التوعية بالأمراض الوراثية والعمل على تقليل انتشارها ضرورة حتمية

عقد مجمع الفقه الاسلامي الدولي بالتعاون مع المنظمة الاسلامية للعلوم الطبية بالكويت ندوة فقهية طبية حول موضوع «الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري من منظور إسلامي» في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، والتي جاء انعقادها تنفيذا لقرار مجلس مجمع الفقه الاسلامي الدولي، وقد تم عقد ندوة علمية استمرت ثلاثة ايام استوفت الجانبين الطبي والفقهي من خلال مناقشة 13 بحثا قدمت للندوة بمشاركة 18 اكاديميا من مختلف البلاد، وقد تم اختيار رئيس رابطة الشريعة بدول مجلس التعاون والعميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.عجيل النشمي مقررا عاما للندوة حول موضوع الجينوم البشري والهندسة الوراثية والاحكام الشرعية والاخلاقية فيه، وكان لنا هذا الحوار مع د.عجيل النشمي.

 

ما الجينوم البشري من المنظور الإسلامي؟

٭ ان قراءة الجينوم البشري، وهو رسم خريطة الجينات الكاملة للانسان، جزء من تعرف الانسان على نفسه واستكناه سنن الله في خلقه، والمشار اليها في قوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ـ فصلت:53) ونظائرها من الآيات.

جميع العلوم

وما أهمية الجينوم وما استخداماته المسموح بها؟

٭ هو وسيلة للتعرف على بعض الامراض الوراثية او احتمال الاصابة بها، فهو اضافة قيمة الى العلوم الصحية والطبية في مسعاها للوقاية من الامراض او علاجها مما يدخل في باب الفروض الكفائية في المجتمع مع مراعاة عدة احكام.

أحكام الشريعة

وما الاحكام الواجب مراعاتها؟

٭ يجوز استخدام الجينوم البشري في المجالات النافعة لما يحققه من مصالح جاءت الشريعة بالحث على تحصيلها كالوقاية والتداوي من الامراض ولا يجوز استخدامه استخداما ضارا أو بأي شكل يخالف الشريعة الاسلامية، كما لا يجوز القيام باي معالجة او تشخيص يتعلق بجين (جينوم) شخص ما الا بعد اجراء تقييم سابق ودقيق للاخطار والفوائد المحتملة المرتبطة بهذه الانشطة مع الالتزام باحكام الشريعة الاسلامية، كما من الضروري الحصول على اذن صحيح معتبر شرعا من الشخص نفسه او وليه الشرعي مع وجوب الحرص على مصلحة الشخص المعني، كما لكل شخص الحق في ان يقرر ما اذا كان يريد او لا يريد ان يحاط علما بنتائج اي فحص وراثي او بعواقبه، كما ينبغي ان تحاط بالسرية الكاملة مثل التشخيصات الجينية المحفوظة او المعدة لأغراض البحث او لأي غرض آخر، ولا تفشى الا في الحالات المبينة في قرار المجتمع رقم 142 (8/15) حول ضمان الطبيب، وعلى الطبيب أخذ موافقة المريض بإفشاء سره الى أسرته، وإذا لم يوافق المريض على ذلك فعلى الطبيب محاولة اقناعه بالموافقة حرصا على حياة الآخرين، مع التأكيد على الضوابط الشرعية الخاصة بالجينوم البشري الواردة في توصية ندوة الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني التي عقدتها المنظمة الاسلامية للعلوم الطبيعية بالتعاون مع مجمع الفقه الاسلامي الدولي عام 1419 هـ.

كما لا يجوز ان يُعرض اي شخص لأي شكل من أشكال التمييز بسبب صفاته الوراثية اذا كان الغرض النيل من حقوقه وحرياته الأساسية والمساس بكرامته ولا يجوز اجراء أبحاث تتعلق بالمجين والجينوم البشري او لأي من تطبيقات هذه الأبحاث لاسيما في مجال علم الأحياء وعلم الوراثة والطب تخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو لا تحترم حقوق الإنسان التي يقرها الإسلام او تنتقص من الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية لأي فرد او مجموعة أفراد، ويجوز استخدام العلاج الجيني للخلايا الجسدية للتداوي من الأمراض ولا يجوز استخدامه في اكتساب صفات معينة مثل اللون والشكل والقوة والذكاء لما فيه من تغيير الخلقة المنهى عنه شرعا، ولما فيه من العبث وامتهان كرامة الانسان فضلا عن عدم وجود الضرورة او الحاجة المعتبرة شرعا.

العلاج الجيني

ما المقصود بالعلاج الجيني؟ وما أقسامه؟

٭ يقصد به نقل جزء من الحمض النووي او نقل جين سليم او احلال جين سليم محل جين مريض الى الخلية المريضة لإعادة الوظيفة التي يقوم بها هذا الجين الى عملها المطلوب منها وينقسم العلاج الجيني باعتبار الخلية المعالجة الى نوعين، النوع الأول: العلاج الجيني للخلايا الجسدية وهي جميع خلايا الجسم والنوع الثاني العلاج الجيني للخلايا الجينية.

جميع الخلايا

وما شروط العلاج الجيني للخلايا الجسدية في جميع خلايا الجسم؟

٭ الا يؤدي هذا النوع من العلاج الى ضرر أعظم من الضرر الموجود أصلا وان يغلب على الظن ان هذا العلاج يحقق مصلحة الشفاء او تخفيف الألم، وان يتعذر وجود البديل وان تراعى شروط نقل الأعضاء في المتبرع والمتبرع له المعتبرة شرعا التي أشار اليها المجمع في قراره رقم 57 (8/6) وان يجري عملية نقل الجين متخصصون ذوو خبرة عالية واتقان وأمانة.

الخلايا الجينية

ما شروط النوع الثاني والعلاج الجيني للخلايا الجينية؟

٭ لا مانع من اجراء الفحص الجيني للخلايا الجينية في صورته الراهنة فحكمة المنع لما لهذا النوع من الخطورة والضرر الا اذا ثبت امكان هذا العلاج دون مخاطر او ضرر.

الهندسة الوراثية

هل يجوز استخدام الهندسة الوراثية في جميع الأغراض؟

٭ لا يجوز استخدامها سياسة عامة لتبديل البنية الجينية فيما يسمى بتحسين السلالة البشرية، وان اي محاولة للعبث الجيني بشخصية الانسان او التدخل في أهليته للمسؤولية الفردية أمر محظور شرعا، والأصل في الاستفادة من الهندسة الوراثية في النبات والحيوان هو الجواز والإباحة وهذا الجواز مقيد بضوابط أهمها ألا يؤدي هذا الاستعمال الى ضرر عاجل او آجل وان يكون هذا الاستعمال لغرض صحيح مباح دون عبث او اسراف وان يتولاه اصحاب الخبرة والثقة ولا يجوز استعمال الهندسة الوراثية في الأغراض الضارة والعدوانية.

المعرفة الصحيحة

وما شروط استخدام الإرشاد الوراثي «الجيني»؟

٭ الإرشاد الجيني يتوخى تزويد طالبيه بالمعرفة الصحيحة والتوقعات المحتملة ونسبها الإحصائية، ويكون اتخاذ القرار لذوي العلاقة فيما بينهم وبين الطبيب المعالج، دون أي محاولة للتأثير في اتجاه معين وأهمها تهيئة خدمات الإرشاد الجيني للأسر أو المقبلين على الزواج على نطاق واسع وتزويدها بالأكفاء من المختصين مع نشر الوعي وتثقيف الجمهور بشتى الوسائل لتعم الفائدة، وان يكون الإرشاد الجيني إجباريا حسبما جاء في الفقرة الخاصة بالمسح الوراثي الجيني الوقائي، ولا ينبغي ان تفضي نتائجه إلى إجراء إجباري وأن تحاط نتائج الإرشاد الجيني بالسرية التامة، وتوسيع مساحة المعرفة بالإرشاد الجيني في المعاهد الطبية والصحية والمدارس وفي وسائل الإعلام ودور العبادة بعد التأهيل الكافي لمن يقومون بذلك، كما ينبغي في حالة زواج الأقارب بناء على الإحصاءات ـ تثقيف الجمهور في زواج الأقارب، لاسيما في الأسر التي تشكو من ظهور مرض وراثي في بعض أفرادها وبأهمية وضرورة استشارة الأطباء لمعرفة مدى إمكانية انتقال المرض.

اختلاف الأحكام

ما أحكام العلاج الوراثي؟

٭ تختلف أحكامه، ففي المسح الوراثي الوقائي يجوز إجراء هذا النوع بشرط أن تكون الوسائل المستعملة مباحة وآمنة لا تضر بالإنسان ويتعين على ولي الأمر الإجبار على هذه الطريقة إذا انتشر الوباء في بلد معين أو تعرضت الدولة الى مواد مشعة وسامة ولها أثر على الجينات، تحقيقا لمصلحة دفع الضرر العام، مع وجوب المحافظة على سرية نتائج هذا المسح حماية لأسرار الإنسان الخاصة وحفاظا على سمعته التي أمر الشارع بالمحافظة عليها والذب عنها، تحقيقا لمقاصد الشريعة الإسلامية ومبادئها العامة.

قبل الزواج

أما حكم الفحص الجيني قبل الزواج فيجوز إجراؤه مع اشتراط الوسيلة المباحة الآمنة لما فيه من تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية وحماية الأسرة من الأمراض الوراثية ولا يحكم بوجوب الفحص والإلزام به، لأن فيه إيجابا وإلزاما بحق لم يأت الشرع به، ولما فيه من حرج على الراغبين عن الزواج نفسيا وماليا، إلا إذا ألزم ولي الأمر به لمصلحة معتبرة عامة، فإن طاعته واجبة.

طفل الأنابيب

هل يجوز إجراء التشخيص قبل زرع النطفة في طفل الأنابيب؟

٭ يجوز قبل زرع النطفة بعد الإخصاب خارج الرحم وهو ما يسمى طفل الأنابيب شريطة اتخاذ الإجراءات اللازمة نحو عدم خلط العينات وصيانتها.

وسائل طبية

وهل يجوز الفحص في أثناء الحمل؟

٭ لهذه الطريقة وسائل طبية متنوعة، ويمكن إجراؤها في مراحل مختلفة من الحمل في أوله ووسطه وآخره، ويجوز إجراء هذا الفحص في مراحل الحمل المختلفة تحقيقا ومحافظة على مقاصد الشريعة الإسلامية، ولما فيه من دفع الضرر والمصالح المترتبة على إجرائه، فإذا ثبت وجود مرض وراثي فيجوز إجراء الإجهاض للمرأة الحامل، إذا تم ذلك قبل 120 يوما. وأما إذا كان الحمل قد بلغ 120 يوما فلا يجوز إسقاطه إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين ان بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه دفعا لأعظم الضررين.

قبل الزواج

وما الذي توصي به بشأن استخدام الجينوم البشري؟

٭ أولا التوعية بالأمراض الوراثية والعمل على تقليل انتشارها مع تشجيع إجراء الاختبار الوراثي قبل الزواج من خلال وسائل الإعلام المختلفة كما أناشد الجهات الصحية زيادة أعداد وحدات الوراثة البشرية لتوفير الطبيب المتخصص في تقديم الإرشاد الجيني، وان تتابع الهيئات الخاصة المستجدات في هذا المجال.

التعليم

وما هو المفروض ان تقوم به البلاد الإسلامية لترقى في هذا المجال؟

٭ ينبغي على الدول الإسلامية الاهتمام بالهندسة الوراثية بمختلف مجالاتها وتطبيقاتها المعتبرة شرعا، وذلك بإنشاء مراكز للأبحاث في هذا المجال، تتطابق منطلقاتها مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتتكامل فيما بينها بقدر الإمكان، وتأهيل الأطر البشرية للعمل في هذا المجال، وإدخالها في برامج التعليم المختلفة وتبسيط حقائقها لعامة الناس في وسائل الإعلام المختلفة، كما ينبغي على الدول الإسلامية إدراج الهندسة الوراثية ضمن برامج التعليم في مراحله المختلفة مع زيادة الاهتمام بهذه المواضيع في الدراسات الجامعية والدراسات العليا وتوفير نشر مؤلفات مبسطة عنها، وتوفير الخدمات لرعاياها المحتاجين إليها من ذوي الدخول المتواضعة نظرا لارتفاع تكاليف إنتاجها. كما على الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية ذات المصدر الحيواني او النباتي ان تبين للجمهور فيما يعرض للبيع ما هو محضر بالهندسة الوراثية مما هو طبيعي 100% ليتم استعمال المستهلكين لها عن بينة، وأيضا أناشد الدول الإسلامية سن التشريعات وإصدار القوانين والأنظمة اللازمة لعدم السماح بجعل مواطنيها للحيلولة دون اتخاذهم ميدانا للتجارب مع ضرورة إنشاء مؤسسات لحماية المستهلك وتوعيته في الدول الإسلامية