الرئيسية / المقالات / زكاة الأموال المجمدة

زكاة الأموال المجمدة

زكاة الأموال المجمدة

 

بحث مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي –  بجــدة

في دورته السادسـة عشرة لمجلس المجمع

المنعقدة في دبي

 

 

في الفترة من السبت 9 / 4 / 2005 م

إلى الخميس 14 / 4 / 2005 م

 

 

مقدم من

الأستاذ الدكتور/ عجيل جاسم النشمي


 

]  بسم الله الرحمن الرحيم  [

*******

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.

        فإن من مستجدات العصر تلك الأموال التي يملكها أصحابها أو مستحقوها لكنها محجوزة عنهم ، أو محجوز عنهم أصولها ، فلا يمكنون من تصرف الملاك فيما يملكون ، ويتم ذلك باتفاق أو عقد وقد تكون هـذه الأموال محجوزة بلا استثمار ، وقـد تكون في وعاء استثماري لدى إحدى ” المؤسسات المالية الإسلامية ” ([]) ، ويكون لها ريع قد يكون من حق مستحقها أو مالكها ، وقد يكون استثمارها قصير الأجل ، لا يعدو حول المال الزكوي ، وقد يكون طويل أجلها ، والحاجز لهذه الأموال قد تكون هي الدولة أو مؤسسة من مؤسساتها ، وقد تكون مؤسسة مالية إسلامية أو شركات تأمين إسلامية ، وفي جميع الأحوال هي محكومة بنظم ولوائح .

        ومحل النظر المطلوب بحثه زكاة هذه الأموال ، هل هي كمال الضمار ، فتجري عليها أحكامه أو هي نوع جديد من المال ، لوجوده فخالف مال الضمار ولحبسه عن مستحقه ومالكه فخالف المالك التام ، ولاستحقاق ريعه لمستحقه من وجه آخر ، وهذا الاستشكال يجعل حكم زكاته محل النظر والاجتهاد .

        وقد كثر في هذا العصر أنواع هذا المال المجمد أو المحبوس، أو المعجوز عن تنميته حبساً مؤقتا، وأخذ أشكالا متعددة في ميزانيات الدولة، والمؤسسات المالية الإسلامية وغيرها.

        ولجمع شتات الموضوع وحصر ما أمكن من أطرافه جعلت هذا البحث في فصول أربعة :

الفصل الأول: في مفهوم الأموال المجمدة .

الفصل الثاني: في زكاة أقساط واحتياطيات شركات التأمين الإسلامية.

الفصل الثالث: في الودائع الاستثمارية.

الفصل الرابع: في المكافآت التي تدفع في نهاية الخدمة.

 

        وقد انضوى تحت هذه الفصول أربعة عشر مبحثاً، وقد ختمت البحث بملخص البحث والتوصية المقترحة.

 

 

وفيما يلي ورقة التكليف التي طلبت أمانة المجمع الموقرة وضع البحث في إطارها، ولقد استوفيت بحث ما ورد في الورقة، وأضفت إليها ما رأيته ضرورياً لاستكمال البحث العلمي.

 


 

ورقة أمانة المجمع

زكاة الأموال المجمدة

 

الأموال المجمدة هي التي لا يمكن لصاحبها سحبها أو التصرف فيها من الأوعية الاستثمارية التي تشترط بقاء المبلغ فيها فترات طويلة قد تستمر منذ إنشاء الوعاء الاستثماري إلى تصفيته.

وبالرغم من أن تجميد الأموال لا يؤدي إلى انتفاء تنميتها لكن خصائص الملك التام المقترن بإطلاق التصرف قد تخفى فتشبه مال الضمار، أو أموال التجارة للمتربص – على ما هو مقرر في مذهب المالكية -.

ومن تلك الأموال التي ينطبق عليها وصف التجميد ويحتاج الأمر فيها إلى معرفة وجوب الزكاة أو عدمه:

أ   –  أقساط أو احتياطيات التأمين التكافلي، لاعتبارها مملوكة على الشيوع لمجموع حملة الوثائق ( المشتركين في التأمين )، وليس لهم التصرف فيها لأن ذلك منوط بإدارة الشركة حسب النظام الذي التزم به كل مشترك.

ب –  الاستثمارات الطويلة الأجل، وهي الودائع الاستثمارية التي لا يحق لصاحبها سحبها إلا بعد فترات قد تصل إلى بضع سنوات أو إلى نهاية مدة الوعاء الاستثماري، مع استحقاقها أرباحاً توزع أو تتراكم للدفع عند التصفية.

ج –  أموال مكافآت نهاية الخدمة، في فترة الخدمة، أو بعد انتهائها.

د  –  الراتب التقاعدي، عندما يكون في ميزانية الشركات وبعد قبضه ممن يستحقه.

هـ  –  أموال التأمينات الاجتماعية ( الضمان الاجتماعي ) قبل وبعد صرفها لمستحقيها.

و  –  التأمينات النقدية للحصول على الخدمات، كالهاتف والكهرباء أو استئجار البيوت.

 

 

وكان العون من الله أولاً وآخـراً

والحمد لله رب العالمين


 

الفصل الأول

الأموال المجمدة

 

المبحث الأول

مفهوم الأموال المجمدة وأموال الضمار

 

       نحتاج إلى بيان أوجه التوافق والاختلاف بين مفهوم هذين المصطلحين لما يترتب عليه من ثمرة اختلاف أحكام الزكاة من حيث الجملة. فالأموال المجمدة جنس يختلف عن مال الضمار أو المال المعجوز عن تنميته، فالأموال المجمدة بالتعريف المطلوب بحث موضوعه هي: الأموال التي لا يمكن لصاحبها سـحبها، أو التصرف فيها من الأوعية الاستثمارية التي تشترط بقاء المبلغ فيها فترات طويلة، قد تستمر منذ إنشاء الوعاء الاستثماري إلى التصفية “، بينما مفهوم أو تعريف مال الضمار هو: ” المال الذي لا يتمكن صاحبه من اسـتنمائه لزوال يـده عنه ، وانقطاع أمله في عودته إليه ([]) في الغالب ([]) “. أو كما قال الكاساني: مال الضمار هو كل مال غير مقدور الانتفاع به مع قيام أصل الملك، كالعبد الآبق ، والمال المفقود ، والمال الساقط في البحر والمال الذي أخذه السلطان مصادرة ، أو الدين المجحود ” ([]).

            فيتفق المال المجمد ومال الضمار في أن المال مملوك لصاحبه ملكاً غير تام، وأنه عاجز عن تنميته بيـده ويختلف المالان في أن مال الضمار مال غير نام؛ لعدم التمكن من الاستنماء بينما النماء في الأموال المجمدة ظاهر، فهي وإن كانت أصولاً ثابتة لكنها تزيد وتنمو خاصة إذا كانت مستثمرة ولا تكاد تنفك عـن الاستثمار واقعاً، وأيضاً فإن المال المجمد ملكيته أكثر استقراراً، أو هي مستقرة فعلاً ؛ لأن المال تحت يد مليئة تقر بملكية المال لصاحبه.

بينما مال الضمار قد انقطع أمل مالكه من عودته ، أو كاد ينقطع ، ويظهر ذلك في المال المغصوب والدين المجحود، فهما من أفراد مال الضمار لكن لا يعتبران مال ضمار إذا كانت لصاحبهما بينة عليهما ، وهذا بخلاف الأموال المجمدة.

 

ويظهر الخلاف أيضا في الاستثمار، إذ لا سبيل إليه في مال الضمار، فصاحبه

مقهور عليه ، ولا يصله شيء من ريعه البتة ، بينما المال المجمد وإن كانت يد مستحقه مغلولة عنه مدة ، إلا أن هذا تم بالتراضي والاتفاق العقدي مع الجهة المتصرفة فيه ، بل فيه

معنى التفويض من المالك بالتصرف في بعض الصور ، وقد يكون للمال المجمد نماء يصل

إلى مالكه حالاً أو مؤجلاً ، ولذلك فتعبير الأموال المجمدة فيه نوع تساهل لأنها في كثير من الأنواع تنمو ومظهر نموها ريعها.

ولا يبعد القول : إن أنواع مال الضمار لا يدخل شيء منها تحت مضمون الأموال المجمدة ؛ لأن مال الضمار وإن سبق ملكه ووجوده تحت يد مالكه ، إلا أنه الآن غير موجود، لكن الأموال المجمدة موجودة حقيقة ، فهي كالدين القوي على مليء .

ونرى أن استخدام مصطلح ” الأموال المحجوزة أو المحبوسة ” أدل على المعنى المراد من مصطلح ” المجمدة ” فإن الأموال المحجوزة أو المحبوسة تحتمل الاستثمار في حين أن الأموال المجمدة لا تحتمله.

ونظراً لهذا الاختلاف بين المالين ، كان المال المجمد محتملاً للزكاة ، فيـه أو في ريعه ، بينما يترجح أن مال الضمار لا زكاة فيه ما دام ضماراً حتى يقبضه ([]) ، ويسـتند هذا الترجيح إلى عدة أسباب ليس شيء منها في المال المجمد :

أولها : أن من شروط وجوب الزكاة في المال : الملك التام ، وهو غير متحقق فيه، إذ هو مملوك رقبة لا يداً، فقد خرج عن يده ، وتصرفه فلم تجب عليه زكاته.

ثانيها: أن المال الضمار غير منتفع به في حق المالك ، لعدم وصول يده إليه، والمال إذا لم يكن مقدور الانتفاع به في حق المالك لا يكون المالك به غنياً، ولا زكاة على غير الغني للحديث.

ثالثها: أن السبب في وجوب الزكاة هو المال النامي ، ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف ، ولا قدرة عليه في الضمار ، فلا زكاة ، قال العيني : وذلك لأن النماء شرط لوجوب الزكاة، وقد يكون النماء تحقيقاً كما في عروض التجارة ، أو تقديراً كما في النقدين ، والمال الذي لا يرجى عـوده لا يتصور تحقق الاستنماء فيه .

 

 

رابعها: أن السبب هو المال النامي تحقيقاً أو تقديراً بالاتفاق ، للاتفاق على أن من ملك من

 الجواهر النفيسة ما تساوي آلافاً من الدنانير ولم ينو فيها التجارة، لا تجب فيها الزكاة. وولاية إثبات حقيقة التجارة باليد، فإذا فاتت انتفى تصور الاستنماء تحقيقاً،

فانتفى تقديراً لأن الشيء إنما يقدر تقديرا إذا تصور تحقيقاً ([]).

واختلف الفقهاء في كيفية زكاة مال الضمار بعد أن اتفقوا على أنه لا زكاة فيه مادام ضماراً. فذهب الشافعي – في الجديد – وأحمد – في رواية عنه – والثوري وزفر وأبو عبيد القاسم بن سلام – وهو المعتمد عند الحنابلة – إلى أنه لا زكاة فيه وهو ضمار ، وإنما تجب فيه الزكاة للسنين الماضية إذا وصلت إليه يده .

وذهب أبو حنيفة ، وصاحباه أبو يوسـف ومحمد ، وأحمد – في رواية عنه – والشافعي – في القديم – والليث ، وأبو ثور ، وإسحاق ، وقتادة : إلى أنه لا تجب الزكاة في المال الضمار ، ويستقبل مالكه حولاً مستأنفاً من يوم قبضه ، ونقله ابن حبيب عن الإمام مالك.

وذهب مالك – في المشهور عنه – والأوزاعي والحسن البصري إلى أن على مالكه أن يزكيه لسنة واحدة إذا قبضه([]).

 

 

المبحث الثاني

شروط المال الذي تجب فيه الزكاة

الأموال المجمدة هي في الأصل محل للزكاة ؛ لأنها مال في مصطلح الشرع ([]). لكن لما فقدت شرطين من شروط زكاة المال وهما : الملك التام ، والنماء ، اقتضى ذلك بيان

الشروط العامة للمال الذي تجب فيه الزكاة، مع بيان وجه انتفاء الشرطين، وأثر ذلك

على أنواع الأموال المجمدة في التطبيقات المعاصرة .

وبناءً عليه نتناول بالذكر شروط المال الذي تجب فيه الزكاة عامة

فيشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة شروط :

أولاً : الملك التام .

ثانياً : النماء .

ثالثاً : بلوغ النصاب .

رابعاً : الفضل عن الحوائج الأصلية .

خامساً : السلامة من الدين .

سادساً : حولان الحول .

وسنقصر النظر فيما تشتد الحاجة إلي بيانه من هذه الشروط، وهو شرط الملك فحسب، ولا حاجة لبقية الشروط، فإنها متعلقة بالمال ذاته، والنقص لم يدخل عليه، والمفترض توافر شروط الزكاة فيه كلها، لكن النقص شاب الملك لما انفك عنه التمكن من التصرف، وهو حقيقة الملك، وعليه فترك ما سوى شرط الملك من الشروط الأخرى، وإعفاء البحث من ذكرها مطلوب ومرغوب، ولذا فهذه نبذة عن شرط الملك وبعض تفريعاته.

 

أولاً : الملك التام :

يشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة تحقق الملك، وأن يكون هذا الملك تاماً، ونقسم الملك التام إلى ثلاث فقرات: الملك، والملك التام، واستقرار الملك:

أ – الملك في اللغة : قال ابن سيده المَلْك والمُلْك والمِلْك احتواء الشيء، والقدرة على الاستبداد به، والمالكية هي العلاقة بين المال والإنسان، بالنظر إلى الإنسان ، والمملوكية هي العلاقة بينهما ، لكن بالنظر إلى المال.

وأما الملك اصطلاحاً : فقد تعددت تعاريف الفقهاء ([]) ، فعرفه ابن السبكي بقوله : هو حكم شرعي ، يقدر في عين أو منفعة ، يقتضي تمكن من ينسب إليه من انتفاعه ، والعوض عنه من حيث هو كذلك ([]) .

وعرفه القرافي بقوله : هو حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة ، يقتضي تمكن من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك ([]).

وعرفه قاسم بن عبد الله ، بن الشاط بقوله : هو تمكن الإنسان شرعاً بنفسه أو بنيابة

من الانتفاع بالعين أو المنفعة ، ومن أخذ العوض ، أو تمكنه من الانتفاع خاصة ([]).

وعرفه الكمال بن الهمام بقوله : هو قدرة يثبتها الشرع  ابتداء على التصرف ([]) .

وعرفه أكمـل الديـن البابرتي : بأنه القدرة على التصرف في المحل شرعاً ([]) .

 

قال ابن نجيم : وينبغي أن يقال : إلا لمانع ، وهذا القيد لازم؛ لأنه قد يكون الشخص مالكاً ولا قدرة له على التصرف ، كالمحجوز عليه . والمبيع المنقول للمشتري ولا قدرة له على بيعه قبل قبضه.

ومن تعاريف الفقهاء السابقة يتضح الفرق بين الملك والمال ، فالملك أعم من المال بشموله للمال والمنفعة . حتى على تعريف الحنفية للملك ، ولكن لا يلزم عندهم من كون المنفعة قسيمة للمال أن تكون مالاً . فقالوا : ” إن المنفعة ملك لا مال ” ، وذلك راجع إلى كون المنفعة يمكن التصرف فيـها بوصف الاختصاص ، فساغ أن تكون مملوكة ، لكن لما لم يمكن ادخارها لحين الحاجة فارقت المال ، لأن من شأنه عندهم أن يدخر للانتفاع به وقت الحاجة.

أما الجمهور : فلم يفرقوا هذه التفرقة ، بل صرحوا كما في تعريف ابن السبكي والقرافي بأن الملك يتناول العين والمنفعة . والتعريف المختار حينئذ يتناول الأعيان والمنافع والديون . فيكون الملك – والحال هذه – ليس أمراً مادياً له وجود في الخارج ، بل هو حق يرد على الأعيان والمنافع والديون، أو هو علاقة تنشأ بين المالك والشيء المملوك ، فتكون العلاقة المالكية , ويترتب على هذه العلاقة أن يكتسب صاحب الملك حق التصرف ، ما لم يمنعه مانع من كونه ناقص الأهلية . أو كان المال مشتركاً ، أو مرهوناً، أو غير ذلك. فالمنع هنا عن التصرف فحسب ، وهذا لا ينافي الملكية؛ لأنه منع عارض.

ب – الملك التام : هو التمكن من التصرف ، وقـد يعبر عنه بالملك المطلق ، قال الكاساني : ” الملك المطلق هو أن يكون مملوكاً رقبة ويداً . وهذا يعني أن تمام الملك يتوقف على أمرين : التمكن من التصرف فيه واستقرار الملك.

وقد اختلف الفقهاء في اعتبار هذين الأمرين شرطاً لتحقق الملك التام :

 

 

 

شرط التمكن من التصرف :

ذهب الحنفية والمالكية والشافعية في مقابل الأظهر والحنابلة في رواية إلى اعتبار التمكن من التصرف شرطاً ، ولذا لم تجب الزكاة عندهم في مال الضمار ، مع الخلاف السابق في كيفية زكاته بعد عوده لمالكه ([]) .

وذهب الشافعية في الأظهر وأحمد في رواية إلى عدم اعتبار التمكن من التصرف

شرطاً للملك التام ، ويكفي استقرار الملك .

واستدل الأولون : بما روي عن علي t مرفوعاً وموقوفاً ” لا زكاة في مال الضمار، وهو نص في أن المال الذي لا يمكن الانتفاع به لا زكاة فيه . وإذا لم يمكن الانتفاع به فلا يكون المالك به غنياً وأن السبب في وجوب الزكاة المال النامي ، ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف ، ولا قدرة عليه . وابن السبيل يقدر بنائبه ” ([]) .

واستدل الآخرون بعموم قوله تعالى:  ) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم    بِهَا ( ([]) ، ولوجود سبب الملك وهو ملك النصاب ، وفوات اليد لا يخل بوجوب الزكاة ([]).

ج – استقرار الملك : ومعنى استقرار الملك أن يكون ثابتاً غير معرض للإسقاط، كالدية على العاقلة، والمال المرهون في يد المرتهن، والمال المستقرض قبل قبضه، وكدين الكتابة ، فكل ذلك معرض للسقوط.

       وقد اختلف الفقهاء في اعتبار الاستقرار شرطاً للملك التام الموجب للزكاة على قولين :

القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية في الأظهر والحنابلة في قول إلى اشتراط استقرار الملك لوجوب الزكاة ، فلا تجب الزكاة في الأجرة المعجلة قبل استيفاء المنفعة، كما إذا أجر داره لمدة أربع سنوات بأربعة آلاف دينار نقداً ، فمر على المبلغ المقبوض حول ، فإنه يزكي ما يقابل السنة الأولى ، وأما ما يقابل السنوات الثلاث، فلا تجب فيه الزكاة ؛ لأن ملكها عرضـة للزوال لاحتمال انهدام الدار. إذ أن عدم تسليم المنفعة يزلزل الملك . قال الغزالي في شرط كمال الملك لوجوب الزكاة: أن مثار الضعف ثلاثة أمور : الأول : امتناع التصرف ، وله مراتب … والثاني : تسـلط الغير على ملكه، وله مراتب … الثالث : عدم استقرار الملك : وله مرتبتان … .

وقال السيوطي: وأما كون الاستقرار : شرط وجوب الزكاة ؛ فلقولهم في الأجرة : لا يلزمه أن يخرج إلا زكاة ما استقر ([]).

القول الثاني : ذهب الشافعية في مقابل الأظهر والحنابلة في قول إلى عدم اشتراط استقرار الملك ، فتجب الزكاة في غير المستقر اكتفاء بأصل الملك . فإذا أجر داره أربع سنين بأربعة آلاف دينار ، تجب زكاة المبلغ جميعه ، كما في الصداق قبل الدخول ؛ إذ لا فرق بين توقع رجوع الأجرة بانهدام الدار وبين توقع رجوع الصداق بالطلاق . كما تجب الزكاة في الغنيمة قبل قسمتها على الفاتحين إذا مر عليها الحول لوجود أصل الملك ، فيخرجون الزكاة منذ إمساكها واختيارهم لملكها ([]).

 

الفصل الثاني

في زكاة أقساط واحتياطات شركات التأمين الإسلامية

 

يشمل التأمين الإسلامي أموالاً متنوعة مملوكة على الشيوع لا يتمكن أصحابها من التصرف فيها تصرف الملاك نظراً لطبيعة نظام الشركة ولطبيعة هذه الأموال، التي تحكم حركتها النظم واللوائح.

ولما كان حكم زكاة هذه الأموال متوقفاً على معرفة حقيقة أو ماهية شركات التأمين الإسلامية، احتاج ذلك إلى بيان يتناول طبيعة الشركة ونظامها ، وعلاقات أطرافها، وحساب المشتركين فيها ؛ ليبنى الحكم بعد التصور والمعرفة ، وسنعرض لذلك بطريق الإيجاز.

 

 

المبحث الأول

تكوين شركة التأمين الإسلامية

 

تتكـون شـركة التأمين الإسـلامية مـن المؤسـسين (هيئـة المؤسسين) والمشتركين (هيئة المشتركين) حملة الوثائق ، والشركة المديرة .

أما المؤسسون : فهم من يضعون رأس مال الشركة ويوقعون على عقد التأسيس والنظام الأساسي ، ويمكن أن ينضم إليهم كل من يساهم في رأس المال لاحقا ، وهم من يقع عليهم عبئ إنشاء شركة التأمين الإسلامية : ومتابعة إجراءاتها ، ودعوة الراغبين في المساهمة فيها ، وأهم ما يلتزم به المساهمون التعهد بتغطية العجز الذي قد يطرأ على صندوق المشتركين على سبيل القرض الحسن ، وذلك عن طريق الشركة ، فإذا لم تف أموال المشتركين بالتعويضات المطلوبة ولم يتم الوفاء عن طريق شركات إعادة التأمين فإن الشركة تلتزم بالقرض الحسن لصندوق التأمين وهذا الالتزام مبني على الوعد الملزم الذي قال به بعض الفقهاء وأقرته العديد من الندوات العلمية .

وأما المشتركون : فهم حملة وثائق التأمين وعليهم دفع أقساط التأمين على صفة التبرع ، ويتحملون الأضرار والمخاطر التي قد تنزل بهم أو بأحدهم ، ويلتزمون بدفع التعويض من وعاء أو صندوق أقساط التأمين.

وللمشتركين حق استثمار ما زاد عن الإنفاق من أقساط التأمين والتعويضات لدى شـركة التأمين ، فيسـتحقون نصيبهم في صافي الفائض التأميني ([]) الذي يتحقق في حساب عمليات التأمين لدى الشركة في نهاية السنة المالية وفق النظم واللوائح المعتمدة من مجلس إدارة الشركة ، وذلك بعد تغطية ما يلزم من الاحتياطات والنفقات والمصروفات الإدارية .

وأما شركة التأمين ، فهي الشركة التي أسسها المساهمون للقيام بأعمال التأمين والاستثمار وفق أحكام الشريعة الإسلامية ، واستثمار ما زاد من أموال المشتركين بنسبة من الربح أو بأجر أو بدون أجر .


 

المبحث الثاني

العلاقات بين أطراف شركة التأمين الإسلامية

 

        العلاقة بين المؤسسين أنفسهم علاقة تجارية تتمثل باستثمار أموالهم في الشركة التي ينشئونها ، وأما سبيل التعاون فيأتي تبعا باعتبارهم أصحاب فكرة الشركة التعاونية والساعين في إنشائها وتمكين المشتركين من العمل التعاوني الإسلامي .

        كما أن المؤسسين يتعهدون تعهدا ملزما على أنفسهم للمشتركين بتغطية العجز إن وجد بقرض حسن .

        وكذلك العلاقة بينهم وبين المشتركين علاقة تجارية أيضا تقوم على المضاربة بنسبة من الربح نظير قيام الشركة باستثمار أقساط التأمين التي يدفعها المشتركون ، أو تقوم العلاقة على أساس الوكالة بأجر نظير قيام الشركة بسائر أعمال ومتطلبات التأمين الإداريـة والفنية، وما يستلزم ذلك من أعباء – كما سيأتي -.

 

المبحث الثالث

حساب المساهمين وحساب المشتركين

 

        لما كانت شركة التأمين الإسلامية تتكون من هيئتين مستقلتين هيئة المساهمين وهيئة المشتركين ، كان لا بد من فصل كل منها ، ويتحدد بناء على هذا الفصل ما يتحمله كل منها على ضوء مكونات الحساب .

ما يتكون منه حساب المساهمين :

1.    رأس المال المتمثل في قيمة الأسهم المدفوعة .

2.    عائد استثمار المال المتبقي من رأس المال .

3.    حصة الشركة من ربح أقساط المشتركين المستثمرة .

ويتحمل المساهمون :

1.    مصاريف استثمار الأموال ، وأية مصاريف أخرى .

2.    رواتب الموظفين .

3.    أجرة المبنى ونحوه .

4.   بدل الاحتياطات القانونية .

ما يتكون منه حساب المشتركين :

1.    أقساط التأمين .

2.    حصة المشتركين من أرباح الأقساط .

ويتحمل المشتركون :

1.    ما يدفع من تعويضات للمتضررين .

2.    مقاصة إعادة التأمين ، واحتياطي إعادة أخطار سارية .

3.    المطالبات الموقوفة التي ستدفع للمتضررين .

4.    أجرة عمليات التأمين المدفوعة للشركة .

5.    بدل الاحتياطات الفنية والقانونية ([]) .

ويترتب على الفصل بين الحسابين :

1.    أن لا يشارك المساهمون في الفائض التأميني ( الفني ) .

2.    أن يوزع الفائض التأميني على المشتركين وحدهم ، بعد دفع التعويضات وحسم الاحتياطات .

3.  يقتطع الاحتياطي القانوني من عوائد استثمار أموال المساهمين ويكون من حقوقهم وكذلك كل ما يتوجب اقتطاعه مما يتعلق برأس المال ولا يجوز اقتطاع جزء من أموال حملة الوثائق ، أو أرباحها لصالح المساهمين .

4.  محفظة حقوق المساهمين تشمل رؤوس أموالهم وأرباحهم بالإضافة إلى نصيب من الربح المتحقق من تشغيلهم أموال المشتركين ، وتشمل محفظة المشتركين الفائض من أقساطهم بعد حسم التعويضات والمصاريف وتكوين الاحتياطات .

5.    عند التصفية تؤول الموجودات في محفظة المشتركين إلى وجوه الخير .

6.  يمكن استرداد رأس مال المساهمين عند استغناء محفظة التأمين عنه ، أو عند تصفية الشركة ، كما يمكن بقرار من الجمعية العمومية للشركة التبرع به كليا أو جزئيا لضمه إلى احتياطي محفظة التأمين  .

7.  الفائض التأميني ( الفني ) يوزع حسب نسبة الأقساط ويمكن أن تحسم التعويضات من نصيب من حصلوا عليها ، فالأصل أن يوزع الفائض التأميني على المشاركين بنسبة اشتراكاتهم المدفوعة لكن لا مانع من النص على حرمان من عوض عنه في حادث من الفائض ([]) .

8.    المبالغ المستردة من التعويضات المدفوعة تعود إلى حقوق المشتركين .

 

ما تتحمله شركة التأمين :

        نتيجة وجود حسابين في شركة التأمين الإسلامية فإن واجبات شركة التأمين عديدة تجاه هذين الحسابين، تتلخص فيما يلي :

1 – أن تمسك الشركة حسابات منفصلة لرأس المال وباقي حقوق المساهمين ، وتكون الأرباح المحققة من استثمارات أقساط التأمين حسبما تحددها الجمعية العمومية بناء على توصية مجلس الإدارة ، وينص عليه في وثائق التأمين الصادرة من الشركة .

2 – تقوم الشركة بإدارة صندوق التكافل ، وتنظيم عملياته بما يضمن إعادة كل الفائض الذي يتحقق في حسابات عمليات التكافل إلى جماعة المتكافلين وفقاً للقواعد التي يضعها ويعتمدها مجلس إدارة الشركة .

3 – القيام باستثمار الأموال المحصلة من المشتركين والفوائض واحتياطات الشركة .

4 – توزيع الأرباح الصافية للاستثمارات وفق النسب التي يحددها النظام الأساسي، وأما الخسائر إن وجدت فيتم توزيعها بنسبة ما يملكه كل مساهم في رأس المال .

5 – تحسم الشركة المصروفات والنفقات المرتبطة بأعمال الاستثمار وكل ما يخص المساهمين من رصيد حملة الأسهم وحدهم ([]) .

6 – تقتطع الشركة من إجمالي الأرباح غير الصافية نسبة مئوية يحددها مجلس الإدارة تخصص لاستهلاك موجودات الشركة أو للتعويض عن نزول قيمتها، وتستعمل هذه الأموال لشراء المواد والآلات والمنشآت اللازمة أو لإصلاحها ولا يجوز توزيع هذه الأموال على المساهمين .

7 – يسري على شركة إعادة التأمين من حيث العلاقة بين المساهمين والشركات المباشرة الأحكام التي تطبق في تنظيم علاقة المساهمين بالتأمين في شركات التأمين المباشرة .

8 – تتحمل الشركة المصروفات الخاصة بتأسيس الشركة ، وجميع المصاريف التي تخصها، أو تخص استثمار أموالها ([]).

 

ما تستحقه شركة التأمين :

        تقوم العلاقة بين الشركة والمشتركين على أساس الوكالة في جميع ما يخص إدارة عمليات التأمين من حيث التوقيع عنهم ، ونسلم الأقساط ، ودفع مبالغ التامين وإعادة التأمين ، ونحو ذلك لقاء أجر أو بدون أجر.

        وإذا كانت العلاقة بينهما قائمة على أساس الوكالة بأجر ، تقوم الشركة بإدارة عمليات التأمين من إعداد الوثائق وجمع الأقساط ، ودفع التعويضات ، وغيرها من الأعمال الفنية مقابل أجرة معلومة ينص عليها في العقد حتى يعتبر المشترك قابلا بها بمجرد التوقيع على العقد ، وحينئذ تتحمل الشركة جميع المصاريف الإدارية نظير الأجر .

        وتقوم الشركة بصفتها مضاربا باستثمار أموال المشتركين ( حملة الوثائق ) على أساس عقد المضاربة التي تحدد فيها حسب العقد نسبة الربح لكل من الطرفين وهي بذلك مضارب ، وحساب التأمين رب المال ، ولا تضمن الشركة إلا بالتعدي أو التقصير أو مخالفة الشروط ، وتتحمل الشركة التقصير أو مخالفة الشروط وتتحمل الشركة ما يتحمله المضارب من المصروفات المتعلقة باستثمار الأموال نظير حصته من المضاربة ([]) .

 

المبحث الرابع

التكيف الشرعي لمبدأ استحقاق الربح وتحمل الخسارة

 

        بعد هذا التصور الشامل للعلاقات بين أطراف الشركة وحقوقهم وواجباتهم وحدود مسؤولياتهم يمكن باطمئنان بيان التكييف الشرعي لمبدأ المشاركة في الربح والخسارة في شركات التأمين الإسلامية .

        إن مرجع مبدأ استحقاق الربح مع صفة التبرع يعود إلى طبيعة الاشتراك أو الالتزام في شركة التأمين الإسلامية إذ التأمين الإسلامي يقوم على الالتزام بالتبرع ([]) لمصلحة وحماية المشتركين في صندوق التأمين لتلافي ما قد يقع من أخطار على المؤمنين أو المشتركين حسب نوع الضرر المتفق على التعويض عنه، ولذا ينص نظام الشركة الأساسي على أن المشترك يتبرع بالقسط وعوائده لحساب التأمين بما يكفي لدفع التعويضات .

        وهذا الالتزام بالتبرع أقدم عليه المؤمن وشرطه على نفسه راغبا طائعاً مختاراً غير مكره، فالالتزام به وبآثاره فالاتفاق على الاشتراك ملزم ما لم يخالف محل الالتزام أو شروطه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد دلت الآيات والأحاديث على وجوب التزام من أشترط علـى نفسه شيئا فقال تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ( ” المائدة ” ، وقال النبي r : ” المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ” ، وما قد يكون في نظام التأمين من غرر فهو محتمل إذ العقد عقد تبرع لا معاوضة ويغتفر الغرر في عقد التبرع ما لا يغتفر في عقد المعاوضة.

        ولا يعكر قصد التبرع توقع الفائدة واستهدافها تبعا ، فإنه إنما أقدم على التبرع لوجود متبرعين آخرين يقصدون التعاون ، والتكافل ، وتبادل المصالح ، وتخفيف المخاطر، فيضعون أموالهم في صندوق خاص بهم ويلتزمون بشروط يتفقون عليها.

        ولا مانع أن يضعوا من الشروط ما يحقق مصالحهم فيحددون نسبة التحمل بقدر مساهمة كل واحد منهم ولو مع الأخذ بالاعتبار اختلاف أحوال المشتركين ، وشروط التعويض وتحمل الخسائر ، ومدة الاشتراك ، وخيار الشرط ، أو عدم التحمل في حالات معينة ، ونحو ذلك مما ينص عليه في نظام ووثائق التأمين، ما دامت النظم والشروط لتحقيق مصالح معتبره لمجموع المشتركين ، وخاصة إذا ترتب على المساواة من كل وجه ضرر يلحق بأفراد المشتركين، أو جملة المشتركين، ويسبب خللا في صندوق التأمين فالضرر يزال شرعا إذ لا ضرر ولا ضرار.

        وإذا اتفق المشتركون على استثمار الفائض لصالحهم وفق شروط يتفقون عليها فلا مانع منه، بل هذا مرغوب فيه لتوسعة أعداد المشتركين وما يتبع ذلك من توزيع المخاطر وقدرة مالية أكبر لشركتهم يكون مردودها للمشتركين جميعاً، كما أن مردودها اجتماعي في توظيف الأموال والأشخاص، وإعانة المحتاجين، وتشجيع العمل الخيري، وهذا ما ينبغي أن تنص عليه نظم التأمين في الشركات الإسلامية فاجتماع هذه المصالح يبرر بلا ريب التوسع في إنشاء شركات التأمين الإسلامية ، ويعطي المشروعية للأعمال والأنشطة والالتزامات والحقوق المترتبة على التزام التبرع في اتفاق مجموع المشتركين في شركة التأمين الإسلامية.

 


 

المبحث الخامس

زكاة أموال شركات التأمين الإسلامية

 

        لقد تعرض دليل الإرشادات لمحاسبة زكاة الشركات لخصوص موضوع زكاة شركات التأمين وإعادة التأمين ، ولما كان هذا الدليل قد حظى بالدراسة والبحث في عدة ندوات أقامتها الهيئة العالمية لقضايا الزكاة المعاصرة سنقتصر على هذا الدليل في عرض موضوع زكاة أموال شركات التأمين الإسلامية ، وبالطريقة المعهودة في هذا الدليل وهي : ذكر التعريف المحاسبي ، ثم التقويم المحاسبي ، ثم الحكم الشرعي .

        وينبغي قبل الدخول في بيان زكاة مفردات أموال الشركة تقرير أن الزكاة لا تجب في أموال حملة الوثائق في التأمين الإسـلامي وذلك تمشـيا مع طبيعة وحقيقة المشاركة في شركة التأمين الإسلامية باعتبار أن الأموال التي دفعها المشتركون – حملة الوثائق –    قدمت على سبيل التبرع فلا يملكونها ملكا تاما بعد دفعها – كما سبق البيان – ويترتب على ذلك عدم مطالبتهم بزكاتهـا . وهذا لا يمنع أنهم يزكون ما يستلمونه من أموال حسب التوضيح السابق ([]).

 

تعريفـات:

أ – المخصصات الفنية الرئيسية : هي التي تكونها شركات التأمين الإسلامي بغرض تغطية المتطلبات المتعلقة بالاشتراكات غير المكتسبة ، والمطالبات تحت التسوية ، والمخاطر التي حدثت ولم يبلغ عنها .

ب – الاحتياطات :هي التي تجنبها الشركة من الفائض قبل توزيعه على حملة الوثائق مثل الاحتياطي الذي تكونه الشركة بغرض تغطية العجز الذي قد يحصل في فترات ماليـة مستقبلية ، وهـو ” احتياطي تغطيـة العجز ” ، والاحتياطي الذي تكونـه الشركة لتخفيف أثر المطالبات غير العادية في أعمال التأمين التي تتسم بدرجة عالية من التذبذب ، وهو احتياطي تخفيف ذبذبة المطالبات ” .

ونبدأ بعد التعريف ببيان الأحكام:

مادة: 119 – الأرصدة الدائنة لمعيدي التأمين الإسلامي ( معيدي التأمين ) :

التعريف المحاسبي : هي مجموعة الالتزامات التي على الشركة لشركات التأمين الإسلامي أو شركات إعادة التأمين الإسلامي والتي لم يتم سدادها بعد .

التقويم المحاسبي : تقوم هذه الالتزامات التي على الشركة بمجموعة المبالغ المقيدة في حساب هذا البند.

الحكم الشرعي :  مجموع الالتزامات الحالة التي على الشركة تحسم من الموجودات الزكوية ؛ لأنها ديون على الشركة ، ولا تحسم الفوائد التي تترتب على تلك الالتزامات إن وجدت – لأنها ليست دينا صحيحا شرعا .

مادة (120) المطالبات المستحقة السداد

        التعريف المحاسبي : هي المطالبات المستحقة السداد على الشركة لصالح المشتركين للتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم والتي يشملها اشتراك التأمين .

        التقويم المحاسبي :     تقوم بالمبالغ المستحقة .

        الحكم الشرعي : إن المطالبات المستحقة على الشركة لصالح المشتركين وهي التعويضات المقررة لهم بحسب شروط الوثيقة تحسم من الموجودات الزكوية المتعلقة بمحفظة التأمين لأنها ديون عليها لحامل الوثيقة المستحقة للتعويض .

مادة (121) المطالبات تحت التسوية

        التعريف المحاسبي : هي المبالغ المقدرة لجميع المطالبات تحت التسوية بما في ذلك المطالبات المتحققة التي لم يتم التبليغ عنها .

        التقويم المحاسبي :     يتم احتساب مخصص مطالبات تحت التسوية من قبل إدارة الشركة بناء على تقديرات الخسائر المتوقعة لكل مطالبة مدفوعة في ضوء المعلومات المتوفرة لديها وفي ضوء خبرتها السابقة حيث يعدل المبلغ المخصص بحسب الأوضاع القائمة وزيادة احتمالات الخسائر وارتفاع تكاليف المطالبات وتعدد تكرار حدوثها متى كان ذلك مناسباً.

        الحكم الشرعي : تحسم من الموجودات الزكوية المبالغ المخصصة للمطالبات تحت التسوية .

مادة (122) المخصصات الفنية – عام

        التعريف المحاسبي : المخصصات الفنية هي المبالغ المحتجزة من الأقساط، لمواجهة التعويضات الطارئة الكبيرة الحجم ، ويتم تكوينها قبل حساب الفائض ، وقد جرى العرف عند شركات التأمين بتسميتها ( الاحتياطات الفنية) .

        التقويم المحاسبي :     سيرد تقويم كل مخصص عند بيانه .

        الحكم الشرعي : سيرد الحكم الشرعي لكل مخصص عند بيانه .

مادة (123) مخصص مطالبات تحت التسوية

        التعريف المحاسبي : هي تقديرات الشركة للالتزام الذي ستتحمله عن المطالبات المبلغ عنها ، وغير المسددة حتى تاريخ الميزانية .

        التقويم المحاسبي : يحدد المخصص بناء على تقديرات الشركة المبنية على الخبرات وإن كان ذلك لا يمنع أن يكون الالتزام الفعلي أقل أو أكثر من المخصص المكون حالياً .

        الحكم الشرعي: يحسم مخصص المطالبات تحت التسوية من الموجودات الزكوية، لأنه التزام على الشركة نشأ قبل نهاية السنة المالية فيأخذ حكم الدين الحال الذي ترتب خلال السنة المالية ولم يسدد قبل نهايتها.

مادة (124) مخصص الأخطار السارية

        التعريف المحاسبي : هو جزء من قيمة الأقساط المكتتب بها تحتفظ بها الشركة لمقابلة الأخطار التي مازالت متوقعة بعد نهاية السنة المالية .

        التقويم المحاسبي : يتم تقويمه بطرق مختلفة بناء على تقديرات الشركة لأن التعويضات غير محددة المقدار بالرغم من وجود سببها .

        الحكم الشرعي : هذه الأقساط غير المكتسبة تزكى تلقائياً في الموجودات المتداولة ؛ لأنها إما نقود أو ديون للشركة وهي مملوكة للشركة ملكاً تاماً .

مادة (125) مخصص إضافي :

التعريف المحاسبي : يتم تكوين هذا المخصص لمقابلة أية مطالبات إضافية في المستقبل بما في ذلك المطالبات الناتجة عن الكوارث وكذلك أية مطالبات لم يبلغ عنها حتى تاريخ الميزانية العمومية .

التقويم المحاسبي : يتم تقويم هذا المخصص الإضافي حسب تقدير الشركة في نهاية كل سنة .

الحكم الشرعي :  يعتبر هذا المخصص من الموجودات الزكوية ، لأنه من المال المرصد للحاجة  وهو يزكى إلى أن يستخدم فيما أرصد لـه ، وهو هنا لدفع المطالبات المتوقعة ، وإن كان من الناحية المحاسبية من المطلوبات فإنه من الناحية الشرعية من الموجودات .

مادة (126) المال الاحتياطي لتأمينات الحياة:

التعريف المحاسبي : هي الالتزامات المحتملة لحملة وثائق التأمين على الحياة.

التقويم المحاسبي : يتم تقدير المال الاحتياطي لتأمينات الحياة بواسطة خبير إكتواري مستقل.

الحكم الشرعي : الاحتياطي المكون لتأمينات الحياة يدخل في موجودات الزكاة إلى أن يتم دفع تلك المطالبات حسب مبدأ التأمين على الحياة سواء في حالة الوفاة أو  مضي مدة التأمين.

مادة (127) المبالغ المحجوزة عن عمليات إعادة التأمين :

التعريف المحاسبي : هي مبالغ محتجزة من قيمة الأقساط المسندة إلى شركات إعادة التأمين عن عمليات إعادة صادرة ، ومن الناحية العملية فإن هذه المبالغ لا تدفع إلى شركات إعادة التأمين إلا بعد مضي سنة أو أكثر .

التقويم المحاسبي : تقوم بالرصيد الدفتري المستحق .

الحكم الشرعي : تدرج هذه المبالغ في الموجودات الزكوية لأنها للوفاء بديون غير حالة حيث إنها ستحل بعد نهاية السنة المالية .

 

المبحث السادس

الاحتياطات في الشركات الإسلامية عامة

 

لقد تعرض دليل الإرشادات إلى الاحتياطات وصنفها كالآتي :

 مادة (78) الاحتياطات الرأسمالية – فائض إعادة التقويم

        التعريف المحاسبي : تتكون هذه الاحتياطات الرأسمالية من إعادة تقويم بعض الموجودات الثابتة بالقيمة السوقية الحالية أي بمبالغ تزيد عن القيمة الدفترية، ولذلك فإن الموجودات الثابتة في جانب الموجودات تزداد قيمتها ، ويظهر الفرق بين القيمة السوقية الحالية والقيمة الدفترية السابقة ضمن حقوق المساهمين تحت بند ” احتياطي إعادة التقويم “.

        وهذا الاحتياطي غير قابل للتوزيع إلا إذا بيعت الموجودات المقومة .

        التقويم المحاسبي : يقوم هذا الحساب بمجموع المبالغ المقيدة فيه .

        الحكم الشرعي : بما أن هذه الاحتياطات نشأت عن إعادة تقويم موجودات ثابتة ( قنية أو مستغلات ) ، فإنها لا تحسم من الموجودات الزكوية .

مادة (79) الاحتياطات الإيرادية :

        التعريف المحاسبي: الاحتياطات الإيرادية هي جزء من فائض الربح يتم احتجازه بقرار من إدارة الشركة لمواجهة احتياجاتها التمويلية في المستقبل ، أو بموجب نص عليها في قانون الشركات أو النظام الأساسي للشركة .

        التقويم المحاسبي : يقوم هذا الحساب بمجموع المبالغ المقيدة فيه .

        الحكم الشرعي : الاحتياطات بنوعيها القانوني والاختياري لا تحسم من الموجودات الزكوية ؛ لأن الاحتياطي جزء من حقوق المساهمين فيخضع للزكاة .

مادة (80) الاحتياطي القانوني ( الاجباري )

        التعريف المحاسبي : هو مجموع المبالغ المستقطعة من الأرباح الصافية السنوية التي يفرضها قانون الشركات التجارية أو قانون البنوك .

        التقويم المحاسبي : يقوم هذا الحساب بمجموع المبالغ المقيدة .

        الحكم الشرعي : لا يحسم من الموجودات الزكوية كما سبق بيانه في المادة (79) .

مادة (81) الاحتياطي الاختياري ( العام ) :

        التعريف المحاسبي : هو مجموع المبالغ المستقطعة من الأرباح الصافية السنوية التي ينص عليه النظام الأساسي للشركة ويجوز وقفه أو زيادته بقرار من الجمعية العمومية للشركة والغرض منه توفير المال اللازم للتوسع مستقبلاً أو لمواجهة الخسائر المحتملة، أو لتوزيع أرباح في السنوات التي لا تتحقق فيها أرباح أو توزيعه على المساهمين في المستقبل عندما لا تكون حاجة إليه .

        التقويم المحاسبي :     يقوم هذا الحساب بمجموع المبالغ المقيدة فيه .

        الحكم الشرعي : لا يحسم من الموجودات الزكوية كما سبق بيانه في المادة (79) .

مادة (82) احتياطي الأرباح الناتجة عن عمليات أسهم الشركة المشتراة ( أسهم الخزينة ) :

        التعريف المحاسبي : هي الأرباح التي تحققها الشركة نتيجة شراء وبيع أسهمها وفقاً للقوانين التي تنظمها .

        التقويم المحاسبي : يقوم هذا الحساب بمجموع المبالغ المقيدة فيه .

        الحكم الشرعي : تعد هذه الأرباح جزءاً من موارد الشركة ولذلك فهي لا تحسم من الموجودات الزكويه.

مادة (83) الأرباح المقترح توزيعها:

التعريف المحاسبي:

هي التوزيعات النقدية المعلن عنها بواسطة مجلس إدارة الشركة في تاريخ معين، على أن تدفع في تاريخ لاحق إلى حملة الأسهم المسجلين في تاريخ معين بين تاريخ الإعلان وتاريخ السداد.

التقويم المحاسبي:

        يقوم هذا الحساب بمجموع المبالغ المقيدة فيه.

 

 

الحكم الشرعي:

        لا تحسم الأرباح المقترح توزيعها من الموجودات الزكوية لأنه لم يصدر قرار بعد بتوزيعها.

مادة (84) الأرباح المستبقاة/ الأرباح غير الموزعة/ الأرباح المحتفظ بها:

التعريف المحاسبي:  هي الأرباح التي حققتها الشركة في سنوات مالية سابقة أو في السنة الحالية ولكنها لم توزع بكاملها على المساهمين وتقرر ترحيل جزء منها إلى السنة أو السنوات التالية، أي المبلغ المتبقي بعد إجراء توزيعات الأرباح السنوية طبقاً لكل من قانون الشركات والنظام الأساسي للشركة وقرارات الجمعية العمومية.

التقويم المحاسبي:

        يقوم هذا الحساب بمجموع المبالغ المقيدة فيه.

 

الحكم الشرعي:

        تعد هذه الأرباح نوعاً من الاحتياطيات الإيرادية وبالتالي لا تحسم من الموجودات الزكوية كما سبق بيانه في المادة (79)[]

 

الفصل الثالث

الودائع الاستثمارية

 

ونبدأ بتمهيد لبيان مفهوم الودائع المصرفية لدى البنوك التقليدية ومفهومها لدى المؤسسات المالية الإسلامية ، ثم نتناول موضوع الودائع في جانبين :

أولاً : الودائع المجمدة الاستثمارية .

ثانياً : الودائع المجمدة غير الاستثمارية .

التمهيد :

الودائع المصرفية في عرف القانون التجاري هي قروض من العملاء للبنك، وقد عرفت الوديعة المصرفية بأنها النقود التي يعهد بها الأفراد أو الهيئات إلى البنك على أن يتعهد الأخير بردها أو رد مبلغ مساو إليهم أو إلى أي شخص آخر معين لدى الطلب، أو بالشروط المتفق عليها([]).

وقد جاء في المادة (726) من القانون المدني المصري ، إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال ، وكان المودع عنده مأذوناً لـه في استعماله اعتبر العقد قرضاً .

وعرف الإيداع في المادة (720) من القانون المدني الكويتي بأنه عقد يلتزم الوديع بمقتضاه أن يتسلم من المودع شيئاً لحفظه ، وأن يرده عيناً ، وجاء في المذكرة الإيضاحية،  إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال ، وأذن المودع للوديع في استعمال هذا الشيء ، فلا مناص من أن يستهلك الوديع الشيء باستعماله ، ومن ثم لا يستطيع أن يرده بعينه ، وإنما يرد مثله كما هو الحال في القرض ، ويسمى الإيداع الناقص، واعتبروه قرضاً([]).

 

أنواع الودائع المصرفية النقدية لدى البنوك :

        تنقسم الودائع المصرفية ثلاثة أنواع بالنظر إلى تاريخ استردادها.

        الأول : الودائع الجارية ” تحت الطلب “ : وهي المبالغ التي يودعها أصحابها ، ويحق لهم سحبها في أي وقت دون الحصول على فوائد عنها.

        الثاني : ودائع ثابتة الأجل : وهي المبالغ التي يضعها أصحابها بناء على اتفاق بينهم وبين البنك بعدم سحبها أو سحب شيء منها إلا بعد إخطار البنك بمدة معينة ، ويدفع البنك للمودع فائدة إذا بقيت مدة معينة دون أن تسحب.

        الثالث : ودائع ادخار ” توفير” : وهي المبالغ التي يودعها أصحابها ويحق لهم سحبها كاملة متى شاءوا ، ويعطى أصحابها فائدة تكون في الغالب أقل من فائدة الودائع الثابتة([]).

الودائع في المؤسسات المالية الإسلامية:

        الوديعة في المؤسـسات المالية الإسلامية ، ليست على معناها عند الفقهاء ” توكيل أو استنابة في حفظ المال ” ، والوديعة مع الاستعمال عارية مضمونة ، وإنما هي الآن علاقة عقدية بين المؤسسة المالية الإسلامية والعميل ، موضوعها عقد مضاربة ، أو وكالة بالاستثمار وتطبق القواعد والضوابط الفقهية في هذا الشأن.

        وقد توضع هذه الوديعة على صفه القرض – الحساب الجاري – ، فتطبق عليها أحكام القرض ، فتضمن المؤسسة رد مثله ، ولها أن تستثمره لمصلحه المؤسسة .

 

المبحث الأول

الودائع المجمدة الاستثمارية

 

·        الودائع المجمدة الاستثمارية طويلة الأجل :

وقد ورد النص عليها في دليل الإرشادات في مادته الآتية :

مادة (107) الودائع المحددة الأجل :

        التعريف المحاسبي : هي الودائع التي يحتفظ بها البنك لأجل معين وفقاً للشروط المتفق عليها مع العميل ، ولا يجوز السحب منها كلياً أو جزئياً قبل انقضاء الأجل المحدد للإيداع ، ويدفع البنك الربوي للعميل لقاء ذلك فائدة بنسبة معينة تزيد بزيادة فترة بقاء الوديعة لدى البنك أو بحجم مبلغ الوديعة وإذا كانت لدى بنك إسلامي فهي حصص استثمارية تشارك في الربح .

        التقويم المحاسبي :     يقوم هذا الحساب بمجموع المبالغ المقيدة فيه .

        الحكم الشرعي : يحسم مبلغ الوديعة – دون الفوائد – فان كانت لدى بنك إسلامي تحسم هي والربح إن وجد، أو يحسم القدر الذي سلم من الخسارة .

وهذه الودائع الاستثمارية تجب زكاتها على مالكها هي وأرباحها بعد تمام الحول لكل عام؛ لأن النية فيها للاتجار وما كان كذلك فالزكاة عليه وعلى أرباحه. وهذا الحكم في كل الصناديق، والمحافظ الاستثمارية ، ولو نص النظام على عدم سحبها قبل تاريخ معين ويلحظ هنا أن الزكاة تكون أيضاً على الودائع المخصصة للاستثمار العقاري ، ولكن الزكاة تكون على الريع فقط ؛ لأن هذه الودائع تخص أحياناً مستغلة أو مرده ، ولم يتخذ أصلها للمتاجرة بها، ولا يؤثر على ذلك تغير نية المالك إلى المتاجرة فيما بعد.

تجميد مبالغ الحساب الاستثماري : وهذا ما تفعله بعض المؤسسات المالية الإسلامية ، وغير الإسلامية ، فتشترط على العميل تجميد حسابه الاستثماري لديها للتوثق من سداد مديونيته ، ومع ذلك يكون ربح الاستثمار لصالح العميل ، لكن الرصيد محجوز عن يـده لا يستطيع التصرف فيه ، وقد يكون هذا التجميد للرصيد الاستثماري أو لجاري الحساب .

وقد ورد النص على جواز تجميد الرصيد الاستثماري في المعيار الشرعي للضمانات في الفقرة الآتية :

7/5/1 تجميد الأرصدة النقدية ( إيقاف سحبها )

يجوز للمؤسسة أن تشترط على العميل لتوثيق المديونية التي سيدفعها على أقساط أو في موعد لاحق أن يكون لها الحق في تجميد حسابه الاستثماري أو إيقاف حقه في السحب منه مطلقاً ، أو بمقدار الدين ، وهو الأولى . ويكون ربح الحساب الاستثماري للعميل بعد حسم نصيب المؤسسة بصفتها مضارباً.

 

المبحث الثاني

الودائع المجمدة غير الاستثمارية

 

        وهي في الجملة مبالغ نقدية قد تكون لعملاء المؤسسة المالية الذين لهم حسابات استثمارية أو جارية. وقد تكون مبالغ نقدية تطلبها المؤسسات المالية الإسلامية وغير الإسلامية، أو تطلبها الحكومات، وقد تكون مبالغ للتوثق من سداد مديونية ، أو لإظهار الجدية، أو تقدم عربوناً أو مبالغ تامين للاستمرار في دفع رسوم، والاستمرار في الحصول على خدمات ، أو قد تكون مبالغ محتجزة لحسن تنفيذ العقود ، أو للحصول على التراخيص أو قد تكون أرباحاً مجمدة غير موزعة.

وبناء على هذا يمكن ذكر أهم أنواع الودائع النقدية المجمدة غير الاستثمارية في الآتي :

أ  – تجميد مبالغ الحساب الجاري .

ب – تجميد مبالغ هامش الجدية أو العربون .

ج – تجميد مبالغ التأمينات المقدمة من العملاء لضمان إنجاز تعهداتهم .

د  – تجميد مبالغ التأمينات لدى المؤسسات الحكومية أو الخاصة.

هـ – تجميد مبالغ العقود لدى العملاء لضمان إنجاز تعهدات الشركات ونحوها.

و –  تجميد مبالغ ” الوديعة القانونية “.

    ز – تجميد الأرباح

 

أ – تجميد مبالغ الحساب الجاري للعميل: وقد ورد النص على منع ذلك من حيث الأصل في الفقرة الآتية:

      7/5/2 لا يجوز للمؤسسة في عملية المداينة للعميل أن تشترط تجميد حسابه الجاري، ولكن لا مانع من ذلك إذا تم برغبة صاحب الحساب بمطلق إرادته.

      الحكم الشرعي : إن مبالغ الحسـاب الاستثماري والجاري تحسم من الموجودات الزكوية لدى الشركة ويزكيها مالكها ([]) .

ب – تجميد مبالغ هامش الجدية والعربون : وقد ورد النص على جواز تجميد ذلك في الفقرة الآتية :

      7/8  الضمان في المزايدات أو المناقصات وهامش الجدية في المرابحات والعربون .

      7/8/1 يجوز الحصول على الضمان في المزايدات أو المناقصات ويشمل ذلك المبالغ التي تقدم عند الاشتراك فيها ( ضمان النقدي الابتدائي ) والتي عند رسوها على الفائز بها ( الضمان النقدي النهائي ) وهذه المبالغ أمانه لدى الجهة الطارحة للمزايدة أو المناقصة وليست عربوناً ، وتضمن بخلطها بغيرها ، ولا يجوز مصادرتها إلا بقدر الضرر المالي الفعلي ويجوز استثمارها لصالح العميل بموافقته .

      7/8/2 يجوز أخذ مبلغ من العميل الواعد بالشراء لتوثيق وعده إذا كان الوعد ملزماً للعميل ويسمى ” هامش الجدية ” وهو أمانه وليس عربوناً لعدم وجود العقد وتطبق عليه الأحكام المبينة في 7/8/1 ولا يؤخذ منه عند النكول إلا مقدار الضرر الفعلي وهو الفرق بين التكلفة وثمن البيع للغير .

       7/8/3 يجوز أخذ مبلغ (عربون) من المشتري أو المستأجر عند إبرام العقد على أنه إذا لم يفسخ العقد خلال المدة المعينة لخيار الفسخ كان المبلغ جزءاً من العوض ، وإن فسخ العقد خلال تلك المدة فالمبلغ للبائع أو المؤجر – والأولى أن تتنازل المؤسسة عما زاد من العربون عن مقدار الضرر الفعلي .

        الحكم الشرعي : إن مبالغ هامش الجدية والعربون تحسم من الموجودات الزكوية ، ويزكيها مالكها ما لم يكن العربون من حق البائع .

ج – تجميد مبالغ التأمينات المقدمة من العملاء لضمان إنجاز تعهداتهم : ورد النص على جواز تجميد التأمينات المقدمة من العملاء وعلى حكم زكاتها في دليل الإرشادات لمحاسبة زكاة الشركات في المادة الآتية :

مادة (72) التأمينات المقدمة من العملاء

التعريف المحاسبي : تمثل قيمة النقدية المحصلة منهم لضمان إنجاز تعهداتهم أو التزاماتهم مثل التأمينات النقدية التي تتطلبها شركات الهواتف والمياه من مشتركيها لضمان سداد الفواتير الدورية .

التقويم المحاسبي :     يقوم هذا الحساب بمجموع المبالغ المقيدة فيه .

الحكم الشرعي : تحسم من الموجودات الزكوية .

د – تجميد مبالغ التأمينات لدى المؤسسات الحكومية أو الخاصة .

وقد ورد النص على ذلك في دليل الإرشادات في مادته الآتية :

مادة (51) التأمينات لدى الغير :

التعريف المحاسبي : هذه تمثل المبالغ المودعة لدى بعض المؤسسات الحكومية أو الخاصة التي تطلبها لاستمرار تزويد المستهلك بالخدمة المقدمة مثل التأمينات المقدمة للكهرباء.

التقويم المحاسبي :     يقوم هذا الحساب بمجموع المبالغ المقيدة فيه .

الحكم الشرعي : ملك الشركة لهذه المبالغ غير تام فلا تجب فيها الزكاة إلا إذا قبضتها، فتزكيتها عند قبضها عن سنة واحدة ولو بقيت محجوزة عند الغير سنين.

هـ– تجميد مبالغ العقود لدى العملاء لضمان إنجاز تعهدات الشركات ونحوها :

وقد ورد النص على ذلك في دليل الإرشادات في مادته الآتية :

مادة (50) المبالغ المحتفظ بها ( المحتجزة ) عن العقود

التعريف المحاسبي : هذه تمثل التأمينات لدى العملاء ، وهي القيمة النقدية المتبقية لديهم لضمان إنجاز تعهدات والتزامات الشركة تجاه تنفيذ العقود وفقاً للشروط المتفق عليها في العقود .

الحكم الشرعي : ملك الشركة لهذه المبالغ غير تام فلا تجب فيها الزكاة إلا إذا قبضتها، فتزكيها عند قبضها عن سنة واحدة ولو بقيت عند الغير سنين.

و –  تجميد مبالغ الوديعة القانونية :

وقد ورد النص على هذه المبالغ التي تطلبها الجهات الرسمية من الشركة في دليل الإرشادات في مادته الآتية :

مادة (51 مكرر) الوديعة القانونية :

التعريف المحاسبي : هي المبلغ الذي تشترط الجهات المختصة على الشركة إيداعه لدى أحد البنوك لمنح الترخيص للشركة ، ولا يمكن سحب هذه الوديعـة إلا بعد موافقة تلك الجهات ، ولا يحق للشركة التصرف في أصل الوديعة ، وهي من حقوق أصحاب الملكية     ( المساهمين ) وليست من حقوق حملة الوثائق ( المشتركين ) .

التقويم المحاسبي : تقوم بمبلغ الوديعة مضافاً إليه العوائد ، مطروحاً منها أي مسحوبات .

الحكم الشرعي : إذا كانت الوديعة لدى بنك إسلامي فإنها تزكى هي وأرباحها زكاة النقود أما إذا كانت لدى بنك تقليدي فان أصل الوديعة يزكى ويجب التخلص من فوائدها بصرفها في وجوه الخير ، فإن زكت الشركة – بالإضافة إلى أصل الوديعة – الفوائد فقط فإنها تكون قد أخرجت بعض الواجب وهذا ما جاء في الفتوى الثانية لقضايا الزكاة المعاصرة بشأن زكاة المال الحرام .

أما إن كانت الوديعة محجوزة بصفة مستمرة لا يحق لصاحبها التصرف فيها إلا حين تصفيه أعمال الشركة بشكل نهائي ، فإن استمرت في شكل وديعة في بنك إسلامي فالذي أخذت به الهيئة الشرعية لبيت الزكاة أن هذه الوديعة لا زكاة عليها إلا عند قبضها فتزكى عن سنه واحدة ، وأما الأرباح الناشئة عنها فتضم إلى ما عند الشركة من نصاب وتزكى بزكاته، وأما إن استمرت في أمور غير مشروعة فيجب التخلص من أرباحها وذلك بإنفاقها في وجوه الخير ما عدا المساجد والمصاحف ونحوها .

والموضوع يحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة ؛ ولذلك أجلت الهيئة العالمية لقضايا الزكاة المعاصرة البت فيه بشكل نهائي إلى حين صدور قرار من مجمع الفقه الإسلامي بشأن الأموال المجمدة .

ح – تجميد الأرباح :

وهي مبالغ نقدية مسجلة بوصف أرباح مستحقة لعملاء المؤسسات المالية الإسلامية . أو البنوك التقليديـة ، ولا يتم توزيعها إلا في وقت لاحق ، ولا يحق لأصحابها طلبها ، أو التصرف بها ، وقد ورد بيان حكم هذه الأموال وهما حالتان في دليل الإرشادات في المادتين الآتيتين :

مادة (83) الأرباح المقترح توزيعها :

التعريف المحاسبي : هي التوزيعات النقدية المعلن عنها بواسـطة مجلس إدارة الشركة في تاريخ معين ، وعلى أن تدفع في تاريخ لاحق إلى حملة الأسهم المسجلين في تاريخ معين بين تاريخ الإعلان وتاريخ السداد .

التقويم المحاسبي : يقوم هذا الحساب بمجموع المبالغ المقيدة فيه .

الحكم الشرعي : لا تحسم الأرباح المقترح توزيعها من الموجودات الزكوية ؛ لأنه لم يصدر قرار بعد بتوزيعها .

مادة (84) الأرباح المستبقاة /الأرباح غير الموزعة/ الأرباح المحتفظ بها :

التعريف المحاسبي : هي الأرباح التي حققتها الشركة في سنوات مالية سابقة أو في السنة الحالية ولكنها لم توزع بكاملها على المساهمين وتقرر ترحيل جزء منها إلى السنة أو السنوات التالية ، أي المبلغ المتبقي بعد إجراء توزيعات الأرباح السنوية طبقاً لكل من قانون الشركات والنظام الأساسي للشركة وقرارات الجمعية العمومية .

التقويم المحاسبي :     يقوم هذا الحساب بمجموع المبالغ المقيدة فيه.

الحكم الشرعي : تعد هذه الأرباح نوعاً من الاحتياطات الإيرادية وبالتالي لا تحسم من الموجودات الزكوية.

 

المبحث الثالث

زكاة الأسهم المجمدة ( خيار شراء الأسهم للموظفين )

 

        من المستجدات في المؤسسات المالية ما يعرف بنظام ” خيار شراء الأسهم للموظفين ” ويقصد من هذا النظام زيادة رأس مال المؤسسة بدخول شركاء جدد وهم الموظفون ، وهو وإن اصطلح على أنه شراء فهو ليس شراء بالمفهوم الفقهي إذ أن الموظف سيدفع المال أولاً ، ثم يزداد رأس مال المؤسسة بمقدار ما دفع ، وعندها يكون شريكاً في الشركة بقدر حصته في رأس مالها، وفي هذا النظام تقصر المؤسسة الاكتتاب في هذه الزيادة على الموظفين المتميزين في أدائهم وكفاءتهم ، وتجعل الاكتتاب في السهم بسعر أقل من سعره في السوق بقصد إفادة الموظف من الفرق بين السعرين ، وفي مقابل هذه الميزة تشترط المؤسسة على الموظف ألا يتصرف بهذه الأسهم إلى أجل محدد ثلاث سنوات أو خمس سنوات مثلاً. ولا يخفى أن هذا الشرط يهدف إلى أمرين :

أولهما : لئلا يسارع الموظف ببيع أسهمه في السوق قبل المدة المتفق عليها فيحدث بذلك نزولاً لسعر الأسهم ويلحق الضرر بباقي المساهمين .

ثانيهما : لتسـتفيد المؤسـسة من استمرار الموظف في وظيفته – على الأقل – المدة المتفق عليها مع المؤسسة ، إذ ينتفي القصد من تثبيته في موقعه عندما يسمح له بالتصرف بأسهمه فيبيعها ويترك المؤسسة ، بينما تكون المؤسسة قد تكلفت مبالغ وجهوداً كبيرة على تدريبه وتأهيله وظيفياً ، ولذلك فإن هذا الاتفاق على بيع الأسهم للموظفين يحقق مصلحة المؤسسة والموظفين والمساهمين .

التكييف الفقهي لأسهم الموظفين المجمدة :

إن اشتراط الشركة على الموظف ألا يتصرف في الأسهم التي تبيعها له بموجب نظام ( خيار شراء الأسهم للموظفين ) يدخل فيما يعرف في الفقه بمسألة بيع وشرط .

والدارس لمذاهب الفقهاء في هذه المسألة ، يجد أن لهم اتجاهين رئيسين فيها، أما الاتجاه الأول فإنه يرى أن كل شرط لا يقتضيه العقد ، ولا يلائمه ، ولم يرد نص به ، ولا عرف بجوازه ، فهو شرط غير صحيح ، فإن كان فيه – أي الشرط – مصلحة للمتعاقدين أو لأحدهما وكان من أهل المطالبة – أي كان العاقد قادراً على بيان ما يريد – فسد العقد بالشرط، وإن لم يكن من أهل المطالبة صح العقد ، وفسد الشرط . وهذا هو مذهب الحنفية، وبنحوه قال المالكية والشافعية ومتأخرو الحنابلة مع اختلاف طفيف في بعض التفاصيل.

وأما الاتجاه الثاني فإنه يرى أن الأصل في الشروط الجواز والصحة ، ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله، ولا يعارض ذلك بكونه يخالف مقتضى العقد، أو لم يرد به نص ، وهذا يتفق مع أصول الإمام أحمد كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه.[]

وقد يقال : إن اشتراط الشركة على الموظف ألا يتصرف بالأسهم – بيعاً أو رهناً أو هبة – لمدة من الزمن هو شرط يناقض مقتضى العقد ؛ لأن من مقتضيات العقد إطلاق يد المشتري في التصرف بالمبيع كيفما يشاء ، دون قيد من البائع ، وبالتالي فهو شرط فاسد يفسد العقد به .

يرد ذلك : بأن هذا الشرط ينافي مقتضى العقد المطلق ، وكذا كل شرط . لكنه لا ينافي مقتضى العقد مطلقاً فهذا الشرط لا ينافي مقصود العقد ، حيث إن الموظف يتمتع بالملكية الرسمية للسهم، فله حق التصويت في الجمعية العمومية للشركة بمقدار ما يملك من أسهم، وتؤول إليه الأرباح ويتحمل الخسائر المتعلقة بالأسهم كما أن ارتفاع أو انخفاض سعر السهم في السوق يعود عليه باعتباره المالك لها .

وسبب اشتراط الشركة لهذا الشرط هو منع وقوع الضرر عليها وهو ما قد ينتج عن قيام الموظف ببيع الأسهم التي اشتراها فوراً ، مادام قد اشتراها بسعر أقل من سعرها في السوق ، فإن فعل الموظف ذلك زاد من عدد الأسهم المعروضة للبيع في السوق ، مما يترتب عليه انخفاض في سعر السهم السوقي ، وهو أمر يضر بالشركة – كما سبق التنويه -.

ومعلوم أن الشركة قد منحت الموظف السهم بسعر تشجيعي ( أقل من سعر السوق ) رغبة في المحافظة عليه ، وفي نفعه في الوقت نفسه ، فلا ينبغي أن تقابل هذه الميزة الممنوحة من الشركة للموظف بضرر يوقعه الموظف بالشركة ، والقاعدة الشرعية تقول ( لا ضرر ولا ضرار ) فكان هذا الشرط من باب منع الضرر.

ثم إن هذا الشرط لا يدخل في باب الربا ، وليس فيه استغلال ، ولا جهالة ولا غرر، ولم يرد نص بتحريمه أو بالنهي عنه ، فضلاً عن أنه مؤقت يزول بزوال سببه.

ويمكن أن يسند ذلك أيضاً بنصوص الفقهاء من السلف مما يشهد لصحة مثل هذا البيع ؛ فقد أورد الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى طرفاً منها .

قال: فعلى أكثر نصوص أحمد يجوز أن يشترط على المشتري فعلاً أو تركاً في المبيع مما هو مقصود للبائع أو للمبيع نفسه .

وكذلك اشتراط المبيع فلا يبيعه ولا يهبه ونحو ذلك مما فيه تعيين لمصرف واحد ؛ كما روى عمر بن شبة في أخبار عثمان أنه اشترى من صهيب داراً وشرط أن يقفها على صهيب وذريته من بعده .

قال ابن تيمية : كل شرط ينافي مقتضى العقد فهو باطل إلا إذا كان فيه مصلحة للمتعاقدين.

ويجوز للبائع أن يستثني بعض منفعة المبيع كخدمة العبد وسكنى الدار ، ويجوز للمعتق أن يستثني خدمة العبد مدة حياته أو حياة السيد أو غيرهما لحديث سفينة لما أعتقته أم سلمة واشترطت عليه خدمة النبي r ما عاش .

قال ابن تيمية : وعلى هذا فمن قال هذا الشرط ينافي مقتضى العقد قيل لـه أينافي مقتضى العقد المطلق أو مقتضى العقد مطلقاً ؟ فإن أراد الأول فكل شرط كذلك ، وإن أراد الثاني لم يسلم لـه ، فالمحذور أن ينافي مقصود العقد كاشتراط الطلاق في النكاح أو اشتراط الفسخ في العقد ، فأما إذا شرط ما يقصد بالعقد لم يناف مقصوده . هذا هو القول الصحيح بدلالة الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار مع الاستصحاب وعدم الدليل المنافي.[]

وقد صح عن شريح أنه قال : من ألزم نفسه بشيء طائعاً غير مكره فهو عليه . وأما إلزام الموظف بالاستمرار في الشركة أو المؤسسة وألا يتصرف بحصته مأخوذ من مذهب المالكية – عدا ابن رشد وحفيده ومن تابعهما – فعندهم أن عقد الشركة عقد لازم ، ويستمر هذا اللزوم إلى أن ينض المال ، أو يتم العمل الذي تقبل ، وقد استظهر بعض الحنابلة القول عندهم أيضاً بلزوم شركة الأعمال بعد التقبل [] ، ويمكن اعتبار التنضيض الحكمي في الشركات اليوم كما أقرته المجامع .

زكاة الأسهم المجمدة :

مادامت الأسهم تحت يد المؤسسة المالية ، ولا يتمكن الموظف مالك السهم من التصرف فيها مدة معينة ، فلا زكاة عليه فيها ، ولا على المؤسسة ولكنه يزكيها سنة واحدة متى قبضها أو تمكن من التصرف فيها، وأما ما يأتيه من ريع هذه الأسهم فيضمه إلى ما عنده من أموال زكوية ويزكي الجميع بعد توافر شروط وجوب الزكاة . وأما المؤسسة المالية فإنها لا تحسم قيمة هذه الأسهم من الوعاء الزكوي لها[] .

 

المبحث الرابع

رهن الأسهم وأخذ ريعها

 

        من وقائع الأحوال في المؤسسات المالية الإسلامية أنها تطلب ضمانات لما تقدمه لعملائها من خدمات أو تسهيلات ، وغير ذلك . وقد يقدم العملاء ما يملكون من أسهم في المؤسسة المالية ذاتها أو في مؤسسات مالية أخرى ، أو شركات تقليدية ضماناً لتسهيلات وخدمات المؤسسة المالية الإسلامية. ويكون ريع هذه الأسهم لأصحابها ، وقد تأخذ المؤسسة المالية مقابل إدارة هذه السهم مبلغاً من المال أجرة ([]) .وهذه من جنس سابقتها – خيار شراء الأسهم للموظفين – إلا أنه لا بيع فيها ابتداء .

        حكم رهن الأسهم :

        ورهن الأسهم جائز ؛ لأنها مما يجوز بيعه ، قال ابن قدامة : كل عين جاز بيعها جاز رهنها ، ومحل الشيء محل حكمته ([]) . والمذاهب متفقة على مشروعية الرهن لقوله تعالى : )  وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ( ([l]) . وتوفي رسول الله r ودرعه مرهونة ([l]).

 

زكاة الأسهم المرهونة :

        مادامت الأسهم مرهونة فزكاتها زكاة المرهون عند الفقهاء .

        وقد ذهب الحنفية إلى أن زكاة المرهون على الراهن بعد قبضه ويكون لما مضى من السنين .

        قال السرخسي : ولو ارتهن طوق ذهب منه مائة وخمسون مثقالاً بألف درهم فحال الحول والألف عند الراهن يتجر فيها فلا زكاة فيها على الراهن في رهنه ، ولا زكاة على المرتهن في الدين الذي له عنده ، فإذا قبض المال ورد الرهن ، فعلى المرتهن زكاة الألف لما مضى لوصول يده إليها ، وعلى الراهن زكاة الطوق لما مضى ؛ لأن وجـوب الزكاة في الذهب باعتبار العين إلا أن العين كانت محبوسة عن الحق المرتهن ، فإذا وصلت يده إليه أدى الزكاة لما مضى.[l]

        ومقتضى كلام المالكية في الرهن أن الزكاة على الراهن ، ويزكيه عن كل سنة ؛ لأن رهنه لا يمنع تنميته ، قال خليل والدردير : ” وجاز- أي للمرتهن – شرط منفعته – أي الرهن لنفسه – مجاناً بشرطين : أشار للأول بقولـه : ” إن عينت ” مدتها للخروج من الجهالة في الإجارة ، وللثاني بقولـه : وكان يبيع – أي واقعاً – في عقد بيع فقط لا في عقد قرض . وقال : ورجع مرتهن على الراهن بنفقته التي أنفقها عليه حيث احتاج لنفقته ؛ لأن غلته له ، ومن له الغلة عليه النفقة.

        وقال ابن أبي زيد وشارحه علي بن الحسن : ” وثمرة النخل والرهن للراهن ، وكذلك غلة الدور للراهن على المشهور إلا أن يشترط المرتهن ذلك فيكون له.[l]

        وبين خليل إمكان أن يتولى المرتهن بإذن الراهن إجارة المرهون. فقال: ” وتولاه المرتهن بإذنه. وهذا يشير إلى أن المرهون باق على ملك الراهن، فتجب زكاته عليه كل سنة بخلاف مالا يملك ملكاً تاماً، ومثل له خليل بالمال المغصوب والمدفون والضائع، فهذه يزكيها إذا قبضها لعام واحد وإن بقيت عند الغير سنين.[l] ومثل ذلك الدين قال ابن رشد قال مالك: إذا قبضه يزكيه لحول واحد وإن أقام عند المديان سنين إذا كان أصله عن عوض، وأما إذا كان عن غير عوض مثل الميراث فإنه يستقبل به الحول.[l]

        ومذهب الشافعية: وجوب الزكاة، كما قال النووي: ” لو رهن ماشية أو غيرها من أموال الزكاة، وحال الحول، فطريقان: المذهب – وبه قطع الجمهور – وجوب الزكاة لتمام الملك، وقيل فيه الخلاف في المغصوب لامتناع التصرف.[l] وقال الغزالي ” المرهون إذا تم الحول عليه فيه وجهان أولهما وجوب الزكاة، لأنه قادر على التصرف بالقبض وتسليم الثمن، ووجه لا زكاة فيه لامتناع التصرف.[l]

        ومذهب الحنابلة: وجوب الزكاة، قال المرداوي: إن كان النصاب مرهوناً ووجبت فيه الزكاة، فهل تؤدى زكاته منه، هنا حالتان: إحداهما: أن لا يكون له مال غيره يؤدى منه الزكاة، فهنا يؤدي الزكاة من عين الرهن، الثانية: أن يكون للمالك مال يؤدى منه الزكاة غير الرهن، فهنا ليس له أداء الزكاة منه بدون إذن المرتهن على الصحيح من المذهب.[l]

 

زكاة الأسهم المرهونة لدى المؤسسات المالية الإسلامية:

        الذي يظهر أن الأسهم المرهونة لدى المؤسسات المالية ، وهي أداة ضمانة وتوثق، يودعها العميل بإرادته ضماناً للمديونية ، أو نظير خدمات أو تسهيلات تقدمها له المؤسسة فلا وجه لتحميل المؤسسة زكاتها، فإذا أحصت موجوداتها ، فتحسم هذه الأسهم منها ، ولما كانت هذه الأسهم مجمدة أو محبوسة عن مالكها فأشبهت الدين ، والذي يرجح فيه أن لا زكاة على مالكه حتى يقبضه ، فيزكيه عن سنة واحدة ، فكذلك الأسهم المرهونة ، وإذا وكل المؤسسة بإدارة الأسهم فلها أجرة مقطوعة أو منسوبة لقيمة الأسهم ، ولمالك الأسهم ريعها وحقه فيها ثابت لأنها ثمرة ماله.  

 

الفصل الرابع

زكاة المكافآت التي تدفع في نهاية الخدمة

 

المبحث الأول

تعريف كل نوع من هذه المكافآت وبيان حقيقتها

 

المكافآت التي تدفع في نهاية الخدمة أربعة أنواع:

        1 –  مكافأة نهاية الخدمة.

        2 –  مكافأة الراتب التقاعدي.

        3 –  مكافأة التقاعد.

        4 –  مكافأة الادخار.

 

أولاً : تعريف مكافأة نهاية الخدمة وبيان حقيقتها :

        تعريفها : هي حق مالي جعله القانون للعامل على رب العمل بشروط محددة يقتضي أن يدفع الثاني للأول عند انتهاء خدمته ، أو لمن يعول مبلغاً نقدياً دفعة واحدة ويلاحظ في تحديد مقداره مدة الخدمة ، وسبب انتهائها والراتب الشهري الأخير للعامل ([l]).

أو هي المبلغ المستحقة لمنسوبي المنشأة عند تركهم الخدمة ، نظير الخدمات التي حصلت عليها المنشأة منهم خلال فترة الخدمة ، وذلك وفقا لمتطلبات نظامية ، أو نتيجة التزام طوعي من المنشأة ([l]) .

ثانيا : تعريف الراتب التقاعدي وبيان حقيقته :

تعريفه : هو مبلغ مالي يستحقه شهريا الموظف أو العامل على الدولة أو المؤسسة المختصة بعد انتهاء خدمته بمقتضى القوانين والأنظمة إذا توافرت الشروط المحددة فيها ([l]).

أو هو : وعد من المنشاة بتقديم معاشات لمنسوبيها مقابل خدماتهم الماضية والحالية .

وتجدر الإشارة إلى أن في مكونات الراتب التقاعدي عنصرين آخرين من خارج جهة العمل الملزمة بالمكافأة ، وهما :

أ – نسبة معينة من مرتب الموظف أو العامل تضاف إلى الوعاء المخصص لتغطية الراتب التقاعدي.

ب – مساهمة سنوية تخصص في الميزانية العامة للدولة لأغراض دعم صندوق

ج – التأمين الاجتماعي المنوط به صرف الراتب التقاعدي ([l]) .

 

ثالثاً : مكافأة التقاعد :

تعريفها : هي مبلغ مالي مقطوع تؤديه الدولة أو المؤسسات المختلفة إلى الموظف أو العامل المشمول بقانون التأمينات الاجتماعية ، إذا لم تتوفر جميع الشروط لاستحقاق الراتب التقاعدي .

أو هي : بتعريف أشمل : مبلغ تؤديه الدولة أو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية للموظفين والعمال المشمولين بقانون التأمين الاجتماعي ، واقتطعت من مرتباتهم أو أجورهم اشتراكات محددة بصورة دورية ولم تتحقق فيهم جميع الشروط الواجبة لاستحقاق الراتب التقاعدي ، وبخاصة شرط المدة التي دفع المستفيد عنها اشتراكات قبل انتهاء خدمته ، فإن لم تبلغ القدر الذي يعطى له الحق في الراتب التقاعدي ، أعطي مكافأة التقاعد التي تحسب على أساس نسبة معينة من الأجر السنوي الأخير من كل سنة من سنوات الخدمة .

        وهذه المكافأة تشبه مكافأة نهاية الخدمة من حيث وقت استحقاقها ، وهو انتهاء الخدمة، ومن حيث كونهـا إلزامية عند تحقق الشروط ، ومن حيث كيفية دفعها حيث تعطى   للمستحق دفعة واحدة ، ولكنها تختلف عنها في حكمة تشريعها ، وطبيعتها، وشروط استحقاقها، والحالات التي تستحق فيها ، ومقدارها وطريقة احتسابها ، والمكلف بدفعها للعمال والموظفين([l]).

 

رابعاً : مكافأة الادخار وبيان حقيقتها :

تعريفها : هي استقطاع نسبة محددة من الراتب أو الأجر ، ويضاف إليها مقدار محدد بالنسبة أيضا من المؤسسة نفسها ، وتستثمر هذه المبالغ ويستحق الموظف أو العامل مبلغا يدفع لـه دفعة واحدة في نهاية خدمته ، وهو بمثابة صندوق ادخاري اختياري في غالب الأحوال .

        وكثير من التشريعات عاملت الجزء الذي يدفعه صاحب العمل من المبلغ الإجمالي الذي يعطى للموظف في نهاية خدمته معاملة مكافأة نهاية الخدمة ، وأجازت لرب العمل أن يحتسب هذا الجزء مقابل المكافأة التي يفرضها عليه قانون العمل إذا نص على ذلك في عقد العمل ، فإن لم يوجد نص على ذلك استحقت مكافأة نهاية الخدمة بالإضافة إلى ما يستحقه في نظام الادخار ، كما أن بعض النظم طبقت على ذلك الجزء القواعد المطبقة على مكافأة نهاية الخدمة من حيث أسباب سقوط الحق فيها ، واستثنت من ذلك أقساط الادخار التي يدفعها العامل أو الموظف ، ولم تجز حرمانه منها بحال من الأحوال ([l]).

ومن مجمل هذه التعاريف تظهر عناصر مكافأة نهاية الخدمة التي تميزها عن غيرها في الآتي:

1 –         أن المكافأة إلزامية بحكم القانون على أرباب العمل .

2 –    مقدار هذه المكافأة يتحدد بناء على ثلاثة عناصر هي : السبب الذي يعود إليه انتهاء الخدمة ، ومدة الخدمة ، وقدر الأجر أو الراتب الأخير للعامل .

3 –    وقت استحقاق المكافأة هو الوقت الذي تنتهي فيه خدمة العامل أو الموظف، لأن حقه في المكافأة لا ينشأ إلا عند انتهاء عقد العمل وقبل ذلك لا يكون حقه قد تولد.

4 –    لا يشترط لاستحقاق المكافأة انتقاص أجر العامل أو الموظف فلا يقتطع منه شئ أثناء الخدمة كما لا يشترط فيه أن تكون مدة الخدمة طويلة.

        كما يظهر الفرق بين مكافأة التقاعد عن مكافأة نهاية الخدمة في شروط استحقاقها ومقدارها وطريقة احتسابها ، وبخاصة أن الملتزم بها ليس رب العمل ، وإنما هو مؤسسة عامة لها شخصيتها الاعتبارية ، وهي الدولة ، أو المؤسسة العامة للتأمينات ، وأيضا فإن المكافأة لا تستحق للعامل أو الموظف إلا إذا دفع أقساطاً تقتطع من أجره أو مرتبه بصورة دورية، وأن تخلف الشروط أو بعضها لم يستحق راتباً له ولا لبعض ورثته وإنما يستحق مبلغا ماليا دفعة واحدة وهو ما يسمى بمكافأة التقاعد ([l]) .

 

المبحث الثاني

التكييف القانوني والشرعي للمكافآت

 

أولاً : التكييف القانوني لمكافأة نهاية الخدمة :

اختلف القانونيون في تحديد الطبيعة القانونية لمكافأة نهاية الخدمة على أقوال :

1.   ذهب فريق إلى أن هذه المكافأة هي في حقيقتها تكملة للأجر الذي يتقاضاه العامل من رب العمل ، فتعتبر عند هذا الفريق بمثابة جزء من أجر العامل مؤجل الدفع إلى نهاية خدمته ، ويدفع دفعة واحدة لمواجهة أعباء الحياة بعد خروجه من الخدمة .

2.   وذهب فريق إلى اعتبار هذه المكافأة إنما شرعت على سبيل التعويض عن الضرر المادي والأدبي الذي يلحق بالعامل نتيجة خروجه من الخدمة وانقطاع مورد رزقه الذي يعتمد عليه في حياته .

3.   وذهب فريق إلى اعتبار مكافأة نهاية الخدمة نوعا من التأمين من مخاطر انتهاء العقد ، كي يجد العامل عند انتهاء خدمته ما يعينه على مواجهة الحياة هو ومن يعول .

4.   وذهب فريق آخر إلى اعتبار مكافأة نهاية الخدمة حقا من نوع خاص ألزم واضع القانون صاحب العمل بأدائه لاعتبارات الصالح العام وأوجب على العامل استئذانه في الحالات المبينة في القانون ([l]) .

 

ثانياً : التكيف الشرعي لمكافأة نهاية الخدمة :

        اختلف الرأي في تكييف مكافأة نهاية الخدمة من الجانب الشرعي لاختلاف النظر في طبيعتها وحقيقتها ، فيرى بعض الفقهاء أنها التزام بالتبرع إما طوعا وإما بإيجاب ولي الأمر بما يحقق المصلحة العامة ، ولا يعارض نصا شرعيا أو قاعدة عامة ، أو خاصة من القواعد المستمدة من النصوص ([l]) . في حين يرى بعض الفقهاء أن الأقرب تأسيس مكافأة نهاية الخدمة في الفقه الإسلامي على صلاحية الإمام – الدولة – في إنشاء بعض الحقوق والواجبات على الأفراد إذا اقتضى ذلك المصلحة العامة والعدالة ، ومن هذا فعل عمر بن الخطاب t في شأن الشيخ اليهودي الأعمى حين أرسل لخازن بيت المال فقال : أنظر هذا وضرباءه ، فو الله ما أنصفناه أن أكلنا شيبته ثم نخذله عند الهرم .. ومن قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حين قال لعامله على البصرة : أنظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه ، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه ، فلو أن رجلا من المسلمين كان لـه مملوك كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق .

        وإذا اعتبرنا مكافأة نهاية الخدمة حقا ذا طبيعة خاصة أنشأته الدولة للعامل لم يرد عليها أنها أجر لأنها عندئذ لا تكون ثمرة لعقد معاوضة ، فلا تؤثر فيها الجهالة والغرر، ويسوغ تقييدها بالشروط التي ترى الدولة فيها تحقيق المقاصد التي شرعت المكافأة من   أجلها ([l]) .

        ويرى الدكتور يوسف القرضاوي أن ملك العامل أو الموظف لمكافأة نهاية الخدمة ملك تام ، وهي كالدين ([l]). ويرى الشيخ الدكتور أحمد بن حميد : أن هذه المسألة ترجع إلى قاعدة حكم الحق المالي بعد حصول السبب وقبل حصول الشـرط ، فمكافأة نهاية الخدمة سببها هو عقد العمل المتضمن أشراط المكافأة وشرطها هو انتهاء الخدمة فليست دينا ما لم يتحقق الشرط ، ونظير هذا الزكاة فإن سببها بلوغ النصاب وشرطها هو حولان الحول ([l]).

        ولا يخفى أن هذه الأقوال اجتهادية ، وكلها تحتمل النظر والاعتراض والذي يرجح لدينا : أن مكافأة نهاية الخدمة ، هي وعد ملزم من الدولة أو جهة العمل بمكافأة مالية محددة لمصلحة الموظف أو العامل معلقة على استيفاء شروط تضعها الدولة تحدد شروطها ووقت تسليمها ، فمتى تسلمها الموظف أو العامل أصبح ملكه لها تاما وأمكنه التصرف بها تصرف الملاك وتعامل حينئذ معاملة المال المستفاد .

        وقد يصح أن تكيف على أنها دين وعدت به الدولة مربوط بشروط خاصة ومتى تحققت تم تمليكه لمستحقه ، فهي كما قال الكاساني : الزكاة وظيفة الملك ، والملك موجود فتجب الزكاة فيه إلا أنه لا يخاطب بالأداء للمال لعجزه عن الأداء لبعد يده عنه، وهذا لا ينفي الوجوب كما في ابن السبيل ([l]) .

وما كان في الذمة كالدين فهو في حكم مال الضمار ([l]) .

ثالثاً : التكييف الشرعي لمكافأة الراتب التقاعدي :

        مكافأة الراتب التقاعدي تدخل من الوجهة القانونية في نظم التأمين من حيث الجملة ، ولذلك يطلق عليها اسم التأمين الاجتماعي أو التأمينات الاجتماعية وهي في النظر الشرعي لا تخرج عن حقيقة التامين الذي يستحقه المؤمن عليه عند انتهاء مدة الخدمة لأي سبب من الأسباب ([l]) .

        ولعل هذا هو التكييف المناسب لطبيعة هذه المكافأة ، وقد يقال : إن الراتب التقاعدي مثل مكافأة نهاية الخدمة مال مستفاد لكنه غير مقبوض من جهة ، ومضاف إلى المستقبل وهو نهاية الخدمة ، وهو يجعلها من قبيل مال الضمار الذي يفقد شرط الملك التام ([l]) .

 

رابعاً : التكييف الشرعي لمكافأة الادخار :

مادامت مكافأة الادخار لا تخرج عن استحقاق الموظف أو العامل مبلغاً من صندوق الادخار الذي تحكمه نظم التامين ، وما يدفعه الموظف أو العامل من أقساط هو جزء من مرتبه ، فاستثماره لـه وما تضيفه جهة العمل هو جزء من حق الموظف أو العامل في نهاية الخدمة التزمت به جهة العمل . فنظام التامين هو الذي يحكم طبيعة العلاقة والتزامات الطرفين . فطبيعة هذه المكافأة أنها نظام تامين تحكمه النظم التي يراعي فيها مصلحة الموظف أو العامل بالدرجة الأولى وما وراء ذلك مما قد يكون من مخالفات في نظام التامين من حيث هو نظام . أو ما قد يكون من استثمار غير مشروع ، فهذا شأن آخر لسنا بصدد الكلام عنه .

 

المبحث الثالث

زكـاة المكافــآت

 

زكاة المكافآت المذكورة بالنسبة للموظف أو العامل :

أولاً : لاشك أن وجوب الزكاة مترتب على تحقق أسباب وشروط وجوبها وما يخص موضوع هذه المكافآت يترتب الحكم فيه على الخصوص تحقق شرط الملك التام، وبالنظر إلى طبيعة أو حقيقة مكافأة نهاية الخدمة ، والراتب التقاعدي ، ومكافأة التقاعد ، ومكافأة الادخار فإنها جميعاً تربط بين استحقاق الموظف أو العامل للمكافأة بشروط ومدد محددة ضمن نظم موحدة ، ومن أهم شروط استحقاقها انتهاء مدة العمل ، سواء انتهاء مدة الخدمة لاستحقاق  مكافأة نهاية الخدمة ، أو مكافأة التقاعد، أو مكافأة الادخار، وعلى ذلك فلا تدخل هذه الأموال في ملك الموظف أو العامل ، ملكاً تاماً مستقراً يخوله التصرف فيه إلا بعد انتهاء المدة وقبضه ، فتكون زكاته بعد قبضه . مع ملاحظة أن الراتب التقاعدي يملك في نهاية كل شهر بعد انتهاء الخدمة وتكون هذه الأموال مستفادة ويجرى عليها حكم المال المستفاد فان كان ما عنده من نقود قد بلغ نصاباً ولم يكتمل حولها فتضم هذه المكافآت إلى ما عنده من مال ، ويبقى الخلاف في احتساب الحول ، هل يبدأ للمال المستفاد حولاً جديداً ، أو يبنى على حول ما عنده من مال .

فالجمهور على أن المال المستفاد يستأنف لكل مال منه قبض في وقت مختلف حول مستقل عند بلوغه النصاب سواء بلغ النصاب بنفسه أو بغيره .

 ومذهب الحنفية : أن المال المستفاد يضم إلى جنس المال الذي انعقد حوله.

ولا يستأنف لكل مال حولاً مستقلاً ([l]) . ومذهب الحنفية أيسر في التطبيق سواء للأفراد أو الشركات ومن الصعوبة تطبيق مذهب الجمهور .وعلى ذلك فالمكافآت بأنواعها أموال مستفادة تضم من حيث النصاب والحول إلى ما عند مالكها من أموال يزكيها على أحد الرأيين السابقين.

        ويحتمل القول : إن الموظف أو العامل أو ورثته إذا قبضوا أموال مكافأة نهاية الخدمة أو الراتب التقاعدي وجب حينئذ إخراج الزكاة عن تلك المبالغ المقبوضة لعام واحد فقط حسب الرأي المختار في زكاة الدين غير المرجو إذا قبض فانه يزكي عن سنة واحدة ولو مكث قبل ذلك سنين ([l]) .

وهذا الرأي مبني على أن هذه المكافآت ديون على الجهة الملتزمة قانونا بها . ولقد انتهت الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة في هذا الشأن إلى القرار الآتي:

·   لا تجب الزكاة على العامل أو الموظف في هذه الاستحقاقات طيلة مدة الخدمة لعدم تحقق الملك التام الذي يشترط لوجوب الزكاة .

·   هذه الاستحقاقات إذا صدر القرار بتحديدها وتسليمها للموظف أو العامل دفعة واحدة ، أو على فترات دورية أصبح ملكه لها تاماً ويزكى ما قبضه منها زكاة المال المستفاد، والمال المستفاد يزكى بضمه إلى ما عند المزكي من الأموال من حيث النصاب والحول .

ثانياً : المكافآت المذكورة بالنسبة للجهات الرسمية والمؤسسات المالية الإسلامية :

الجهات الرسمية أو الجهات العامة التابعة للدولة مثل المستشفيات والجمعيات والنقابات وأموال الأوقاف ، لا زكاة عليها لان من شروط الزكاة أن يكون المال مملوكاً لمعين . وأموال الدولة وتوابعها لا مالك لها معيناً .

وأما الشركات فهذه التي تحتاج إلى بيان حكم الزكاة في أموالها ، والحكم يترتب على اعتبار هذه الأموال ، هل هي ديون على هذه الجهات أو ليست ديوناً.

فقد ينظر إلى تحديد الوقت الذي تخرج فيه تلك الأموال من ملكية رب العمل سواء أكان فرداً أم أفراد ، أم شركات خاصة ، فان تلك الأموال لا تخرج من ملكية رب العمل ، ولا تدخل في ملك العامل إلا عند انتهاء الخدمة ، وقبل ذلك تبقى على ملكية رب العمل فرداً كان أو شركة ، ومقتض هذا أن هذه الأموال لا تكون ديوناً على أرباب العمل ، ولا يجوز تجنيبها عن الزكاة ، وينطبق هذا على مكافأة نهاية الخدمة ، ومكافأة الادخار . وأما مكافأة التقاعد ، والراتب التقاعدي فالغالب عدم تعامل الشركات الخاصة ، والأفراد بها ، وإنما تختص بالدولة والمؤسسات العامة ومع ذلك فان التزمت بها الشركات الخاصة ، فان ما ذكر سابقاً بشأنها ينطبق عليها أيضاً هنا ، ولكن لابد من الإشارة هنا إلى أن الأقساط التي تستحق على أرباب العمل من أفراد وشركات لمؤسسة التأمينات الاجتماعية يمكن إخراجها من وعاء الزكاة عند استحقاقها في المواعيد المحددة في القوانين والأنظمة ، ولا يجوز ذلك سلفاً قبل حلول تلك المواعيد .

هذا رأي الدكتور محمد نعيم ، بينما يرى الدكتور عبد الستار أبو غدة : أن التكييف الشرعي لأموال مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي في ميزانية الشركات قبل صرفها هو أنها دين على الشركة ، وأثر ذلك التكييف للمخصصات المشار إليها في زكاة أموال الشركات والمؤسسات بأنها ديون عليها هو أنها تحسم بكاملها من الموجودات الزكوية ، وذلك بحسب الأصل ، لا عبرة بما قد يطرأ على المبالغ من انتقاص في حالة الاسـتقالة فإنها حالة استثنائية لا يبنى عليها الحكم . وهذا بالنسبة للشركات ومؤسسات القطاع الخاص ، وأما بالنسبة لأموال مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي في ميزانية الدولة فهي أيضاً ديون على الجهات والمؤسسات الحكومية وهي لا تدخل في الوعاء الزكوي أيضاً إن لم يكن للسبب المشار إليه في أموال القطاع الخاص وهو حسمها من الموجودات الزكوية  فذلك لسبب أقوى وهو أن لا تجب الزكاة أصلاً في موجودات ميزانيات المال العام.  كما سبقت الإشارة ([l]).

 

 والذي يترجح أن المكافآت كلها ليست ديوناً على الدولة أو مؤسساتها ولا على الشركات أو المؤسسات ونحوها وكذلك الأفراد ، أما الدولة فهذه الأموال المتعهد بها على وفق النظام هي في وعاء ميزانية الدولة العامة ، وكذلك الشركات والمؤسسات هي في وعاء ميزانيتها ، وعلى ملكها ، غاية ما هنالك أنها تعد ملتزمة بتسليمها لمستحقيها حسب النظم التي تلزمها بها الدولة، أو تلتزم هي بها كما في مكافأة الادخار الاختياري . وعلى ذلك فزكاتها على هذه الجهات، ويستثنى من ذلك المال، العام ومنه أيضاً صناديق التأمينات الاجتماعية، وقد جاء قرار شامل في ذلك في الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة في الدوحة 1998م وهذا نصه مع الاقتصار على المناسب للموضوع :

أولاً : المال العام هو المال المرصد للنفع العام ، دون أن يكون مملوكاً لشخص معين أو جهة معينة . كالأموال العائدة إلى بيت مال المسلمين ( الخزانة العامة للدولة ) وما يسمى اليوم بالقطاع العام .

ثانياً : لا تجب الزكاة في المال العام ، إذ ليس لـه مالك معين ولا قدرة لأفراد الناس على التصرف فيه ، ولا حيازة لهم عليه ولأن مصرفه منفعة عموم المسلمين .

ثالثاُ : لا يجب على الدولة أداء الزكاة في أموال صناديق التأمينات الاجتماعية ، وأما المستحق لها من الموظفين فينطبق عليه حكم زكاة المال المستفاد من ملك النصاب وحولان الحول.

 

رابعـاً :

         أ‌-         لا تجب الزكاة في أعيان الأموال الموقوفة .

  ب‌-  تجب الزكاة في ريع أموال الوقف على معين ، كريع أموال الوقف الأهلي ( الذري) ولا تجب في ريع الوقف الخيري .

خامساً : لا تجب الزكاة في اسهم الوقف الخيري في الشركات المساهمة ، وينطبق على ريع أسهم الوقف الخيري بعد دفعه لمستحقيه حكم المال المستفاد.

سادساً  إن لم يتوافر مستحقو الوقف الأهلي مؤقتاً أو بصفة دائمة لانقراض مستحقيه ، فلا زكاة في المال الموقوف ، إذ يؤول في هذه الحال إلى وقف خيري.

سابعاً : ينطبق على أموال هذه المؤسسات العلمية والخيرية والاجتماعية وما في حكمها حكم مال الوقف ، سواء أكانت أهلية أم خيرية ، فلا زكاة فيها .

وأما بخصوص زكاة نهاية الخدمة فقد جاء في كتاب دليل الإرشادات لمحاسبة زكاة الشركات الآتي :

مادة (75) مخصص نهاية الخدمة للعاملين لدى الشركات :

التعريف المحاسبي : هو مبلغ مقتطع لمواجهة التزام الشركة بدفع نسبة معينة من المرتب عن سنوات خدمة العاملين عند نهاية الخدمة وذلك لأن الشركات يلزمها بموجب قانون العمل والعمال أن تدفع لكل واحد من العاملين فيها عند انتهاء خدماته مبلغاً محسوباً بنسبة معينة عن كل سنة خدمة ، ولذلك فإن الشركات ترصد في ميزانياتها مخصصات سنوية لكل واحد من العاملين فيها فتتراكم مخصصات كل عامل طيلة مدة خدمته ، فإذا أنهت الشركة خدماته صرفت له تلك المبالغ الموجودة بكاملها ، أما إن كان سبب انتهاء خدماته استقالته ، فيأخذ فقط نصف تلك المخصصات بموجب بعض القوانين.

التقويم المحاسبي : يحتسب مخصص مكافأة نهاية الخدمة للموظفين حسب مدة الخدمة المتراكمة لكل موظف كما بتاريخ الميزانية العمومية وفقاً لأحكام قانون العمل ، ويظهر ضمن المطلوبات غير المتداولة في الميزانية العمومية .

الحكم الشرعي : مخصصات نهاية الخدمة للعاملين لدى الشركة لا تحسم من الموجودات الزكوية.


 

الخاتمة في

ملخص البحث والتوصية المقترحة

 

أولاً :  الأموال المجمدة أو المحجوزة : هي الأموال التي لا يمكن لأصحابها سحبها ، أو التصرف فيها وقد تكون في أوعية استثمارية ، وتشترط المؤسسات المالية الإسلامية أو غيرها بقاء الأموال تحت يدها فترات محددة ، وقد تمنح مستحقيها ما قد يترتب على استثمارها من ريع ، وينظم هذه الأموال نظم ولوائح محددة .

         لا يتحقق الملك التام في الأموال المجمدة أو المحجوزة لعدم التمكن من التصرف فيها وإن كان ملك هذه الأموال مستقر لمستحقيها .

ثانياًُ : شركات التأمين الإسلامية :

أ – المخصصات الفنية والاحتياطية والأرصده الدائنة لمعيدي التأمين والمطالبات المستحقة السداد ، والمطالبات تحت التسوية تحسم من الموجودات الزكوية ؛ لأنها ديون على الشركة .

ب – مخصصات الأخطار السارية والمخصص الإضافي واحتياطي التأمين على الحياة والمبالغ المحجوزة عن عمليات إعادة التأمينات لا تحسم من الموجودات الزكوية .

ثالثاً : الشركات الإسلامية عامة :

·     الاحتياطيات الرأسمالية والاحتياط الإيرادي القانوني والاختياري واحتياط الأرباح الناتجة عن عمليات أسهم الشركة المشتراة ( أسهم الخزينة ) لا تحسم من الموجودات الزكوية .

 

رابعاً : زكاة الودائع الاستثمارية :

·     الودائع المجمدة الاستثمارية طويلة الأجل ومحددة الأجل تحسم هي وأرباحها إن وجدت ، أو يحسم القدر الذي سلم من الخسارة وتجب زكاتها على مالكها هي وأرباحها .

·              الودائع المجمدة غير الاستثمارية وهي :

§        مبالغ الحساب الاستثماري والحساب الجاري تحسم من الموجودات الزكوية ويزكيها مالكها .

§        مبالغ هامش الجدية أو العربون تحسم من الموجودات الزكوية ويزكيها مالكها.

§        مبالغ التأمينات المقدمة من العملاء لضمان انجاز تعهداتهم . تحسم من الموجودات الزكوية .

§        مبالغ التأمينات لدى المؤسسات الحكومية أو الخاصة . تحسم من الموجودات الزكوية .

§        مبالغ العقود لدى العملاء لضمان إنجاز تعهدات الشركات ونحوها ، تحسم من الموجودات الزكوية .

§   مبالغ الوديعة القانونية لا تحسم إذا كانت محجوزة بصفة مؤقتة وتحسم من الموجودات الزكوية إذا كانت محجوزة بصفة مستمرة ويزكيها مالكها إذا قبضها عن سنة واحدة .

§        تجميد الأرباح : لا تحسم من الموجودات الزكوية .

§        الأرباح المستبقاة / الأرباح غير الموزعة / الأرباح المحتفظ بها لا تحسم من الموجودات الزكوية .

§   الأسهم المجمدة ( خيار الأسهم للموظفين ) تحسم من الموجودات الزكوية ويزكيها مستحقها إذا قبضها لسنة واحدة ويضم ما يقبضه من أرباحها إلى أمواله الزكوية لكل حول.

§   الأسهم المرهونة لدى المؤسسات المالية الإسلامية تحسم من الموجودات الزكوية ويزكيها مالكها إذا قبضها لسنة واحدة ويضم ما قبضه من أرباحها إلى أمواله الزكوية لكل حول.

 

خامساً : زكاة المكافآت التي تدفع في نهاية الخدمة :

·   مكافأة نهاية الخدمة : هي حق مالي جعله القانون للعامل على رب العمل بشروط محددة تقتضي أن يدفع الثاني للأول عند انتهاء خدمته ، أو لمن يعولهم مبلغاً نقدياً دفعة واحدة . ويلاحظ في تحديد مقداره مدة الخدمة وسبب انتهائها والراتب الشهري الأخير .

·   الراتب التقاعدي : هو مبلغ مالي يستحقه شهرياً الموظف أو العامل على الدولة أو المؤسسة المختصة بعد انتهاء خدمته بمقتضى القوانين والأنظمة إذا توافرت الشروط المحددة فيها .

·   مكافأة التقاعد هي : مبلغ مالي مقطوع تؤديه الدولة أو المؤسسة المختصة إلى الموظف أو العامل المشمول بقانون التأمينات الاجتماعية إذا لم تتوافر جميع الشروط المطلوبة لاستحقاق الراتب التقاعدي.

·   مكافأة الادخار : هي استقطاع نسبة محددة من الراتب أو الأجر ، ويضاف إليها مقدار محدد بالنسبة أيضاً من المؤسسة نفسها وتستثمر هذه المبالغ، ويستحق الموظف أو العامل مبلغاً يدفع له دفعة واحدة في نهاية خدمته .

               

زكاة هذه المكافأة :

        أ – بالنسبة للموظف أو العامل :

        لا تجب الزكاة على العامل أو الموظف في هذه الاستحقاقات طيلة مدة الخدمة؛ لعدم تحقق الملك التام الذي يشترط لوجوب الزكاة ، وإذا صدر في هذه الاستحقاقات قرار بتحديدها وتسليمها للموظف أو العامل دفعة واحدة ، أو على فترات دورية أصبح ملكه لها تاماً ويزكي ما قبضه منها زكاة المال المستفاد ، فيضمه إلى ما عنده من الأموال من حيث النصاب والحول .

        ب – زكاة هذه المكافآت بالنسبة للجهات الرسمية أو المؤسسات المالية الإسلامية أو الشركات ونحوها :

        هذه الأموال لا تخرج من ملكية هذه الجهات ، ولا تدخل في ملك العامل إلا عند انتهاء الخدمة ، وقبل ذلك تبقى على ملكية هذه الجهات ، ومقتضى هذا أن هـذه الأموال لا تكون ديوناً على هذه الجهات ، فلا تجنبها عن الزكاة . وينطبق هذا على مكافأة نهاية الخدمة ، ومكافأة الادخار ، وأما مكافأة التقاعد ، والراتب التقاعدي ، فتختص بها – في الغالب – الدولة ومؤسساتها العامة ، ولا زكاة على المال العام .

 

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات

 


 

شاهد أيضاً

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

التحوط في المعاملات المالية

بحث التحوط في المعاملات المالية

تحويل البنوك التقليدية لبنوك اسلامية ( المبادئ والضوابط والإجراءات )

تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية