أنها غير مقصودة للاتفاق على حرمتها . كما أن الديون خرجت بالمنع في قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ونصه : إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما فهو شرط أو فرض باطل ولا يجب الوفاء به بل ولا يحل أكان الشارط هو المصرف أم غيره لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه ([l]) .

وقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي الشرط الجزائي في المقاولات والاستصناع والتوريد ومنعه في الديون . جاء في القرار – بعد بند أولاً : وهو تعريف الشرط الجزائي السابق ذكره :

ثانياً :   يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السلم رقم 85 (2/9) ونصه : ” لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تأخير المسلم فيه ؛ لأنه عبارة عن دين ، ولا يجوز اشتراط  الزيادة في الديـون عنـد التأخير ” ، وقراره في الاستصناع رقم 65 (3/7) . ونصه : ” يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة ” وقراره في البيع بالتقسيط رقم 51 (2/6) ونصه : ” إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط ، لأن ذلك ربا محرم ” .

ثالثاً :   يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترناً بالعقد الأصلي ، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر .

رابعاً :   يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً ؛ فإن هذا من الربا الصريح .

وبناءً على هذا ، فيجوز هذا الشرط مثلاً في عقود المقاولات بالنسبة لمقاول ، وعقد التوريد بالنسبة للمورد ، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه .

ولا يجوز مثلاً في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء ، كان بسبب الإعسار ، أو المماطلة ، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه .

خامساً : الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي ، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية ، وما فاته من كسب مؤكد ، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي .

سادساً : لا يُعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرط عليه إن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته ، أو أثبت أن من شُرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد .

سابعاً :   يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الطرفين أن تُعدِّل في مقدار التعويض إذا وجدت مبرراً لذلك ، أو كان مبالغاً فيه ([l]) .

غرامة التأخير على المقاول في القانون :

        يعرف القانون الشرط الجزائي بأنه : ” اتفاق يقصد منه المتعاقدان سلفاً التعويض الذي يستحقه الدائن إذا لم ينفذ المدين التزامه ، أو تأخر في تنفيذه ” .

        ويلتزم المقاول بأن ينجز العمل في المدة المتفق عليها . فإذا لم يكن هناك اتفاق على مدة معينة ، فالواجب أن ينجزه في المدة المعقولة التي تسمح بإنجازه نظراً لطبيعته ومقدار ما يقتضيه من دقة وحسب عرف الحرفة وما يعرفه رب العمل من مقدرة المقاول ووسائله .

        والالتزام بإنجاز العمل في المدة المتفق عليها أو في المدة المعقولة التزام بتحقيق غاية ، وليس التزاماً ببذل عناية . فلا يكفي ، لإعفاء المقاول من المسئولية عن التأخر ، أن يثبت أنه بذل عناية الشخص المعتاد في إنجاز العمل في الميعاد ولكنه لم يتمكن من ذلك . بل يجب عليه ، حتى تنتفي مسئوليته ، أن يثبت السبب الأجنبي ، فإذا أثبت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو فعل الغير ، انتفت علاقة السببية ولم تتحقق مسئوليته . ويجب ألا تكون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي مسبوقاً بخطأ منه ، وإلا كان مسئولاً بقدر هذا الخطأ . كذلك تنتفي مسئولية المقاول عن التأخر في إنجاز العمل ، إذا كان هذا التأخر راجعاً لخطأ رب العمل . فإذا تأخر رب العمل في تقديم المادة التي تعهد بتقديمها ، وكان هذا التأخر سبباً في تأخر المقاول في إنجاز العمل ، لم يكن هذا الأخير مسئولاً . كذلك إذا تأخر رب العمل عن دفع أقساط الأجرة المستحقة للمقاول في مواعيدها حتى يتمكن هذا من إنجاز العمل ، فترتب على هذا التأخر تأخر المقاول في إنجازه العمل في ميعاده ، لم يكن هذا الأخير مسئولاً عن التأخر ، وإذا طلب رب العمل تعديلات لم يكن متفقاً عليها من قبل ، فتسبب عن ذلك أن تأخر المقاول في إنجازه العمل في ميعاده ، لم يكن هذا الأخير مسئولاً عن التأخر مادام قد أنجز التعديلات في ميعاد معقول ، فإذا لم يكن هناك سبب مما سبق وتأخر المقاول في إنجاز الأعمال وتسليمها في الوقت المحدد فإنـه يكـون ملزماً بدفـع غرامـة كأضرار مسبقة التقدير ( وليس كعقوبة ) سواء لحق بصاحب العمل ضرر مادي أو لم يلحق ، ولصاحب العمل أن يقوم بحسم هذه الغرامات من استحقاقات المقاول ، إلا إذا تم التسليم على مراحل ، فإنه بالإمكان تخفيض غرامة التأخير بنسبة قيمة الأعمال التي تم تسلمها . ولغرامة التأخير سقف يحدد في الشروط وتختلف نسبته في القوانين 15 % أو غيرها من قيمة العقد ، وهذه الغرامة لا تشمل بدلات أتعاب جهاز الإشراف للمدة التي يتأخر فيها المقاول عن الإنجاز بصورة غير مبررة ، أي أن هذه الغرامات تضاف إلى غرامات التأخير ([l]) .

صور الشرط الجزائي :

        الشرط الجزائي وإن كان يعني اشتراط التعويض عن الضرر اللاحق في طريقة تنفيذ العقد إلا أن له صوراً مختلفة باختلاف العقود والالتزامات ، قال الدكتور عبد الرزاق السنهوري : شروط المقاولة قد تتضمن شرطاً جزائياً يلزم المقاول بدفع مبلغ معين عن كل يوم أو عن كل أسبوع أو عن كل مدة أخرى من الزمن يتأخر فيها المقاول عن تسليم العمل المعهود إليه إنجازه ،  ولائحة المصنع قد تتضمن شروطاً جزائية تقضي بخصم مبالغ معينة من أجرة العامل جزاء له على الإخلال بالتزاماته المختلفة .

        وتعريفة مصلحة السكك الحديدية أو مصلحة البريد قد تتضمن تحديد مبلغ معين هو الذي تدفعه المصلحة للمتعاقد معها في حالة فقد طرد أو فقد رسالة . واشتراط حلول جميع أقساط الدين إذا تأخر المدين في دفع قسط منها هو أيضاً شرط جزائي ، ولكن من نوع مختلف ، إذ هو هنا ليس مقداراً معيناً من النقود قدر به التعويض ، بل هو تعجيل أقساط مؤجلة . والأصل في الشرط الجزائي أن يكون تقديراً مقدماً للتعويض ، ولكن قد يستعمله المتعاقدان لأغراض أخرى : من ذلك أن يتفقا على مبلغ كبير يزيد كثيراً على الضرر الذي يتوقعانه فيكون الشرط الجزائي بمثابة تهديد مالي ، وقد يتفقان على مبلغ صغير يقل كثيراً عن الضرر المتوقع فيكون الشرط الجزائي بمثابة إعفاء أو تخفيف من المسئولية .. وقد يكون الغرض من الشرط الجزائي تأكيد التزام المتعهد عن الغير بتحديد مبلغ التعويض الذي يكون مسئولاً عنه إذا لم يقم بحمل الغير على التعهد ، وقد يوضع شرط جزائي في الاشتراط لمصلحة الغير لتقدير التعويض المستحق للمشترط في حالة إخلال المتعهد بالتزامه نحو المنتفع ، فيمثل الشرط الجزائي في هذه الحالة المصلحة المادية للمشترط في اشتراطه لمصلحة الغير .

        وجاء في نظام المناقصات والمزايدات السعودي ما نصه :

        ” إذا تأخر المقاول عن إتمام العمل وتسليمه كاملاً في المواعيد المحددة ولم تر اللجنة صاحبة المقاولة داعياً لسحب العمل منه توقع عليه غرامة عن المدة التي يتأخر فيها إكمال العمل بعد الميعاد المحدد للتسليم إلى أن يتم الاستلام المؤقت دون حاجة إلى أي تنبيه للمقاول ويكون توقيع الغرامة على المقاول كما يلي :

1 % عن الأسبوع الأول ، 1.5 % عن الأسبوع الثاني ، 2 % عن الأسبوع الثالث ، 2.5 % عما زاد عن ثلاثة أسابيع ، 3 % عن أية مدة تزيد على أربعة أسابيع ([l]) .

 


 

المبحث الخامس

الأجـرة وأحكامها

ـــــــــــ

الأجرة : هي العوض الذي يقابل العمل ، أو هي ما يلتزم به المستأجر عوضاً عن المنفعة وكل ما يصلح أن يكون ثمناً في البيع يصلح أن يكون عوضاً في الإجارة ، لأنه عقد معاوضة أشبه البيع فيجوز أن تكون عيناً معينة ، كما يجوز أن تكون من الأثمان فيجوز أن تكون دراهم أو دنانير ، وما يقوم مقامهما ، ويجوز أن تكون موصوفة في الذمة بصفات السلم كما في المثليات ، ويجوز أن تكون الأجرة منفعة ، سواء عمل آدمي ( أجيراً مشتركاً أو خاصاً ) أو منفعة غيره .

قال التسولي المالكي : الإجارة بيع منافع معلومة بعوض معلوم ، وهي معاوضة صحيحة يجري فيها جميع ما يجري في البيوع من الحلال والحرام ، فلابد أن تكون المنفعة والأجر مقدوراً على تسليمهما ، منتفعاً بهما ، طاهرين ، إلى غير ذلك مما يشترط في البيع . فكل ما يشترط في الثمن يشترط في الأجرة ، وأهمها أن يكون معلوماً علماً نافياً للجهالة لقول النبي r : ” من استأجر أجيراً فليعلمه أجره ” وإن كان الأجر مما يثبت في الذمة كالدراهم والدنانير ، والمكيلات ، والموزونات ، والمعدودات المتقاربة ، فلابد من بيان جنسه ونوعه وصفته وقدره . ولو كان في الأجر جهالة مفضية إلى النزاع فسد العقد ، فإن استوفيت المنفعة وجب أجر المثل ، وهو ما يقدره أهل الخبرة .

وكون الأجرة منفعة هو مذهب جمهور الفقهاء عدا الحنفية وتكون من جنس المعقود عليه ومن غير جنسها ؛ لأن المنافع في الإجارة كالأعيان في البيع ([l]) . ويجوز بيع الأعيان بعضها ببعض ، وكذلك المنافع ، وقد أجاز مالك إجارة دار سكنى بدار أخرى ، وأجاز ذلك الحنابلة أيضاً قال ابن قدامة : يجوز أن يكون العوض عيناً ومنفعة أخرى سواء كان الجنس واحداً ، كمنفعة دار بمنفعة أخرى ، أو مختلف كمنفعة دار بمنفعة عبد . ومنع الحنفية مـن ذلك إلا أن تكون الأجرة منفعة من جنس آخر كإجارة السكنى بالخدمة .

واختلف الفقهاء في كون الأجرة بعض المعمول فمن الفقهاء من لا يجيز أن تكون الأجرة بعض المعمول ، أو بعض الناتج من العمل المتعاقد عليه ، لما فيه من غرر ، لأنه إذا هلك ما يجري فيه العمل ضاع على الأجير أجره ، وقد نهى النبي  r عن قفيز الطحان ([l]) ، ولأن المستأجر يكون عاجزاً عن تسليم الأجرة ، ولا يعد قادراً بقدرة غيره . وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية . ومثاله : سلخ الشاة بجلدها ، وطحن الحنطة ببعض المطحون منها ، لجهالة مقدار الأجر ، لأنه لا يستحق جلدها إلا بعد السلخ ، ولا يدري هل يخرج سليماً أو مقطعاً ([l]) .

وذهب الحنابلة إلى جواز ذلك إذا كانت الأجرة جـزءاً شائعاً مما عمل فيه الأجير ، تشبيهاً بالمضاربة والمساقاة ، فيجوز دفع الدابة إلى من يعمل عليها بنصف ربحها ([l]) ، والزرع أو النخل إلى من يعمل فيه بسدس ما يخرج منه ، لأنه إذا شاهده علمه بالرؤية وهي أعلى طرق العلم .

والمالكية في بعض الصور التي يمكن فيها علم الأجير بالتقدير يتجهون وجهة الحنابلة ، فيقولون : إن قال : احتطبه ولك النصف ، أو : احصده ولك النصف ، فيجـوز إن علم ما يحتطبه بعادة . ومثل ذلك في جذ النخل ولقط الزيتون وجز الصوف ونحـوه . وعلة الجواز العلم . ولو قال : احتطب ، أو : احصد ، ولك نصف ما احتطبت أو حصدت ، فذلك جائز على أنه من قبيل الجعالة ([l]) . وهي يتسامح فيها ما لا يتسامح في الإجارة . قال ابن القاسم : فيمن يقول : القط زيتوني فما ألقطت من شيء فلك نصفه فهذا لا يجوز ، وقال محمد بن رشد : الحصاد والجذاذ لا خلاف بينهم في جواز المجاعلة فيه على الجزء منه . بأن يقول : جذ من نخلي ما شئت ، أو احصد من زرعي ما شئت على أن لك من كل ما تجذ أو تحصد جزء كذا الجزء الذي يسميه . قال الحطاب : مذهب المدونة في لقط الزيتون الجواز . وحكى ابن الحاجب في مسألة الحصاد قولين ، وهو خلاف ما نقل ابن رشد من الإنفاق ([l]) . وفي الشرح الصغير : لو قال : احتطب عليها ولك نصفه أي الحطب فيجوز إن علم ما يحتطبه عليها بعادة أو شرط ، ثم قال فعلة الجواز العلم . ومثله لو قال : احصده ولك نصفه فلا يجوز . وقد أورد الزيلعي صورة من هذا القبيل ، وهي أن يدفع إلى الحائك غزلاً ينسجه بالنصف ، وقال : إن مشايخ بلخ جوزوه لحاجة الناس والصحيح خلافه . 

تقدير الأجر حال السكوت عن تسميته :                             

        يشترط التراضي على مقدار الأجر ، فإذا لم يتفقا على المقدار كان العقد باطلاً ، وهنا يتفق رأي فقهاء الشريعة مع رأي فقهاء القانون ، أما إذا اتجهت إرادة المتعاقدين إلى أن العمل يتم في نظير أجر ، إلا أنهما سكتا عن تحديد مقداره ، فإن القانون الوضعي يرى صحة العقد ، ووضع قواعد وأسس يمكن بها تقدير الأجر إذا لم يتفق المتعاقدان على مقداره . فنص في المادة 880 على أنه : ” إذا لم يحدد الأجر سلفاً وجب الرجوع في تحديده إلى قيمة العمل ونفقات المقاول .

        أما فقهاء الشريعة فيرون بطلان العقد ، لكن لما اتجهت إرادتهما إلى أن العمل يتم نظير أجر ، وجب ألا يضيع على المقاول عمله لأنه لم يتبرع به ؛ ولأن العقد العاري عن تسمية الأجر يقع باطلاً ، فإذا عقدا عقد مقاولة على أجر مجهول ، كما إذا قال له : استأجرتك لتعمل كذا ، فقال له الآخر : قبلت ، أو قال له اعمل هذا وسأعطيك أجرك ، أو سأرضيك فهما قد قصدا الإجارة على العمل ، إلا أن الأجر مجهـول فكان العقد باطلاً ، فإذا قام الأجير بالعمل فعلاً وجب أجر المثل بالغاً ما بلغ لأن مقصودهما العمل بأجر ، وأتي البطلان من ناحية عدم تقدير الأجرة ([l]) .

استحقاق الأجرة حال الإذن بالعمل دون إجراء عقد :

        يشترط اتفاق المتعاقدين على العمل والأجرة ، فإذا كان كل منهما معلوماً انعقد العقد ، إذا استوفى باقي الشروط  ، فإذا كان الأجر مجهولاً كان العقد باطلاً .

        ولكن في بعض الحالات قد يطلب شخص من غيره أن يعمل له عملاً ، دون أن تجري بينهما صيغة العقد ، ودون أن يذكر له أجراً ، أو يعرض له به ، كما إذا دفع ثوباً إلى من يغسله ، أو يخيطه ، أو يصبغه ، أو غزلاً لمن ينسجه ، أو حديداً لمن يضربه سيفاً ، أو مكنه من إقامة بناءً له ، أو تركيب آلات في مصنعه ، ونحو هذا ، فهل يستحق من قام بالعمل أجراً ؟

        اختلف الفقهاء في استحقاق من يقوم بالعمل الأجر على آراء أربعة ، فمنهم من ذهب إلى عدم استحقاق الأجر مطلقاً وهو قول الحنفية ، ومنهم من ذهب إلى أن له الأجر إذا كان منتصباً لهذا العمل وهـو قول الشافعية والحنابلة ومحمـد من الحنفية ، ومنهم من ذهب إلى أن له الأجر إذا كانت بينهما معاملة سابقة ، وهو قول أبي يوسف من الحنفية ، ومنهم من ذهب إلى أن له الأجر إذا لم يكن أهلاً للتبرع ، ولا أجر له إذا كان أهلاً له وهو قول للشافعية ، ومنهم من ذهب إلى أنه يستحق الأجر مطلقاً لاستهلاك عمله عليه ، ولم يتبرع به ، وهو قول المزني من الشافعية وقال المالكية يرضيه بشيء يعطيه إياه ، ومنهم من قال : يستحسن العمل بالعادة وهو قول للشافعية .

        قال ابن قدامة : إذا دفع ثوبه إلى خياط أو قصّار ليخيطه أو يقصره من غير عقد ولا شرط ولا تعويض بأجر مثل أن يقول خذ هذا فاعمله وأنا أعلم أنك إنما تعمل بأجر وكان الخياط والقصار منتصبين لذلك ففعلا ذلك فلهما الأجر ، وقال أصحاب الشافعي : لا أجر لهما لأنهما فعلا ذلك من غير عوض جعل لهما فأشبه ما لو تبرعا بعمله . ولنا أن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول فصار كنقد البلد وكما لو دخل حماماً أو جلس في سفينة مع ملاح ولأن شاهد الحال يقتضيه فصار كالتعريض ، فأما إن لم يكونا منتصبين لذلك لم يستحقا أجراً إلا بعقد أو شرط العوض أو تعريض به لأنه لم يجر عرف يقوم مقام العقد فصار كما لو تبرع به أو عمله بغير إذن مالكه شيء له لما تقدم ، ومتى دفع ثوبه إلى أحد هؤلاء ولم يقاطعه على أجر فله أجر المثل لأن الثياب تختلف أجرتها ولم يعيّن شيئاً فجرى مجرى الإجارة الفاسدة .

        وقال التسولي : لا بأس باستعمال الخياط المخاط الذي لا يكاد يخالف مستعمله دون تسمية أجر ، فإذا فرغ أرضاه بشيء يعطيه إياه .

        وقال النووي : لو دفع ثوباً إلى قصار ليقصره ، أو خياط ليخيطه ففعل ولم يذكر أجرة فلا أجرة له لعدم التزامها ، وقيل له الأجرة لاستهلاك الواقع عمله ، وقيل إن كان معروفاً بذلك العمل بالأجرة فله الأجرة وإلا فلا أجرة له ،وقد يستحسن هذا للعمل فيه بالعادة ، والمراد فيه أجرة المثل ([l]) .

        ولعل الراجح في هذا أن للمقاول أجرة مثله ما دامت هذه مهنته ، وكان العمل الذي أداه مما جرى العرف بأخذ الأجر عليه .

الأجرة في المقاولات الإنشائية :

        تعرف المقاولة لإنشاء مشروع إنشائي بأنها عقد يتعهد المقاول بمقتضاه أن يقـوم بإنشاء وتكملة وصيانة المشروع لقاء بدل يتعهد بدفعه الطرف الآخر ، هو صاحب العمل .

        وسنتناول أنواع المقاولات الإنشـائية كما هي في الواقع وفي القوانين المنظمة لها ، باعتبار أنها الصيغ التي يحتاج المتعاملون المسلمون معرفة أحكامها الشرعية ، ونتناول أحكام الأجرة فيها بعد أن بينا القواعد والأسس العامة والشروط والضوابط الواجب توافرها في الأجـرة ، والمذاهب الفقهية فيها ليستند الحكم هنا على تلك المذاهب . 

        ومن أنواع المقاولات الإنشائية الأكثر استعمالاً :

1 الاتفاق على أجر بمقتضى مقايسة على أساس الوحدة .

2 الاتفاق على أجر إجمالي على أساس تصميم معين .

3 الاتفاق على أجر مقطوع على أساس وثائق العطاء والمخططات ( منشآت يصعب تجزئتها ) .

4 – الاتفاق على أجر مقطوع على أساس وثائق العطاء والمخططات ( منشآت صناعية أو خاصة ) .

5 الاتفاق على أجر على أساس التكلفة بالإضافة لنسبة مئوية .

أولاً : الاتفاق على أجر بمقتضى مقايسة على أساس الوحدة :

        إن هذا النوع من المقاولة هو المقصود في شروط دفتر عقد المقاولة . ويُعد لهذا النوع من المقاولة جدول كميات وذلك برصد الأعمال المطلوبة في المخططات ، وقد يتم أحياناً تقدير الكمية إن لم تكن محدودة بدقة ، ويقوم المقاول بتسعير جميع البنود في جدول الكميات ، وتتم محاسبته بعد أن يتم كيل الأعمال المنجزة فعلاً في الموقع .

        وحيث إنه يحق لصاحب العمل في القوانين إحداث تغييرات بنسبة 20 % مثلاً من مجمل قيمة المقاولة ، فإن هذا النوع من المقاولة يتسم بالمرونة في إحداث التغييرات من زيادة أو تبديل أو إضافة أو إلغاء ما دامت أسعار البنود في جدول الكميات قابلة للتطبيق .

        وإذا كانت جداول الكميات والمخططات والمواصفات معدة بشمولية ووضوح كافٍ ، فإن المقاول يتمكن من تسعير العطاء دون مغامرة ، أو التخوف من تحمل مخاطر غير منظورة ، وبذلك يتجنب صاحب العمل أن يتكبد تكاليف إضافية نتيجة عدم الوضوح ، ويكون المقاول مطمئناً إلى أنه يحصل على استحقاقاته عما يتم إنجازه فعلاً.

        ويتم تقييم عروض المناقصين بمقارنة إجمالي قيم العطاءات وبعد تقييم أسعار بنود الأشغال المختلفة والتزام المناقصين بشروط ومواصفات دعوة العطاء ([l]) .

        وقد نظم القانون الاتفاق على أجر بمقتضى مقايسة على أساس الوحدة ، فنص على أنه : إذا أبرم عقد بمقتضى مقايسة على أساس الوحدة ، وتبين في أثناء العمل أن من الضروري لتنفيذ التصميم المتفق عليه مجاوزة محسوسة ، وجب على المقاول أن يخطر في الحال رب العمل بذلك مبيناً مقدار ما يتوقعه من زيادة في الثمن ، فإن لم يفعل سقط حقه في استرداد ما جاوز به قيمة المقايسة من نفقات .

ويتبين من النص سـالف الذكر أن هناك شروطاً ثلاثة يجب توافرها حتى ينطبق :

        الشرط الأول : أن يكـون الأجر في المقاولة متفقاً عليه بمقتضى مقايسة على أساس الوحدة ، فإذا كان مقـدار الأجر غير متفق عليه أصلاً ، أو كان متفقاً عليه ولكنه كان أجراً إجماليـاً على أسـاس تصميم معيـن ، فإن النص لا ينطبق . والحكمة في ذلك أنه في حالة ما إذا لم يتفق على مقدار الأجر ، فإن هذا المقدار يتكفل بتعيينه القاضي ، فلا محل للبحث فيما إذا كان يزيد أو ينقص لأنه غير معين المقدار منذ البداية . وإذا كان الأجر أجراً إجمالياً على أساس تصميم معين ، فإنه لا يزيد ولا ينقص ، لتعديل في التصميم أو لزيادة في الأسعار ، إلا في ظروف خاصة وبشروط معينة . فالواجب إذن أن يكون الأجر مقدراً بمقتضى مقايسة على أساس سعر الوحدة ، حيث يقتضي ذلك أن يتفاوت الأجر بحسب كمية الأعمال التي تمت ، فلا يكون في زيادة الأجر إذا اقتضى الأمر ذلك ما يخالف طبيعة الاتفاق .

        الشرط الثاني : مجاوزة المقايسة مجاوزة محسوسة لسبب لم يكن معروفاً وقت العقد . والمقصود بمجاوزة المقايسة مجاوزة محسوسة مجاوزة كميات الأعمال المقدرة في المقايسة ، لا مجاوزة أسعارها ، فإذا ورد في المقايسة مثلاً كميات معينة للأعمال الخاصة بالأساس ، ثم رأى المقاول عند حفر الأساس أنه يجب تعميقه أكثر مما قدر في المقايسة وأن هذا التعميق يقتضي كميات من العمل تزيد زيادة محسوسة عما هو وارد في المقايسة ، فتلك هي المجاوزة المحسوسة التي يقتضيها الشرط الثاني . أما إذا كانت المجاوزة متعلقة بالأسعار فلا يعتد بها ، والعبرة بالأسعار الواردة في المقايسة إذ المفروض أنها وضعت بعـد أن دخل في الاعتبار كل الاحتمالات المعقولة لتغير الأسعار ، ومن الممكن النص صراحة على ربط هذه الأسعار بأسعار السوق الفعلية فيما إذا زادت هذه الأسعار الأخيرة أو نقصت بنسبة معينة . وعلى كل حال لا يقام لزيادة الأسعار الفعلية عن الأسعار الواردة في المقايسة وزن إلا في حدود نظرية الظروف الطارئة مطبقة في مبدأها العام ([l]) .   

        الشرط الثالث : أن يخطر المقاول في الحال رب العمل ، مبيناً مقدار ما يتوقعه من زيادة في الثمن .

ثانياً : الاتفاق على أجر إجمالي على أساس تصميم معين :

        في هذا النوع من المقاولات يطلب إلى المقاول أن يقدم عرضاً متكاملاً للقيام بإعداد الدراسات اللازمة للمشروع ، وخطة العمل ، ثم تنفيذه تنفيذاً كاملاً ، وهو نوع متقدم من المقاولات يستخدم في حالات محددة لتنفيذ بعض المشاريع الصناعية ، أو مجمعات المباني السكنية الضخمة ، حيث يقوم صاحب العمل بتحديد متطلباته بوصف عام يحدد فيه برنامج العمل ، وعدد الوحدات ، أو القدرة الإنتاجية ، وما يلزم من مرافق أو تجهيزات لوحدات المشروع ، وفي هذا النوع من المقاولة يحاول المقاول أن يعرض البدائل الهندسية والحلول الاقتصادية ، ويكون عرضه خاضعاً لموافقة صاحب العمل في مراحله المختلفة ، يساعده في ذلك مستشار هندسي مؤهل في مجال إدارة المشاريع .

        ولهذا الأسلوب ميزة أنه يمكن مباشرة العمل في بعض أشغال المشروع قبل إعداد الدراسات والتصاميم بكاملها ما دام برنامج العمل ومتطلباته قد حددت ، مما يختصر وقت التنفيذ ([l]) .

        وقد نص القانون على أنه :

1 إذا أبرم العقد بأجر إجمالي على أساس تصميم اتفق عليه مع رب العمل ، فليس للمقاول أن يطالب بأيـة زيادة في الأجر ولو حدث في هذا التصميم تعديل أو إضافة ، إلا أن يكون ذلك راجعاً إلى خطأ من رب العمل أو يكون مأذوناً به منه واتفق مع المقاول على أجره .

2 ويجب أن يحصل هذا الاتفاق كتابة ، إلا إذا كان العقد الأصلي ذاته قد اتفق عليه مشافهة .

3 وليس للمقاول ، إذا ارتفعت أسعار المواد الأولية وأجور الأيدي العاملة أو غيرها من التكاليف أن يستند إلى ذلك ليطلب زيادة في الأجر ، ولو بلغ هذا الارتفاع حداً يجعل تنفيذ العقد عسيراً .

4 على أنه إذا انهار التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول بسبب حوادث استثنائية عامة لم تكن في الحسبان وقت التعاقد ، وتداعى بذلك الأساس الذي قام عليه التقدير المالي لعقد المقاولة ، جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الأجر أو بفسخ العقد ([l]) .

حكم تحديد الأجرة بطريقتي المقايسة على أساس الوحدة وعلى أساس تصميم معين :

        ظاهر من الطريقتين أن الأجرة محددة بين الطرفين ، إما حسب تقدير المقاول وبموافقة رب العمل ، وشرط استحقاقها أداء وإنجاز العمل ، فما أنجز من العمل استحقت الأجرة فيه بعد قياس ومطابقة ما نص عليه العقد ، ووفق المخططات ، ولا يؤثر في المقايسة على أساس الوحدة إعطاء رب العمل الحق في تغييرات بنسب متفق عليها ، لأن أي زيادة في العمل ، فمآل تحديـد الأجـرة فيها تبعاً لقياس كمية الأعمال الإضافية ، كما أن المقاول لا يستطيع أن يغير في الأجرة ولو دعت لذلك أسباب وجيهة أو ضرورية إلا بعد إخطار رب العمل وتحديد الثمن ، وحسب المقايسة على أساس الوحدة ، أو على أساس اتفاق جديد على الأجرة في المقاولة بالأجرة الإجمالية . وفي الأجرة الإجمالية مزيد احتياط في سلب المقاول أي تغيير من شأنه زيادة الأجرة .

وأيضاً فإن شروط الفقهاء في الأجرة متحققة في الطريقتين من حيث التراضي على مقدارها ومعلوميتها ، كما أن شروط العمل ، ومحلها متفق عليها بالوصف المفصل حسب المخططات المدروسة بما يرفع الجهالة والغرر ، وهذا في الحالات العادية ، أما الحالات الاستثنائية مثل انهيار التوازن الاقتصادي فلا مانع من أن يكون للقاضي سلطة تقدير الأجرة أو فسخ العقد لأن المقاول سيعمل حينئذ بلا أجر ، أو بأجر منخفض كثيراً كما لو تبرع بالعمل ، لتغيـر العملة مثلاً تغيراً يصل حد الكساد بحيث يكون التقدير الأول للتكلفه يحقق خسارة فادحة لو استمر المقاول في عمله دون تعديل الأجرة بعقد جديد .

ثالثاً : الاتفاق على أجر مقطوع على أساس وثائق العطاء والمخططات ( منشآت يصعب تجزئتها ) :

        في هذا النوع من المقاولة يجب إعداد وثاق العطاء والمخططات بشكل مفصل ودقيق ولا يشترط أن تتضمن بالضرورة جدول كميات يفصل بنود الأعمال المختلفة .

        يستعمل هذا الأسلوب عندما يكون المشروع متضمناً عدة عمليات إنشائية وتجهيزات يصعب تجزئتها وكيلها ، ولهذا النوع من المقاولة ميزات ومساوئ :

        فإذا كانت المخططات والمواصفات وشروط العطاء واضحة ودقيقة ومفصلة ، وكان المقاول المتقدم للمناقصة خبيراً بتسعير مثل هذه العطاءات ، وقام بإعداد دراسة وافية للكميات قبل تسعير العطاء ، مثل هذا النوع من المقاولة يمكن إدراج الميزات التالية له :

1 يتم تحديد قيمة المشروع برقم معتمد ، وتحديد مدة الإنجاز ، مما يساعد صاحب العمل في ضبط موازنته والتأكد من تاريخ الإنجاز .

2 يقلل من الجهد المطلوب لإجراء عمليات الكيل والحسابات من قبل كل من صاحب العمل والمقاول وذلك اعتماداً على طريقة إعداد كشوف الدفعات .

        أما إذا لم تكن المخططات ووثائق العطاء مفصلة ودقيقة ، ولم يقم المقاول بالتأكد من كميات العمل المطلوبة قبل تسعير العطاء ، فإن المقاول يضطر إلى المغامرة والتخمين عند وضع الأسعار ، مما ينتج عنـه بالتالي كلفة إضافية يتكبدها صاحب العمل ، أو خسارة لفرصة الحصول على العمل من قبل المقاول .

رابعاً : الاتفاق على أجر مقطوع على أساس وثائق العطاء والمخططات ( منشآت صناعية أو خاصة ) :

        وهذه المقاولة وتسمى المقاولة الشاملة أو على تسـليم المفتاح وفيها يتم تقدير أسـعارها بمبلغ مقطـوع حسـب النسـق الذي تـم شـرحه في مقاولة النوع الثاني ( بالمقطوعية ) ، ويستعمل عادة في إنشاء المجمعات الصناعية أو مشاريع مباني القطاع الخاص .

        الحكم الشرعي : في هذا ظاهر ، وقد نص الفقهاء على مشروعية الأجرة المقطوعة ، بل هي الأصل الشـائع سواء في الأعمال أو الإنشاءات الصغيرة أو الكبيرة ، وهي هنا محددة حسب دراسات ووثائق ومخططات تكفل العدالة بين رب العمل والمقاول وتجنبهما المخاطر والمغامرة أو الجهالة المفضية للنزاع . 

خامساً : الاتفاق على أجر مقطوع ونسبته من مردود العمل المستأجر عليه :

        قـد يتفـق رب العمل والمقاول على أجر مقطوع يستحقه المقاول بعـد إنجاز العمل ، أو أثناءه ، أو على دفعات ، وبالإضافة إلى نسبة محددة قد تكون مشروطة بإنجاز العمل على وفق المتفق عليه ، أو في الوقت المحدد تشجيعاً وحافزاً على حسن الأداء . أو تكون النسبة غير مشروطة باعتبارها حافزاً . ولكن تشترط هذه النسبة بالإضافة إلى الأجر المقطوع كأن يتفقا على بناء العقار بأجر مقطوع ، ونسبة من العقار نفسه كالربع مثلاً ، وقد تكون النسبة من التكلفة المحددة .

الحكم الشرعي : هذا النوع من الاتفاق على الأجر المقطوع ونسبته ، جائز شرعاً لمعلومية الأجرة ، وما زاد من النسبة المتفق عليها بمثابة الحافز على إتقان العمل وإنجازه بأحسن أداء . أو هو نظير جواز مسألة قفيز الطحين عند من أجازها. 

سادساً : الاتفاق على أجر على أساس التكلفة بالإضافة لنسبة مئوية من التكلفة :

        يستعمل هذا النوع من المقاولة في ظروف خاصة عندما لا يكون وصف العمل محدداً ، أو لا يوجـد متسـع مـن الوقت لإجراءات إعـداد وثائق عطاء مفصلة أو مطالة ، وقد يتم البت في استعمال هذا النوع من المقاولة بالمفاوضة ، حيث يعهد إلى مقاول أن يقوم بتنفيذ الأشغال .

        وفي هذه الحالة يتعين على المقاول أن يحفظ قيوداً دقيقة ومفصلة لمراقبة التكاليف ، ويرفعها إلى المهندس أولاً بأول للتدقيق فيها والتأكد من صحتها ، ويدفع للمقاول مقابل ما يؤديه من جهد في إدارة المشروع نسبة مئوية تضاف إلى الكلفة الحقيقية ، قد تصل إلى ( 10 15 % ) من قيمة العقد .

        وبالرغم من مرونة هذا النوع من المقاولة ( والذي غالباً ما يستعمل في بعض مشاريع القطاع الخاص ) إلا أن هناك بعض المآخذ عليه مثل :

1 ليس من السهل تحديد موازنة المشروع ومدة الإنجاز من قبل صاحب العمل .

2 قد يساء استعمال هذا النوع من المقاولة إذا لم يقم صاحب العمل باستخدام مستشار مؤهل لضبط إدارة المشروع ومتابعته حيث إن المقاول قد يستغل الظرف فلا يحاول الاقتصاد في شراء اللوازم أو المواد أو حصر النفقات ، لأنه ينتظر نسبته المئوية فكلما زادت التكاليف زادت حصته . ولذا عمدت بعض الجهات إلى استعمال الأسلوب المطور عن هذا الأسلوب باستعمال أسلوب الكلفة زائد نسبة محددة وذلك للحد من استغلال الظروف من قبل المقاول ([l]) .

        الحكم الشرعي : والحكم في الاتفاق على الأجرة على أساس التكلفة وبنسبة مئوية منها : أنه إذا كانت الأجرة نسبة من التكاليف الفعلية ولو مرحلة بمرحلة كما في الوصف السابق من أن المقاول يقـدم للمهندس أولاً بأول تكاليف ما أنجز ، فيصبح المعقود عليه ، محل العقد معلوماً ، فتعلم التكلفة حينئذ فيأخذ المقاول أجرته نسبة منها ، فلا مانع من ذلك ، لكون الأجرة معلومة حينئذ . ويستأنس للجواز بكلام الفقهاء في الأجرة إذا كانت بعض المعمول ، أو بعض الناتج ، وقد سبق أن ذكرنا أن من الفقهاء من لا يجيز أن تكون الأجرة بعض المعمول ، أو بعض الناتج من العمل المتعاقد عليه ، لما فيه من غرر ، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية .

وأن الحنابلة ذهبوا إلى جواز ذلك إذا كانت الأجرة جزءاً شائعاً مما عمل فيه الأجير ، تشبيهاً بالمضاربة والمساقاة ، فيجوز دفع الدابة إلى من يعمل عليها بنصف ربحها ، والزرع أو النخل إلى من يعمل فيه بسدس ما يخرج منه ، لأنه إذا شاهده علمه بالرؤية وهي أعلى طرق العلم .

قال الإمام أحمـد : لا بأس أن يحصد الزرع ، ويصرم النخل بسدس ما يخرج منه ، وهو أحب إلي من المقاطعة إنما جاز ههنا لأنه إذا شاهده فقد علمه بالرؤية ، وهي أعلا طرق العلم ، ومن علم شيئاً علم جزأه المشاع فيكون أجراً معلوماً ، قال ابن قدامة : واختاره أحمد على المقاطعة مع أنها جائزة ؛ لأنه ربما لم يخرج من الزرع مثل الذي قاطعه عليه ، وههنا يكون أقل منه ضرورة ([l]) .

والمالكية في بعض الصور التي يمكن فيها علم الأجر بالتقدير يتجهون وجهة الحنابلة ، فيقولون : إن قال : احتطبه ولك النصف ، فيجوز إن علم ما يحتطبه بعادة . وعلة الجواز العلم . ولو قال : احتطب ، أو : احصد ، ولك نصف ما احتطبت أو حصدت ، فذلك جائز على أنه من قبيل الجعالة . وهي يتسامح فيها ما لا يتسامح في الإجارة .

وقد أورد الزيلعي الحنفي صورة من هذا القبيل ، وهي أن يدفع إلى الحائك غزلاً ينسجه بالنصف ، وقال : إن مشايخ بلخ جوزوه لحاجة الناس ، لكن قال في الفتاوى الهندية : الصحيح خلافه ([l])  وقد سبق شيء من التفصيل في هذا الشأن – .


 

المبحث السادس

عقد المقاولة من الباطن

ــــــــــــــ

إذا شرط رب العمل على المقاول أن يقوم بالعمل بنفسه ، فلا يجوز له أن يتفق مع مقاول آخر يقوم بالعمل نيابة عنه ، لأن لرب العمل غرضاً في اشتراط مقاول بعينه فيلتزم بالشرط ، كما لو اشترط أن يقوم طبيب بإجراء عملية جراحية ونحو ذلك مما يختلف باختلاف الأجير دقة وحذقاً وخبرة ، وأما إن لم يشترط ذلك فللمقاول أن يستأجر من يعمل مكانه ، لأن المستحق عمل موصوف في الذمة لم يشترط على شخص بذاته ، ما لم يكن العمل بعينه مقصوداً أداؤه من الشخص ذاته لوصف مميز فيه ، كاستئجار ناسخ لمصحف أو كتاب ، أو خطاط لعمل إعلانات ، أو طبيب بعينه ، ونحو ذلك مما يختلف باختلاف الأجراء . وقد نص المالكية والحنابلة على ذلك في الاشتراط وعدمه . قال التسولي : إذا آجره على العمل بنفسه لا بغيره ، فليس للراعي أن يسترعى غيره إلا بإذن ربها في أحد قولي ابن القاسم ، والراجح الضمان إن استرعى من هو مثله بغير إذن ربها وأحرى إن استرعى من هو دونه ، وهذا إذا لم يجر عرف البلد بأن الراعي يأتي بمن هو مثله لضرورة وإلا فلا ضمان اتفاقاً .

وإذا خالف المقاول شرط رب العمل أن يعمل بنفسه ، وأسند العمل إلى غيره أجير خاص ، أو مشترك ، فإنه لا يستحق أجر المثل ؛ لأنه أتى بغير المعقود عليه .

وإذا عقد عقد مقاولة على أن يعمل الأجير بنفسه ، ثم تراضيا على أن يعمل بغيره ، كان ذلك إقالة من العقد الأول ، وإبرام عقد جديد بمقتضاه يكون للأجير أن يعمل بنفسه وبغيره . لأن المعقود عليه قبل إسقاط الشرط عمل من ذات معينة ، وبعده عمل من غير معين ، فالأول غير الثاني كما لو تعاقدا على عمل موصوف بصفات ثم اتفقا على خلافه ([l]) .

ويجوز لرب العمل إن يشترط على المقاول ( الأجير المشترك ) ألا يسند العمل إلى أجير مشترك سواه ، فيكون له إن يعمل العمل بأجيره الخاص . وفائدة هذا الشرط أن الأجير المشترك الآخر ليست يده كيد رب العمل ، وليس نائباً عنه ، فيعمل مستقلاً عن رب العمل ، بينما الأجير الخاص تحت إمرة المستأجر .

علاقة رب العمل بالمقاول :

المقاول ( الأجير المشترك ) ملتزم بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه سواء قام به بنفسه ، أو بعماله ، أو بمقاول آخر من الباطن ( أجيره المشترك ) وعمل من يستعين بهم المقاول ينسب له ويقع له ، أما المقاول من الباطن وغيره فإنهم لا يرتبطون مع رب العمل بعقد مستقل . ولذا يتحمل مسئوليتهم المقاول ( الأجير المشترك ) سواء تقصيرهم أو عيوب أعمالهم قال في الدر المختار : فعل الأجيـر في كل الصنائع يضاف لأستاذه ، فما أتلفه يضمنه أستاذه ، ما لم يتعد فيضمنه ([l]) .

وفي المقابل فإن رب العمل ملتزم تجاه المقاول الأصلي ، ولا صلة له بالمقاول من الباطن ( أجير المقاول المشترك ) ، وعقد المقاولة هو الذي يحدد هذه الالتزامات . وهذه العلاقات ذاتها في القوانين الوضعية ([l]) .


 

المبحث السابع

التعديل والإضافة في عقد المقاولة عند فقهاء الشريعة والقانون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا يخلو الأمر من أحد الأحوال الآتية :

1 أن يكون التعديل أو الإضافة مأذوناً فيه من رب العمل متفقاً على أجره ، فإن هذا يعد عقداً صحيحاً ، أما إذا تضمن العقد تعديل التصميم برمته ، بأن كانت التعديلات مغايرة للتصميم الأول كان هذا إقالة من تنفيذ التصميم القديم ، أو بلفظ آخر إقالة من العقد الأول ، وإنشاء عقد جديد بأجر مسمى .

أما إذا تناول التعديل جزءاً من التصميم دون الباقي ، فإن العقد الجديد قد تضمن إقالة جزئية من العمل القديم ، ويتضمن كذلك إقالة جزئية من الأجرة إذا اتفق المتعاقدان على إسقاط ما يقابل هذا الجزء من الأجر ، وتسمية أجر جديد له بمقتضى العقد الثاني ، وقد لا يتفق المتعاقدان على إسقاط جزء من الأجر ، ولكن يتفقان على إضافة أجر جديد فضلاً عن الأجر الأول المستحق عن العمل جميعه ، فيكون الأجر الذي يقابـل هذا الجزء من العمل هو قسطه من الأجر القديم مضافاً إليه الأجر الجديد ، وفي هذه الحالة يقوم العقد الأول بجوار العقد الثاني معاً ، ولا خلاف هنا بين رأي فقهاء الشريعة وفقهاء القانون في التزام المقاول بما يوجبه عليه العقد الجديد ، والتزام رب العمل بدفع الأجر الذي يوجبه عليه العقد على النحو الموضح .

2 أن يكون العمل مأذوناً فيه غير متفق على أجره ، وهنا يرى فقهاء الشريعة أن للمقاول أجر المثل ، سواء كان الأجر مسكوتاً عنه تماماً ، أو قال له سأعطيك أجرك ونحوه ، ويكون العقد الجديد باطلاً لعدم تقدير الأجر ويجب أجر المثل .

3 أن يكون العمل غير مأذون فيه ، وبالتالي فهو غير متفق على أجره ، فإذا أضاف المقاول إلى العمل أعمالاً جديدة ، فلا يستحق أجراً زائداً عن المسمى ، لأنه قد عمل لغيره عملاً بلا إذن ولا عقد ، ولا يستحق كذلك أجراً عن التعديلات التي يجريها في التصميم ، دون إذن .

وفي هذه الحالة يتفق فقهاء الشريعة مع فقهاء القانون ([l]) .


 

المبحث الثامن

ضمان المقاول واشتراط البراءة

ــــــــــــــــــ

        اختلف الفقهاء في ضمان الأجير المشترك ، أو الصناع على رأيين :

الأول : أنه لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط ، وهو رأي أبي حنيفة وزفر والحسن بن زياد ، وأظهر الأقوال عند الشافعية ، والحنابلة في رواية ابن منصور عن أحمد ، ورأي الظاهرية ، ويوافقهم المالكية في غير الصانع والأجير على حمل الطعام الذي تسرع إليه الأيدي .

الثاني : أنه يضمن مطلقاً سواء تعدي ، أو فرط أولاً ، ولا يبرأ إلا برد ما تسلمه على السلامة ، وهذا رأي أبي يوسف ، ومحمد ، وابن أبي ليلى ، وشريح ، ورأي المالكية في الصانع ، وهو قول عند الشافعية ، ورأي الحنابلة في رواية أبي طالب عن أحمد .

وقد حرر ابن رشد الخلاف والاستدلال في تضمين الأجير المشترك أو الصناع فقال : ولا خلاف عندهم أن الأجير ليس بضامن لما هلك عنده مما استؤجر عليه إلى أن يتعدى ما عدا حامل الطعام والطحان ، فإن مالكاً ضمنه ما هلك عنده ، إلا أن تقوم له بينه على هلاكه من غير سببه . وأما تضمين الصناع ما ادعوا هلاكه من المصنوعات المدفوعة إليهم ، فإنهم اختلفوا في ذلك ؛ فقال مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف : يضمنون ما هلك عندهم ؛ وقال أبو حنيفة : لا يضمن من عمل بغير أجر ولا الخاص ، ويضمن المشترك ومن عمل بأجر . وللشافعي قولان في المشترك ، والخاص عندهم هو الذي يعمل في منزل المستأجر ، وقيل هو الذي لم ينتصب للناس ، وهو مذهب مالك على هذا أن الصانع المشترك يضمن ، وسواء عمل بأجر أو بغير أجر ، وبتضمين الصناع قال علي وعمر ، وإن كان قد اختلف عن علي في ذلك .

وعمدة من لم ير الضمان عليهم أنه شبه الصانع بالمودع عنده والشريك والوكيل وأجير الغنم ومن ضمنه فلا دليل له إلا النظر إلى المصلحة وسد الذريعة . وأما من فرق بين أن يعملوا بأجر أو لا يعملوا بأجر ، فلأن العامل بغير أجر إنما قبض المعمول لمنفعة صاحبه فقط فأشبه المودع ، وإذا قبضها بأجر فالمنفعة لكليهما ، فغلبت منفعة القابض ، أصله القرض والعارية عند الشافعي . وكذلك أيضاً من لم ينصب نفسه لم يكن في تضمينه سد ذريعة ، والأجير عند مالك كما قلنا لا يضمن إلا أنه استحسن تضمين حامل القوت وما يجري مجراه ، وكذلك الطحان وما عدا غيرهم فلا يضمن إلا بالتعـدي ، وصاحب الحمام لا يضـمن عنـده ، هذا هو المشهور عنه ، وقد قيل يضمن ([l]) .  

ضمان العيوب الخفية والظاهرة في عقد المقاولة :

لما كانت الإجارة نوعاً من البيع عند جمهور الفقهاء ، فإن تسلم العمل لا يعفى المقاول من ضمان العيوب الظاهرة التي يمكن تبنيها بالتقليب والمعاينة .

ومن المقرر عند الفقهاء أن مجرد وجود عيب بالعمل ، أو مخالفة للمشترط في العقد يلزم المقاول بالضمان ، سواء كان العيب ظاهراً أو خفياً وسواء اكتشفت قبل التقبل أو بعده ، لأن المعقود عليه عمل سليم خال من العيوب ، موافق لشروط العقد ، والعرف ، فإذا لم يأت عمله على هذه الصفة لم يكن موفياً بالعمل المعقود عليه ، وكان ملتزماً بالوفاء به ولا يسقط عنه ذلك إلا بوفاء أو إبراء .

هذا ، ولم يفرق الفقهـاء في رد المبيـع بالعيب بيـن عيب ظاهر يمكن تبيينه بالفحص العادي ، وبيـن عيب خفي ، ولكنهم يرون أن للمشتري رد المبيع بعد التسلم إذا اطلع على عيب فيه سواء كان هذا العيب مما يمكن تبينه بالتقليب والمعاينة أم لا ، لأن عقود المعاوضات تقتضي السلامة من العيوب ، ما دفع المشتري إلا في مقابل عوض سليم ، فكان له الرد بالعيب الذي لم يطلع عليه وقت التسلم . وعليه فلا يبرأ المقاول من ضمان العيوب الظاهرة والخفية .

ولما كان الرد بالعيب وتحديد ما هو عيب مما يكثر الخلاف فيه فقد ضبط الفقهاء معيار ثبوت الخيار والرد بالعيب ، فقال النووي والمحلي : هو كل ما ينقص العين أو القيمة نقصاً يفوت به غرض صحيح إذا غلب في جنس المبيع عدمه ، سواء في ثبوت الخيار قارن العيب العقد بأن كان موجوداً قبله ، أم حدث بعده قبل القبض للبيع ؛ لأن المبيع حينئذ من ضمان البائع ، ولو حدث العيب بعد القبض فلا خيار في الرد به إلا أن يستند إلى سبب متقدم على القبض ([l]) .

وقال الدردير : ورد المبيع بعدم وجود وصف مشروط فيه غرض ، ورد بما العادة السلامة منه ولو لم يشترط السلامة منه ، مما ينقص الثمن أو المبيع أو التصرف ، أو يخاف عاقبته ([l]) .

وقال ابن قدامـة : العيب في المعقود عليه يثبت الخيار كالعيب في بيوع الأعيان ، والعيب الذي يرد به ما تنقص به قيمة المنفعة ([l]) .

وقال ابن عابدين في ضمان غرق السفينة – : ضمان الأجير المشترك مقيد بثلاثة شرائط : أن يكون في قدرته رفع ذلك .. وأن يكون محل العمل مسلماً إليه بالتخلية ، وأن يكون المضمون مما يجوز أن يضمن بالعقد ، فلا يضمن الآدمي .

وإذا وجب الضمان على الأجير المشترك ، فإن كانت العين هلكت بعد العمل فالمكترى بالخيار : إن شاء ضمّنه قيمته معمولاً ، ويحط الأجرة من الضمان ، وإن شاء ضمّنه قيمته غير معمول ولم يكن عليه أجرة . وإن كان الهلاك الموجب للضمان حصل قبل العمل ضمن قيمته غير معمول . وهو لم يعمل شيئاً يستحق أجراً عليه . وهذا ما اتجه إليه الجمهور .

وإذا وجب الضمان على المقاول فيجب عليه أيضاً ضمان أجيره كما قال ابن عابدين : إذ عمله مضاف إليه فيضمن وإن لم يضمن الأجير ما لم يتعد .

اشتراط الضمان ونفيه :

اشتراط نفي الضمان باطل ، فلا يجوز لرب العمل أن يشـترط الضمان على الأجير فيما لا يجب عليه ضمانه ، لأن شـرط الضمان في الأمانة باطل ، لمنافاته لمقتضى العقد . وكذا لا يجوز اشتراط نفي الضمان عن الأجير فيما يجب فيه عليه الضمان . ويفسد العقد بهذا الاشتراط لمنافاته لمقتضى العقد . وللصانع أجر المثل ، لا المسمى ، لأنه إنما رضي به لإسقاط الضمان عنه . هذا ما نص عليه الحنفية والمالكية.

قال الدردير : ولو شرط الصانع نفي الضمان يفسد العقد بالشرط المذكور وله أجر مثله . وقال الدسوقي : لأنه شرط مناقض لمقتضى العقد ، وعلق الدسوقي على أن للصانع أجر مثله بأن ذلك إذا لم يطلع على الفساد إلا بعد تمام العمل ما لم يسقطه قبل فراغ العمل وإلا صح العقد .

وهذا أحد وجهين عند الحنابلة قال ابن قدامة : إن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد لأنه ينافي مقتضى العقد ، وهل تفسد الإجارة به ؟ فيه وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع . قال احمد : فيما إذا شرط ضمان العين : الكراء والضمان مكروه . وروى الأثرم بإسناده عن ابن عمر قال : لا يصلح الكراء بالضمان ، وعن فقهاء المدينة أنهم كانوا يقولون لا نكتري بضمان إلا أنه من شرط على كري أنه لا ينزل متاعه بطن واد أو لا يسير به ليلاً مع أشباه هذه الشروط فتعدى ذلك فتلف شيء مما حمل في ذلك التعدي فهو ضامن . فأما غير ذلك فلا يصح شرط الضمان فيه ، وإن شرطه لم يصح الشـرط لأن ما لا يجب ضمانه لا يصيره الشرط مضموناً ، وما يجب ضمانه لا ينتفي ضمانه بشرط نفيه ، وعن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال : ” المسلمون على شروطهم ” ، قال ابن قدامه : وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه ووجوبه بشرطه لقوله r : ” المسلمون على شروطهم ” فأما إن أكراه عيناً وشرط عليه أن لا يسير بها في الليل أو وقت القائلة أو لا يتأخر بها عن القافلة أو لا يجعل سيره في آخرها أو لا يسلك بها الطريق الفلانية وأشباه هذا مما له فيه غرض مخالف ضمن ؛ لأنه متعد لشرط كريه فضمن ما تلف به كما لو شرط عليه أن لا يحمل عليها إلا قفيزاً فحمل اثنين ([l]) .

وقد تكرر بطلان اشتراط الضمان حتى تقرر قاعدة أن كل ما كان أمانة لا يزول عن حكمه بشرط ضمانه . وقولهم : كل عقد اقتضى الضمان لم يغيره الشرط ([l]) .

اشتراط البراءة من العيوب :

وصورة البراءة أن يقول : بعت على أني برئ من كل عيب ، وفيها مذاهب .

فذهب الحنفية ، والرواية الثالثة عن مالك ، والقول الثاني للشافعية : أن البيع بشرط البراءة من كل عيب جائز ، ويبرأ من كل عيب ، ولا يرد بحال ، وذلك لأن الرد بالعيب حق من حقوق المشتري قبل البائع ، فإذا أسقطه سقط كسائر الحقوق الواجبة .

وذهب الحنابلة في رواية ، وهو القول الثالث للشافعية إلى أنه لا يبرأ سواء علم به البائع أو لم يعلم ، وذلك لأنه من باب الغرر فيما لم يعلمه البائع ، ومن باب الغبن والغش إذا علمه وذلك لأثر ابن عمر رضي الله عنهما ، وقد باع غلاماً له بثمانمائة درهم وباعه على البراءة ، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر : بالغلام داء لم تسمه ، وقال عبد الله : بعته بالبراءة . فقضى عثمان رضي الله عنه على عبد الله بن عمر أن يحلف له : لقد باعه العبد بالبراءة وما به داء يعلمه ، فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد ، فصح العبد عنده ، فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم ([l]) .

والقول الأظهر عند الشافعية ،والأصح عند المالكية ، ورواية عند الحنابلة أنه يبرأ البائع من كل عيب في الحيوان لا يعلمه دون ما لا يعلمه ، ولا يبرأ في غير الحيوان بحال ([l]) .

ما يضمنه المقاول إذا خالف شروط العقد في منقول :

إذا خالف المقاول شروط العقد في منقول لا يمكن إصلاحه ، كما لو استأجره ليخيط له قميصاً فخاطه قباء ، أو ليخيط له قميصاً فخاطه لأمرأة . فقد اختلف الفقهاء على آراء :

الأول : ذهب إلى أن الأجير قد أتى بعمل غير المعقود عليه فيكون متعدياً ، وعلى المتعدي الضمان ، ويضمن ضمان الغاصب ، ولا يستحق على عمله أجراً ، وهو رأي أبي حنيفة والشافعية والحنابلة إلا أنهم اختلفوا فيما يضمنه فذهب أبو حنيفة إلى أنه يضمن القيمة ، ويكون الثوب للأجير . وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن رب العمل يأخذ ماله ، وعلى الأجير ، والمتعدي ، والغاصب ، أرش النقص ، ولكنهم اختلفوا في أرش النقص الذي يضمنه الأجير ، هل هو الفرق ما بين قيمته صحيحاً ، ومقطوعاً ، أو هو الفرق بين قيمته مقطوعاً قميصاً ، وبين قيمته مقطوعاً قباء ، أقوال .

هذا فيما لا يمكن إصلاحه ، أما إن أتى المقاول بعمله مخالفاً للشروط ، أو معيباً وكان بالإمكان إصلاحه ، وجب عليـه إصلاحه ولو أدى ذلك إلى إعادة العمل من جديد ؛ لأنه التزم عملاً سليماً ، موافقاً لشروط العقد ([l]) .


 

المبحث التاسع

توقيت خيار العيب إلى مدة

ــــــــــــــ

وفيه ثلاثة آراء :

الرأي الأول : أنه على الفور : فتجب المبادرة للفسخ وإلا سقط ، ومرادهم من الفورية : الزمن الذي يمكن فيه الفسخ بحسب العادة . فلو علمه عند العقدد أو بعده ولم يفسخ فهو من ضمانه ولا يرجع بأرش العيب . وهذا مذهب الشافعية ورواية في مذهب أحمد على ما ذكره القاضي أبو يعلى من تعدد الرواية فيه . وهو رأي لدى الحنفية .

الرأي الثاني : أنه على التراخي : فلا يسقط بالتأخير ما لم يوجد منه على المعتمد ما يدل على الرضا . وهو مذهب الحنفية على المعتمد والحنابلة على الرواية المصححة من المذهب .

الرأي الثالث : توقيته بيوم أو يومين : ويفترق الحكم بالرد فإن حصل في يوم فأقل لم يحتج لرده إلى اليمين ، بعدم حصول رضاه ، وإن تأخر إلى يومين رده مع اليمين بأنه ما رضي بالمعقود عليه . وهو مذهب المالكية .

الرأي الرابع : التأجيل ثلاثة أيام : فليس على الفور ولا على التراخي طالت المدة أو قصرت بل يؤجل ثلاثة أيام فإن لم يرد سقط .

ولعل الراجح أنه لا مانع من تحديد مدة تشترط في العقد لا خيار بعدها وبخاصة على مذهب الحنابلة الموسوعون في الشروط . قال الإمام ابن تيمية : الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل دليل على خلافه ([l]) . وهذا هو الأنسب للمعاملات اليوم مع الأخذ بالاعتبار ما يناسب العقار والمنقول واعتبار العرف .

أثر خيار العيب على حكم العقد :

إن وجود خيار العيب في العقد لا أثر له على حكم العقد الذي هو انتقال الملك ، فملك المبيع يثبت للمشتري حالاً ، وملك الثمن ينتقل إلى البائع في الحال ، لأن ركن البيع مطلق عن الشرط . والثابت بدلالة النص شرط السلامة لا شرط السبب ( كما في خيار الشرط ) ولا شرط الحكم ( كما في خيار الرؤية ) وأثر شرط السلامة يقتصر على منع لزوم العقد ولا سلطان له على منع أصل حكم العقد .

صفة العقد مع خيار العيب :

الملك مع خيار العيب غير لازم ، لأن السلامة شرط في العقد دلالة ، فما لم يسلم المبيع ، لا يلزم حكمه ([l]) .

الضمان القانوني في المباني والمنشآت :

تحدد القوانين الوضعية الضمان في المباني والمنشآت بعشر سنوات . فتنص القوانين على أن : يضمن المهندس المعماري والمقاول متضامنين ، ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيدوه من مباني أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى ، ولو كان التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها ، أو كان رب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة ، ما لم يكن المتعاقدان في هذه الحالة قد أرادا أن تبقى هذه المنشآت مدة أقل من عشر سنوات .

ويشمل الضمان ما يوجد في المباني والمنشآت من عيوب يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته .

وتبدأ مدة السنوات العشر من وقت تسلم العمل . ويكون باطلاً كل شرط يقصد به إعفاء المهندس المعماري والمقاول من الضمان أو الحد منه . كما تنص القوانين على أن كل من مشيد لعمل ، يكون مسئولاً بقوة القانون ، في مواجهة رب العمل أو من آلت إليه ملكية هذا العمل ، عن الأضرار التي حتى ولو كانت ناتجة عن عيب في الأرض تعرض للخطر متانة العمل ، أو التي وهي تصيبه في أحد عناصره الإنشائية أو أحد عناصر الإعداد  – تجعله غير صالح للغرض المخصص له . ولا يمكن التحلل من هذه المسئولية إلا إذا أثبت المشيد أن هذه الأضرار ترجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه . 

كما يجوز الاتفاق على تشديد ضمان المقاول ، فلا تتقادم دعوى الضمان مثلاً ولو كان العيب واضحاً إلا بمضي ثلاث سنوات أو خمس . أو يجوز أن يتحفظ رب العمل عند تسلمه الشيء أو تقبله العمل ، ويقرر أن ذلك لا يمنعه من الرجوع فيما بعد على المقاول إذا ظهر في العمل عيب ولو كان هذا العيب واضحاً . كما يجوز الاتفاق على تخفيف الضمان أو الإعفاء منه ، فيشترط المقاول عدم ضمانه للعيب بمجرد تسلم رب العمل الشيء أو تقبله العمل ولو كان العيب خفياً ، ولكن لا يجوز الاتفاق على الإعفاء من الضمان إذا كان العيب راجعاً إلى غش المقاول أو إلى خطأ منه جسيم . وهذا بخلاف أحكام الضمان الواجب على المهندس المعماري والمقاول بالنسبة إلى عيـوب البنـاء ، فإن هذه الأحكام تعتبر من النظام العام لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها ([l]) .


 

نتائج البحث

ــــــــ

1 المقاولة في القانون : عقد يتعهد بمقتضاه أحد العاقدين أن يصنع شيئاً ، أو يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر .

2 المقاولة تقابل في الفقه الإسـلامي الإجارة على العمل إذا كان العامل أجيراً مشتركاً . فالمقاول هو الأجير المشترك ، والعقد مع الأجير المشترك وارد على العمل الموصوف أو الأثر والوصـف الذي يحدثه العامل في العين بعمله مقابل أجر . فهذه مقاولة في القانون ، إجارة على عمل في الفقه الإسلامي .

3 للمقاولة في القانون صورتان :

الأولى : تقديم المقاول – الأجير المشترك العمل فقط .

الثانية : تقديم المقاول الأجير المشترك العمل والمادة .

4 إذا قدم المقاول الأجير المشترك العمل فقط فهي مقاولة في القانون تقابل الإجارة على العمل في الفقه الإسلامي ، وتطبق أحكام الإجارة .

5 إذا قدم المقاول الأجير المشترك العمل والمادة فهي مقاولة في القانون ، استصناع في الفقه الإسلامي ، وتطبق عليهما أحكام واحدة ، فالاستصناع هو مقاولة قانوناً ، وعليه فالمقاولة في القانون أعم في مضمونها من الفقه الإسلامي . فتجمتع المقاولة مع الاستصناع إذا قـدم المقاول الأجير المشترك العمل والمادة ، وتنفرد المقاولة فيما إذا قدم المقاول الأجير المشترك – المادة فقط فهي مقاولة في القانون ، وإجارة على العمل في الفقه الإسـلامي ، والإجارة على العمل الأجير المشترك مقاولة قانوناً وليست مقاولة استصناعاً فقهاً . فكل استصناع مقاولة وليس كل مقاولة استصناعاً .

6 إذا قدم المقاول العمل والمادة فيطبق على العقد قرار المجمع في الاستصناع 65 (3/7) .

7 يجوز أن يتضمن عقد المقاولة شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم يكن هناك ظروف قاهرة . وتطبق حينئذ قرارات المجمع في الشرط الجزائي الوارد في قراراه في البيع بالتقسيط رقم  51(2/6) ، وقراراه في الاستصناع 65(3/7) ، وقراراه في السلم رقم 85 (2/9) ، وقراراه في الشرط الجزائي رقم 109 (3/12) .

8 يجوز الاتفاق على الأجرة بالطرق الآتية :

أ الاتفاق على أجر بمقتضى مقايسة على أساس الوحدة .

ب الاتفاق على أجر إجمالي على أساس تصميم معين .

ج الاتفاق على أجر مقطوع على أساس وثائق العطاء والمخططات ( منشآت يصعب تجزئتها ) .

د – الاتفاق على أجر مقطوع على أساس وثائق العطاء والمخططات ( منشآت صناعية أو خاصة ) .

هـ الاتفاق على أجر مقطوع ونسبة شائعة من مردود العمل المستأجر عليه .

و الاتفاق على أجر على أساس التكلفة بالإضافة لنسبة مئوية .

9 يجوز في عقد المقاولة تأجيل الثمن كله أو تقسيطه إلى أقساط لآجال معلومة ، أو حسب مراحل العمل المتفق عليها .

10 يجوز الاتفاق على التعديل أو الإضافة ويكون عقداً جديداً ، ويجب الوفاء بالعقدين . فيلتزم المقاول بتنفيذ العقدين ، ويلتزم رب العمل بدفع الأجرة المتفق عليها .

11 إذا أجرى المقاول تعديلات أو إضافات بإذن رب العمل دون الاتفاق على أجرة ، فالعقد الجديد باطل ، وللمقاول أجر المثل .

12 – إذا أجرى المقاول تعديلات أو إضافات دون اتفـاق عليها فلا يستحق أجراً زائداً عن المسمى ، ولا يستحق أجراً على التعديلات أو الإضافات .

13 يضمن المقاول إذا تعدى أو فرط أو قصر أو خالف شروط العقد ، وكذلك يضمن العيوب والأخطاء التي يتسبب فيها ، ولا يضمن ما كان بسبب من رب العمل ، أو بقوة قاهرة .

14 إذا شرط رب العمل على المقاول أن يقوم بالعمل بنفسه فلا يجوز له أن يتفق مع مقاول آخر من الباطن . 

15 إذا لم يشترط رب العمل على المقاول أن يقوم بالعمل بنفسه جاز له أن يتفق مع مقاول من الباطل . ما لم يكن العمل بعينه مقصوداً أداؤه من المقاول نفسه بوصف مميز فيه مما يختلف باختلاف الأجراء .

16 المقاول مسئول عن مقاوليه من الباطن .

17 لا يقبل في عقد المقاولة اشتراط نفي الضمان عن المقاول .

والله الموفق وبالله التوفيق .

شاهد أيضاً

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

التحوط في المعاملات المالية

بحث التحوط في المعاملات المالية

تحويل البنوك التقليدية لبنوك اسلامية ( المبادئ والضوابط والإجراءات )

تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية