الرئيسية / المقالات / أخلاقيات التعامل في المؤسسات المالية الإسلامية

أخلاقيات التعامل في المؤسسات المالية الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين  .

المقدمة :

يضج العالم اليوم من انحراف أخلاقيات التعامل في ميدان المهن متناسياً أو فاصلاً بينها وبين الأخلاقيات الذاتية الدينية . لقد آمنت النظم الوضعية العلمانية بإعطاء الفرد حرية مطلقة ، بلا قيود أخلاقية من دين ، ثم هي تريد منه في الوقت ذاته أن يتحلى بأخلاقيات التعامل أو أخلاقيات المهنة ، في حين أن منبع أخلاقيات التعامل إنما هي الأخلاق الذاتية على التحقيق ، كما أنها تفصل بين الدين والسياسة، وأخلاقيات المهن في حقيقتها سياسة ، سياسة التعامل و المال والاقتصاد ، وهو عصب الحياة الاجتماعية والسياسية . يريدون أخلاقيات مهنة الرقيب فيها القانون ، والقانون مادة جامدة هامدة لا تحيي قلباً يخلص في العمل ، وإنما تنمي أساليب التحايل كلما أمكنه ذلك .

إن محنة العالم اليوم أن الأخلاق عنده مادة لا روح فيها ، أو مهنة الأخلاق فيها بقدر المصالح المرتجاة فالتمسك بالأخلاق مقياسه المصالح الذاتية قرباً أو بعداً بلا قيد من ضمير أو دين ، فحيثما كانت المصلحة فثم العمل والتفاني فيه .

ولذا فمن المنطق أنه كلما بعد الموظف أو العامل عن رقابة المسئول أو القانون ، ورأى مصلحته بادية في عمل ما أقدم عليه ولا يبالي ، وهذا هو السر في أن الإنترنت أوسع أبواب الانحراف الأخلاقي في التعامل ؛ لأنه موقع لا رقيب عليه ، فشكل لذلك بؤر مشاكل مجتمع المعلومات بالدول المتقدمة و النامية على حد سواء، مما تطلب ضبط أخلاقيات لهذه الشبكة تحدد التعامل مع تقنياتها  . وقد تنوعت أنوع الانحراف الأخلاقي حتى وصل حد الجرائم من مثل :

·                     ” جرائم الملكية الفكرية: و تشمل نسخ البرامج بطريقة غير قانونية.

الاحتيال: احتيال التسويق، سرقة الهوية، الاحتيال في الاتصالات وعلى البنوك .

سرقة الأرصدة : سرقة الملايين من الدولارات من خلال التحويل الالكتروني أو من البنوك أو الأسهم.

·                     سرقة البرامج: سرقة البرمجيات التطبيقية، سواء كانت تجارية أو علمية أو عسكرية، حيث تمثل هذه البرمجيات جهودا تراكمية من البحث.

·                     التدمير بالحاسب: و يشمل القنابل البريدية، التخريب، إتلاف المعلومات، تعطيل الحاسب، و مسح البيانات وتشويهها.

·                     إعادة نسخ البرامج: شكل مشاكل كبيرة وخسارة بالغة للشركات الأم. وأرباحا طائلة للناسخين.

·                     التجسس: التجسس بغرض الحصول على المعلومات الهامة و ذات الطبيعة السرية.

·                     التخريب الالكتروني: تستعمل طرق التخريب من قبل قراصنة الحاسب، وتتم عن بعد من خلال القنابل الالكترونية و الرسائل المفخخة.

·                      رسائل المضايقات الجنسية، وزيارة مواقع الرذيلة وما إلى ذلك من رذائل الخلاق “

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة بتصرف .

من أجل ذلك كان لابد من أخلاقيات تضبط الانحراف في كل مجال ، وبخاصة  في أخلاقيات التعامل –  في  مجال بحثنا –  في المؤسسات المالية ، وعلى التخصيص في المؤسسات المالية الإسلامية( ونعني بها البنوك والمصارف والشركات الإسلامية ) بغية التقويم والتصحيح والترشيد ، وزبدة ما نروم تقريره في هذه المقدمة هو أنه لا يمكن تحصيل هذه الأخلاقيات إلا بالرقابة الذاتية ، ولايقيم هذه الرقابة إلا الدين ، والدين وحده . ثم إن الإسلام وحده الذي يملك هذا الرصيد الأخلاقي اليوم  .

ومن أجل استيفاء الموضوع من أطرافه قسمت البحث إلى فقرات  .

أولا : تعريف الأخلاق

ثانيا : تغير الأخلاق

ثالثا : المسؤولية القانونية والشرعية

رابعا: أخلاقيات التعامل في المؤسسات المالية

القسم الأول : الأخلاقيات المشتركة

القسم الثاني : أخلاقيات التمسك بتميز منهج الاقتصاد الإسلامي

خامسا : إحياء أخلاقيات المال الإسلامي

المرحلة الأولى : مرحلة التأسيس والتأصيل

المرحلة الثانية : مرحلة التوسع في تطبيق أدوات المال الإسلامية والتعايش مع المؤسسات التقليدية

المرحلة الثالثة : مرحلة ضغط الواقع التقليدي ومهادنته وهي المرحلة الحالية

والله أسأل التوفيق والسداد

 

الشيخ عجيل جاسم النشمي

 

 

 

 

 

 

 

أولا : تعريف الأخلاق

 

قال الإمام الغزالي: الخلق هو صورة الباطن كما أن الخلق هو صورة الظاهر. إحياء علوم الدين 2 / ص 255 .

ولا فصل بين أخلاق الباطن والظاهر في الإسلام ، والفصل بينهما هو بريد النفاق ، وقد أولى القرآن الكريم قضية الفصل هذه عناية كبيرة لما فيها من خطورة أخلاقية عامة .  ولذا فقد شغل النفاق والمنافقين حيزا كبيرا من كتاب الله العظيم .

والأخلاق الإسلامية : عبادة  يصدق فيها الباطن والظاهر بتحلية النفس بالفضائل  وتجنيبها الرذائل ، وذلك بفعل المأمورات واجتناب المنهيات.

قال أبو طالب المكي : العبادة ليست الصوم والصلاة فحسب بل أفضل العبادة أداء الفرائض واجتناب المحارم وتقوى اللّه عزّ وجلّ عند اكتساب الدرهم وهذا من أعمال النهار، وقد قال اللّه عزّ وجلّ: (وَهُوَ الََّذي يَتَوَفَّاكُمْ باللَّيْل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ) الأنعام60 أى ماكسبت جوارحكم فعلق الاجتراح بالنهار ، ثم يبعثكم فيه ، فإذا لم يعلم من عبد اجتراحاً بالنهار ولم يبعثه فيه في مخالفة فمن أفضل منه؟

وهذا التعريف السابق هو معنى قول عائشة رضي الله عنها حين سألها سعد بن هشام بن عامر رضي الله عنه قال : أتيت عائشة فقلت يا أم المؤمنين أخبريني بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت :  كان خلقه القرآن ، أما تقرأ القرآن قول الله عز وجل” وإنك لعلى خلق عظيم “  مسند أحمد رقم 23460

وعن إبراهيم عن علقمة قلت لعائشة رضي الله عنها : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختص من الأيام شيئا قالت : لا كان عمله ديمة ، وأيكم يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق” .

 البخاري 7/108حديث رقم 1851و مسلم حديث رقم 1304

 

 

 

 

وجاء فيتعريف الأخلاق : أنها شكل من أشكال الوعي الإنساني يقوم على ضبط وتنظيم سلوك الإنسان في كافة مجالات الحياة الاجتماعية بدون استثناء ، في المنزل مع الأسرة ، وفي التعامل مع الناس ، في العمل وفي السياسة، في العلم وفي الأمكنة العامة.  والدين وضع أساسا لتنظيم حياة الإنسان وعلاقته مع الناس، وعلاقته مع نفسه. ومن جملة هذه العلاقات تتكون الأخلاق والقيم، حسب القاعدة العامة التي يستوحيها الإنسان من خلال تاريخ الإرث الإنساني و الاجتماعي بشكل عام ، ومن القاعدة العامة التي يستوحيها الفاعل الأخلاقي. فمنذ القدم تسعى كل أمة لأن تكون لها قيم ، ومبادئ تعتز بها، وتعمل على استمرارها ، وتعديلها بما يوافق المستجدات ، ويتم تلقينها وتدريسها ، وتعليمها ، وينبغي عرفيا وقانونيا عدم تجاوزها ، أو اختراقها.

والأخلاق أيضا : هي دراسة، وتقويم السلوك الإنساني على ضوء القواعد الأخلاقية التي تضع معايير للسلوك، يضعها الإنسان لنفسه أو يعتبرها التزامات وواجبات تتم بداخلها أعماله ، أو هي محاولة لإزالة البعد المعنوي لعلم الأخلاق ، وجعله عنصرا مكيفا ، أي أن الأخلاق هي محاولة التطبيق العلمي ، والواقعي للمعاني التي يديرها علم الأخلاق بصفة نظرية، ومجردة

واصطلح المعاصرون على أن كلمة أخلاقيات المهنة تعني: “وثيقة تحدد المعاييرالأخلاقية والسلوكية المهنية المطلوب أن يتبعها أفراد جمعية مهنية . وتعرف بأنها بيان المعايير المثالية لمهنة من المهن تتبناه جماعة مهنية أو مؤسسة لتوجيه أعضائها لتحمل مسؤولياتهم المهنية . ” ولكل مهنة أخلاقيات و آداب عامة حددتها القوانين واللوائح الخاصة بها ، ويقصد بآداب وأخلاقيات المهنة مجموعة من القواعد والأصول المتعارف عليها عند أصحاب المهنة الواحدة ، بحيث تكون مراعاتها محافظة على المهنة وشرفها . .  من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة بتصرف .

ثانيا : تغير الأخلاق

قال الغزالي : الأخلاق تقبل التغيير من سيئ إلى حسن ، ومن حسن إلى سيئ ، ومن سيئ إلى أسوأ ، وكذا من حسن إلى أحسن . ولذا قال الغزالي : لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” حسنوا أخلاقكم وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس ، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية ، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد ، وكل ذلك تغيير للأخلاق . إحياء علوم الدين 2 / ص 255

 ولأبي طالب المكي كلام نفيس في الأخلاق المكتسبة وغير المكتسبة وأصناف الناس يغنينا ذكرها عن كثير كلام يقول : الموجودات منقسمة إلى ما لا مدخل للآدمي واختياره في أصله وتفصيله، كالسماء والكواكب، بل أعضاء البدن داخلاً وخارجاً، وسائر أجزاء الحيوانات. وبالجملة كل ما هو حاصل كامل وقع الفراغ من وجوده وكماله . وإلى ما وجد وجوداً ناقصاً وجعل فيه قوة لقبول الكمال بعد أن وجد شرطه ،  وشرطه قد يربط باختيار العبد . فالغضب والشهوة لو أردنا قمعهما وقهرهما بالكلية حتى لا يبقى لهما أثر لم نقدر عليه أصلاً، ولو أردنا سلاستهما وقودهما بالرياضة والمجاهدة قدرنا عليه. وقد أمرنا بذلك وصار ذلك سبب نجاتنا ووصولنا إلى الله تعالى. نعم الجبلات مختلفة بعضها سريعة القبول وبعضها بطيئة القبول . ثم يبين سبب هذا الاختلاف – الذي لم يسبق إليه حسب علمي –  فيقول : ولاختلافها سببان .

أحدهما: قوة الغريزة في أصل الجبلة وامتداد مدة الوجود ، فإن قوة الشهوة والغضب والتكبر موجودة في الإنسان ، ولكن أصعبها أمراً وأعصاها على التغيير قوة الشهوة ، فإنها أقدم وجوداً ، إذ الصبي في مبدأ الفطر تخلق له الشهوة ، ثم بعد سبع سنين ربما يخلق له الغضب ، وبعد ذلك يخلق له قوة التمييز .

والسبب الثاني : أن الخلق قد يتأكد بكثرة العمل بمقتضاه والطاعة له وباعتقاد كونه حسناً ومرضياً ، والناس فيه على أربع مراتب :

 الأولى :  وهو الإنسان الغفل الذي لا يميز بين الحق والباطل والجميل والقبيح بل بقي كما فطر عليه خالياً عن جميع الاعتقادات ،  ولم تستتم شهوته أيضاً باتباع اللذات ، فهذا سريع القبول للعلاج جداً فلا يحتاج إلا إلى معلم ومرشد ، وإلى باعث من نفسه يحمله على المجاهدة فيحسن خلقه في أقرب زمان.

والثانية : أن يكون قد عرف قبح القبيح ، ولكنه لم يتعود العمل الصالح بل زين له سوء عمله فتعاطاه انقياداً لشهواته وإعراضاً عن صواب رأيه لاستيلاء الشهوة عليه ، ولكن علم تقصيره في عمله فأمره أصعب من الأول ، إذ قد تضاعفت الوظيفة عليه ؛ إذ عليه قلع ما رشه في نفسه أولاً من كثرة الاعتياد للفساد ، والآخر أن يغرس في نفسه صفة الاعتياد للصلاح ولكنه بالجملة محل قابل للرياضة إن انتهض لها بجد وتشمير وحزم .

 والثالثة : أن يعتقد في الأخلاق القبيحة أنها الواجبة المستحسنة وأنها حق وجميل وتربى عليها ، فهذا يكاد تمتنع معالجته ولا يرجى صلاحه إلا على الندور ، وذلك لتضاعف أسباب الضلال .

  والرابعة : أن يكون مع نشئه على الرأي الفاسد وتربيته على العمل به . يرى الفضيلة في كثرة الشر واستهلاك النفوس ويباهي به ويظن أن ذلك يرفع قدره ، وهذا هو أصعب المراتب . وفي مثله قيل : ومن العناء رياضة الهرم ، ومن التعذيب تهذيب الذيب. والأول : من هؤلاء جاهل فقط . والثاني : جاهل وضال . والثالث : جاهل وضال وفاسق . والرابع: جاهل وضال وفاسق وشرير. قوت القلوب 2/251

 

 

 

 

ثالثا :  المسؤولية القانونية والأخلاقية

هناك اختلاف بين المسؤولية القانونية والمسؤولية الأخلاقية باختلاف أبعادهما ، فالمسؤولية القانونية :  تتحدد بتشريعات تكون أمام شخص أو قانون .

والمسؤولية الأخلاقية : أوسع وأشمل من دائرة القانون ، لأنها تتعلق بعلاقة الإنسان بخالقه وبنفسه وبغيره ، فهي مسؤولية ذاتية أمام الله والضمير . أما دائرة القانون فمقصورة على سلوك الإنسان نحو غيره وتتغير حسب القانون المعمول به في المجتمع وتنفذها سلطة خارجية من قضاة ، رجال أمن ونيابة ، وسجون . أما المسؤولية الأخلاقية فهي ثابتة ولا تتغير ، وتمارسها قوة ذاتية تتعلق بضمير الإنسان الذي هو سلطته الأولى . هنا يمكن القول :  أن الأخلاق بقوتها الذاتية لا تكون بديلا عن القانون ،  ولكن كلا من المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية القانونية متكاملتان ولا يمكن الفصل بينهما في أي مهنة مهما كانت .

رابعا : أخلاقيات التعامل في المؤسسات المالية

تتجه الكتابات في أخلاقيات العمل الوظيفي في المؤسسات المالية الإسلامية إلى التخصيص في أخلاقيات التعامل في المؤسسات المالية الإسلامية ، وكأنها أخلاقيات لا توجد إلا في الموظف في هذه المؤسسات. والذي أراه علمياً وواقعياً تقسيم هذه الأخلاق إلى أخلاقيات وظيفية مشتركة ، وأخلاقيات التمسك بالتميز في منهج الاقتصاد الإسلامي . وأظن أن مساحة كبيرة في الأخلاقيات المشتركة بين المؤسسات المالية الإسلامية والمؤسسات المالية التقليدية .

فالننظر في القسم الأول وهو الأخلاقيات المشتركة ، ثم نتبعها بأخلاقيات التمسك بالتميز في منهج الاقتصاد الإسلامي .

القسم الأول : الأخلاقيات المشتركة

  هي الأخلاقيات الوظيفية العملية التي يجب أن يتصف بها الموظف في المؤسسات المالية إسلامية أو تقليدية ؛ لتحقيق أهداف مشتركة تسعى إليها المؤسسات المالية كلها ، وهي هدفان : الأول : العمل على الاحتفاظ بالعملاء واستجلاب آخرين ، والثاني : تحقيق الربحية التنافسية تجاه المؤسسات المالية المناظرة .

إن نجاح العمل الوظيفي في المؤسسات المالية إنما يرتكز على أخلاقيات مطلوبة ومرغوبة ، بل واجبة ، لا محل فيها لخصوصية الموظف في المؤسسات المالية الإسلامية عن غيرها . وإن كان مرجعية العمل الشرعية إلى نصوص حاكمة ، ونية في القلب لها أثر مختلف ، لكن ذلك بالنسبة إلى الموظف ذاته ، والنظر إنما هو في التعامل ، وأسلوبه وطريقته ، والخدمات التي تقدم للعميل هي المقصد الأهم في هذه الأخلاقيات ، فقد تكون مؤسسة مالية لا تلتزم بضوابط الشرع ، بل هي على النقيض منه ، تقوم على الربا ورعايته والتعامل على أساسه ، ومع ذلك يقدم الموظف فيها خدمات أخلاقية قد لا تجدها في المؤسسات المالية الإسلامية .

فمن غير المستغرب أن نسمع من رجل ملتزم بأحكام الشرع ، حريص على الحلال ، والبعد عن الربا يسأل عن حكم إيداع أمواله في بنك تقليدي ، وهو يعلم بحرمة الربا قطعاً ، وجوابه عن سؤال السبب في ذلك يجيب بأن خدماتهم أفضل ، أي إن أخلاقيات التعامل عندهم أفضل ، يستقبلك الموظف بوجه طليق ، وينجز معاملتك بسرعة وكفاءة ، وهذا يدل على أن أخلاقيات التعامل لا تميز فيها بين النظامين الماليين الإسلامي وغيره من حيث الواقع ، بل هو ميدان تنافس يفترض فيه أن يكون الموظف في المؤسسات المالية الإسلامية هو الأفضل للصفات الذاتية الإيمانية ، لكن هذا الافتراض قد يكون كذلك في الواقع  وقد لا يكون ، فالقول بأن أخلاقيات التعامل في المؤسسات المالية الإسلامية أفضل من غيرها على الإطلاق قول لا يصح من حيث الواقع .

.

والذي أريد أن أثبته هنا هو أن أخلاقيات التعامل الوظيفي أخلاقيات مشتركة ، التميز فيها بالمنافسة في تقديم الأفضل ، فالكفاءة الإدارية ، وحسن الاستقبال ، والابتسامة ، والمظهر الحسـن ، والإخلاص في العمل ، والنزاهة ، والاهتمام بالعميل ، وتحمل ما قد يصدر عنه من تجاوز أو غلظة في الكلام ، ومجاملته واستيعابه ، وخروجه راضياً ، ونحو ذلك من أساليب فن  التعامل ، لا خصوصية فيها للمؤسسات المالية الإسـلامية عن غيرها ، وإن كان منشأ هذه الأخلاقيات ، ومرجعيتها ، والنية فيها مختلفة ، ولكن التعامل هو المحك الصحيح الذي يصدر حكم العميل بناءً عليه . فلا يرفع مقام الموظف

الموظف الملتزم التقي النقي الكفاءة المخلص الذي يستحضر نية الأجر في العمل ، وتظهر عليه السمات الإسلامية واضحة ، ولكنه غليظ في تعامله ، أو حتى في نظرته للعميل ، فإن صلاحه وتقواه لنفسه ، ولا محل له في العمل ، بل هو موظف فاشل طارد ، ويخشى عليه من الإثم لسو تعامله ، كمثل المرأتين التين سأل عنهما الصحابة حين” قالوا: يارسول الله فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها . قال هي في النار . قالوا يارسول الله فلانة تصلي المكتوبان وتصدق بالأثوار من الإقط ولا تؤذي جيرانها ، قال هي في الجنة ” إسناده صحيح الترغيب والترهيب للمنذري 3/321 . فغلظة الموظف مثلا لايشفع له في مقابلها تقواه . وليس أكمل من نبي الرحمة والسماحة وخفض الجناح ، الذي كان القرآن خلقه r ، لو كان فيه شيء من هذه الغلظة لما صلح لتحمل عبء الدعوة إلى الله ؛ ولذا خاطبه ربه فقال : ) ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ( آل عمران : 159 . فصلاح الموظف وأخلاقياته الذاتية الإسلامية أمر مطلوب وواجب أن يتجسد في واقع التعامل ؛ ليكون عنصر تميز ومنافسة في ميدان نجاح العمل في استيعاب المتعاملين ، وحسن التصرف معهم بأخلاقيات عملية

واقعية إلى جانب أجر ما يخلص فيه النية لله ؛ ولذلك فإن التوسع في تفضيل أخلاقيات الموظف في المؤسسات المالية الإسلامية وكأنها أخلاقيات خاصة لا داعي له ، لا لأنه غير مهم ، بل هو طاعة والتزام ودعوة وأجر ، ولكن لأن المهم هو أخلاقيات واقع التعامل ، فالأخلاقيات المشتركة – السابق ذكرها – هي ميزان النجاح الميداني ، في المؤسسات المالية الإسلامية ، وهي أخلاقيات ومفترضة فيها ، أو في المؤسسات المالية التقليدية ، فقد يجد المتعامل هذه الأخلاقيات في هذه أو تلك من حيث الواقع ، لا من حيث النظر ، فأخلاقيات التعامل العام غير الأخلاقيات الشخصية الذاتية ، وإن كان كلاهما مطلوب .

القسم الثاني : أخلاقيات التميز في منهج الاقتصاد الإسلامي

أعتقد أن الأخلاقية المهمة بل الأهم هو التمسك بالتطبيق الصحيح لمنهج الاقتصاد الإسلامي ، وأن الحيدة عنه أو التساهل في ثوابته وشروطه أوالتحايل عليها هو الانحراف أو الإخلال بأخلاقية العمل المصرفي الإسلامي .

ومن أجل الكشف والإثبات أهمية أخلاق المهنة هذه ، نوضح الموضوع فيما يأتي :

أ –  أخلاقية الفصل بين الحلال والحرام

إن كل ماعبر عنه الشرع بالحلال فهو خلق يجب الالتزام به في تعامل المسلم مع المسلم أو مع غير المسلم ، على مستوى الأفراد أو الشركات أو الدول ، وأن كل ماعبر عنه الشرع بالحرام خلق سيئ يجب تجنبه ، وإن أي قلب لحقيقة الحلال البين ، أو التحايل على حقيقته ليكون صورة لاحقيقة ، أو طريقا يتوسل به إلى الحرام فهو خروج عن مفرد من منهج الأخلاق الإسلامية .

ومن أجل أخلاقية الحلال تلك وأهميتها لاستقامة منهج التعامل بين الناس وضع القرآن الكريم ذاته قواعد الحلال والحرام ، وفي منهج الاقتصاد جعل أخلاقية الحلال هي في الفصل بين حلال البيع و حرام الربا ،  فأحل البيع بإطلاق وحرم الربا بإطلاق ، ثم فصل النبي صلى الله عليه وسلم  حلال البيع وحرام الربا ، وقرر قاعدة الحلال والحرام والشبهة ، وجعل استبراء الدين في اجتناب الشبهات ، وبعد تأسيس قاعدة الفصل بين البيع والربا فصلت السنة المطهرة فروع هذه القاعدة في بيان أهم أنواع البيوع الجائزة وشروطها وضوابطها ، ما يحل من ذلك وما يحرم،  كي لايختلط الحلال بالحرام  .

ثم كانت مهمة الأئمة المجتهدين السير على هدى ذلك ، فكانت مهمتهم التوسع   في استنباط الأحكام من أدلتها التفصيلية فبينوا دلالة ألفاظ الكتاب والسنة ، واستخرجوا القواعد الأصولية والفقهية ، وخرجوا عليها الفروع وفصلوا في الأشباه والنظائر ، وأولوا باب المعاملات أهمية خاصة إذ هو مرجع معايش الناس في حياتهم وتعاملاتهم وعلاقاتهم مما لا يستغنى عنه بحال ، وإنما الأخلاق بالمعايشة . فكان تنمية المال بطرق التجارة الحلال محورا أخلاقيا أساسيا وحضاريا .

ب – أخلاقية مفهوم التجارة

اتفق الفقهاء ابتداء على مفهوم التجارة وعبروا عن هذا المفهوم في كتبهم ومنه ما قال ابن خلدون :” التجارة تنمية المال بشراء البضائع ومحاولة بيعها بأغلى من ثمن الشراء ، إما بانتظار حوالة الأسواق ، أو نقلها إلى بلد هي فيه أنفق وأغلى ، أو بيعها بالغلاء على الآجال ” فلا مال بلا عمل “  والكسب هو قيمة الأعمال ” وفي سبيل التوسع في أخلاقية تجارة الحلال بالجمع بين المال والعمل استنبط الفقهاء أنواع البيوع والمضاربات والمشاركات ، وتوسعوا في ذلك توسعا يناسب واقع الدولة الإسلامية ، وجعل ذلك من صميم أخلاقيات تميزالاقتصاد الإسلامي عما سواه بل مادة حضارية مبنية على أسس متينة من أخلاقية الفقه والعدل والمساواة بمرجع مجمل الكتاب ومبين السنة ومفصل استنباط أهل العلم الراسخين فيه .

ومجموع ما سبق من قاعدة الحلال البين والحرام البين ووضع حدود الأخلاق الفاصلة بينهما ، ثم تفصيل السنة ، واستنباط الفقهاء لمعنى التجارة وأخلاقياتها انطلقت حضارة الإسلام في ترسيخ أخلاقيات التعامل، بل غدت منهج دعوة فتحت به بلادا عديدة بل قل إن أغلب البلاد المفتوحة إنما فتحت بأخلاقية التجارة في الإسلام وحسن التعامل في توظيفه ، وقد سعدت بهذه الأخلاق البشرية في دولة الإسلامية المترامية الأطراف وهي يومئذ أعظم وأوسع حضارة عرفها التاريخ . حتى خلف الفقهاء السابقون غير أخلاق الفتح تراثا ضخما تراكم على مر القرون حوالي ثلاثة عشر قرنا ، وكان بحق مفخرة المسلمين بإقرار وشهادة خصومه بأنه تراث حضاري ليس له مثيل في حضارات سالفة ، بل إن أوروبا قد بنت جزء كبيراً من نظمها وقوانينها الإدارية والتجارية على هذا الموروث الفقهي وفي ذلك يقول المؤرخ الفرنسي “سيدو” : ” إن قانون نابليون مأخوذ من كتاب فقهي في مذهب الإمام مالك هو شرح الدردير على متن خليل ” ويقول المؤرخ الإنجليزي “ويلز” : ” إن أوربا مدينة للإسلام بالجانب الأكبر من قوانينها ” ويقول العالم الشهير غوستاف لوبون : ” إن المسلمين هم سبب انتشار المدنية في بلاد أوربا ” أي ويقول أيضا ” إن المسلمين أنشأوا دولة تعد من أعظ الدول التي عرفها التاريخ ، وإنهم مدنوا أوربا ثقافة وأخلاقا ” .

لكن هذا التراث الفقهي والاقتصادي منه بخاصة قد غيب عن واقع الأمة منذ نحيت شريعة الله عزوجل ، وحل مكانها القوانين الوضعية

إن المسلمين هم سبب انتشار المدنية وأخلاقيات التعامل في بلاد أوربا وغيرها ،  لكن هذا التراث الفقهي والاقتصادي منه بخاصة قد غيب عن واقع الأمة منذ نحيت شريعة الله عز وجل ، وحل مكانها القوانين الوضعية بأخلاقيات تختلف في الأسس والمنطلقات والقواعد والضوابط. وهي فترة فراغ شرعي تشريعي منذ حوالي عام 1854 م في عهد السلطان عبد المجيد وهو التاريخ الفعلي لا الرسمي لسقوط الخلافة الإسلامية ، أما السقوط الرسمي العلني فكان على يد كمال أتاتورك عام 1924 م حيث أعلن سقوط الخلافة الإسلامية رسميا أمام العالم . وقد جرت هذه الأخلاقيات الويلات علي أصحابها وما زالت تصيبهم أوقريبا من ديارهم وأسواقهم المالية ، والمسلمون ليسوا بمنأى عن سوئها فهم يصطلون فيها بل هم جزؤ من وقودها .

 

خامسا : إحياء أخلاقيات المال الإسلامية

لقد شاء الله تعالى ألا يطول هذا الفراغ والبعد فقيض لإحياء أخلاقيات المعاملات المالية الإسلامية ، وإحياء الاقتصاد الإسلامي اليوم هؤلاء العلماء الفقهاء المعاصرين الذين استطاعوا الربط بين أخلاقيات الماضي الفقهي والحضاري ، وأخلاقيات واقع المال اليوم وتحقيق رغبة شاملة

 

عامة عارمة في صحوة المسلمين بعد هذا السبات والتبعية الاقتصادية والأخلاقية أيضا يريدون عبادة ربهم بالمال الحلال وخروجاً من إفك الربا وآثامه ، والمحاربة مع الله تعالى ورسوله صفا واحدا لحرب الربا آفة اقتصاد العالم بأسره . فبدأت بذلك مسيرة جديدة على ساحة العالم الاقتصادية هي مسيرة المؤسسات المالية الإسلامية بأخلاقيات منهج الاقتصاد الإسلامي ، التي لم يتجاوز عمرها اليوم خمسة وثلاثين عاما . ولكنها تدير ما يربو على أربعمائة مليار دولار فقط لأنها واجهت عالم المال بأخلاقية الإسلام .

ولسنا هنا بصدد التفصيل في ملامح هذه المسيرة بقدر ما نحن بحاجة إلى تسليط الضوء على زوايا أو خبايا هذه المسيرة وبيان مدى انضباطها بأخلاقيات التعامل الإسلامية والتنبيه على مزالق التطبيق  ، سواء من خطأ وقع ،  أو سوء في التطبيق ، أواستجابة  لضغوط الواقع المالية من أساطين البنوك الربوية الراسخة الآن في البلاد الإسلامية ، أو الشركات العملاقة التي استمرأت التعاملات المنفلتة من ضوابط الشرع وأحكامه ، فنبرز في سبيل ذلك إضاءات وملاحظات على هذه المسيرة بغية تأكيد الصحيح منها وتقوية مساره وتوسيعه ، والتنبيه على الخطأ ،  أومجانبة صحيح الطريق إلى معوجه ، أو ما كان على خطر ذلك في مسير بعض هذه المؤسسات المالية الإسلامية .

 

 

 

ويمكن تحديد هذه المسيرة في مراحل ثلاث :

المرحلة الأولى : مرحلة التأسيس والتأصيل

إن الراصد لمسيرة النمو في المؤسسات المالية الإسلامية يدرك بدايتها الموفقة الوئيدة المتحفظة يوم أن بدأت وليدا بين عمالقة المال وسوق الأوراق والعملات ، وبين المصطلحات الاقتصادية الراسخة على مر سنوات الفراغ تلك . فكان الطرح الفقهي الآمن بطبيعته وآليته هو أفضل سبل الدخول في هذا السوق ، فكانت أدوات المضاربات والمشاركات ، ثم دخلت المرابحات ، فكانت هذه أدوات العمل ومفتاح السوق وجلب العملاء الراغبين ترشيد أموالهم والراغبين تطهيرها بسلكها مسلك أخلاقيات التجارة الإسلامية ، أو الاقتصاد الإسلامي الذي يعتمد التبادل العيني والمشاركة والمخاطرة سبيلا للتنمية الاجتماعية والفردية .

وأثناء بدايات هذه المسيرة لاح واضحا أن السوق أوسع وأكبر من أن تستوعب سيولته وأنشطته هذه الأدوات ، وأن المرابحة وإن توسع فيها إلا أن آثار ذلك كان سلبيا على المؤسسات ومؤثرا في مسيرتها ، فجاءت توصيات المجامع الفقهية والندوات العلمية بالتقليل من المرابحات , وكان أن نشطت حينئذ حركة البحث والمؤتمرات المجمعية والندوات في توسيع دائرة البحث والعمل والنشاط الاقتصادي فكان حصيلة ذلك صدور قرارات وفتاوى كلها تصب في دائرة التطوير والبدائل ، وهذا ما أسلم هذه المرحلة إلى بدايات المرحلة الثانية .

المرحلة الثانية : مرحلة التوسع في تطبيق الأدوات المالية والتعايش مع المؤسسات التقليدية

 فإن نجاحات وعوائق المرحلة الأولى كانت دافعا ملحا لتطوير العمل وتوسيع أدواته كيما تستجيب إلى متطلبات المرحلة ، واستيعاب السيولة ، بله المنافسة بعد معالم النجاح الواضحة التي تمثلت في هجرة سيولة ضخمة من البنوك التقليدية إلى حسابات المؤسسات المالية الإسلامية من بنوك ومصارف وشركات ، الأمر الذي زاد من مسئولية الفقهاء والاقتصاديين والمحاسبين في إطار الفقه الإسلامي فنشطت حركة المؤتمرات والندوات وإثراء الساحة بأبحاث معمقة ، وكتب فقهية ، ورسائل علمية تعالج الواقع وتضع البدائل والحلول . فكانت جهودا مباركة أثمرت تطويرا ملحوظا تمثل في عقود السلم والسلم الموازي ، والاستصناع والاستصناع الموازي ، والإجـارة والإجارة المنتهية بالتمليك ، والمتاجرة بالعملات ، وبطاقات الحسم ، وبطاقات الائتمان ، والحوالة المصرفية ، والأوراق المالية ، والأوراق التجارية ، وغير ذلك . وكان هذا الثراء القديم الجديد دفعة قوية لقيام المؤسسات المالية بدورها وتحمل مسئوليتها بصفتها وكيلا أو مضاربا أو شريكا الأمر الذي حقق للمؤسسات سمعة ومكانة سامية وربحية عالية لمساهميها ومودعيها فاقت ما عليه البنوك التقليدية . كما شهدت إبانها تنمية ونهضة عمرانية وحركة تجارية لاينكرها إلا مكابر. فكانت هذه المرحلة بحق أخصب وأهم المراحل المنتجة التي حافظت على الانضباط بأخلاقيات المنهج الفقهي في المعاملات والعقود ، مع تقديم بدائل أشفت غليل المستثمرين في الجمع بين الحلال والربحية .

وإن هذه المرحلة هي التي لفتت أنظار الراصدين محليا وعالميا ، بل دعت العديد من البنوك التقليدية لتعيد النظر في مسيرتها إما بالتقرب من المؤسسات المالية الإسلامية وملاطفتها في مشاركات ، أو فتح النوافذ . ومن صدق منها غير وجهته كلها شطرمنهج إقتصاد الحلال . وهذه المرحلة هي مرحلة الثبات أو إثبات المؤسسات المنهجية الاقتصادية الإسلامية وتثبيت هويتها وأخلاقياتها ، مرحلة التعريف بالمنهج وتميزه وحسن تطبيقه ، وهي مرحلة كانت تحتاج إلى الاستمرار مع تحفظ عن التوسع حتى يحين وقته المناسب . هذا كان المؤمل لكن ضغط الواقع كان أقوى من ذلك ، فلم تطل بنا مرحلة التوسع والتعايش المتميز حتى استدرجت المؤسسات المالية الاسلامية لتسلم نفسها إلى المرحلة الثالثة .

المرحلة الثالثة : مرحلة ضغط واقع المال التقليدى ومهادنته

بدأت هذه المرحلة مرحلة المهادنة استجابة لضغط الواقع التقليدي محليا وعالميا من جانب ، وضخامة السيولة لدى المؤسسات المالية الإسلامية وحاجتها إلى التصريف والتوظيف والاستثمار في منتجات ربحية تحافظ على مساهميها ومودعيها من جانب آخر .  فكان التفكير في العمل على محاكاة ومماحلة البنوك التقليدية والتطلع للدخول في أسواق البورصات العالمية ، وربط العلاقات مع الشركات العالمية العملاقة ، كل ذلك في سبيل إيجاد أسواق تستوعب السيولة . ولا شك أن هذه ضغوط منطقية واقعية ما دامت هذه المؤسسات تعمل في واقع له حضور وتاريخ وأعراف . لكن هذه الضغوط كانت تحتاج في مواجهتها ومعايشتها إلى أمرين : إيجاد البدائل على وفق ثوابت الأخلاق الاقتصادية الإسلامية ، وتأسيس العلاقات من منطلق التعايش والمنافسة والندية بمنهجين مختلفين في المنطلق والنشاط وإن كان هناك مساحة للتقارب والعمل المشترك .

لقد كان بداية هذه المرحلة في محاكاة السندات الربوية إذ هي من عمد البنوك الربوية ومصدر ربحها المأمون لأصحاب الأموال ، كما إنها تحقق للبنوك سيولة ضخمة تحرك أنشطتها الربوية . فكان نظر المؤسسات المالية الإسلامية في البدائل الآمنة مطلب مشروع ومرغوب ، إن كان بديلا شرعيا ، لا نظيرا في ثوب بديل .

فبدأت هذه المرحلة سليمة قويمة في منتج الاستصناع ثم في منتج  الصكوك ، وكان هذا الأخير بديلا ناجحا إذ أحسن عرضه وهيكلته ، حتى كان من أظهر أدوات التنمية في مجتمعاتنا محققا لشتى مناحي التنمية فتنوعت الصكوك إلى صكوك ملكية الموجودات ، وصكوك ملكية المنافع ، منافع الأعيان الموجودة ، والموصوفة في الذمة ، وصكوك الخدمات ، وصكوك السلم والاستصناع وصكوك المرابحة والمشاركة والمضاربة والمزارعة وغيرها ، وتبع الصكوك الصناديق الاستثمارية .  ونجحت نجاح الصكوك فكانت فاتحة خير ، كما أنها كانت في الوقت ذاته فاتحة شهية تتطلع للمزيد ، وقد تمركز هذا النجاح في جلب سيولة ضخمة للمؤسسات المالية الإسلامية ، وبخاصة من الأموال المهاجرة عكسا من البنوك و الشركات التقليدية . وقد شدت الصكوك بالذات انتباه وشهية الغربيين من المفكرين الاقتصاديين وأرباب الأموال حتى حضروا بأنفسهم ليطلعوا على هذا المنتج ويشاركوا ويقيموا الندوات حتى إذا تحصلوا على مفاهيمه وهيكلته نقلوه إلى بنوكهم وشركاتهم ، ثم أغروا بعد ذلك المؤسسات المالية الإسلامية في التعامل بالصكوك معهم ، ولا شك أن إغراءاتهم مما يصعب ردها أو مقاومتها .. فعندهم الأسواق المفتوحة التي تستوعب متراكم السيولة ، ومجالات الاستثمارات المتنوعة عقارية وصناعية وأسهما .. فذهبنا إليهم هناك حتى أدخلونا  في جزر الكيمان وأمثالها لنتعلم التحايل القانوني وفق أخلاقياتهم ، ومنهم تعلمنا أخلاقية ضمان رأس المال ، ثم حماية رأس المال بطرق منها المقبول وأكثرها المردود ، ثم قبلنا صيغة شراء البائع ما باع بالقيمة الإسمية ، وضمان الشريك شريكه . وما إلى ذلك من تنازلات صغيرة في نظرنا ، وقد كانت كبيرة في نظرنا وضميرنا أيام مرحلتنا الأولى و الثانية . بل هي من الكبائر في ميزان أخلاقيات المال الإسلامية . نعم لقد نجح جيل الصكوك و الصناديق الاسثمارية – رغم ما شابها من شوائب يمكن تنقية واستدراك بعضها ، ويصعب تنقية أو استدراك بعضها الآخر  – فكانت مصدر ربحية  وتنمية وخير كما أنها كانت فاتحة شهية في الوقت ذاته تتطلع لهلم وللمزيد . ولكن المسير لم يتوقف حتى أسلمت هذه الشهية المؤسسات المالية الإسلامية إلى منتج جديد هو” التورق ” وما أدراك .. فقد ظهر جيل التورق في هذه المرحلة الحالية التي نعيشها اليوم ، بدأ تورقا فقهياً مقبولاً في أخلاقيات المال الإسلامية ، ثم لم يمهلنا حتى تطور إلى التورق المصرفي المنظمم ، ثم التورق الاستثماري ، ثم مقلوب التورق ، ثم تطور إلى مقلوب التورق المصرفي المنظم المندمج في المرابحة والوكالة ، حتى غدا التورق والوديعة لأجل لدى البنوك التقليدية صنوان من مشكاة واحدة وإن اختلفا في الإسم فحسب .

وأترك الكلمة هنا إلى أحد الأخصائيين الاقتصاديين المسلمين الغيورين ليبين لنا هذه المرحلة فيقول : إنها  مرحلة ” سيطرة التورق المنظم على جانب التوظيف أو على جانب الأصول في قائمة ميزانية المصرف .. والتورق المنظم يمثل تقريباً الحلقة الأخيرة في هذا الجانب ؛ لأنه يحول المصرف من كونه عنصراً في العملية الحقيقية إلى مجرد مصدر للنقد كما هو الحال في المصرف الربوي ، ووجود سلع صورية لا يغير من حقيقية الأمر شيئاً. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد ، بل انتقل الخلل من جانب الأصول إلى جانب الخصوم ، ومن جانب التوظيف إلى جانب الاستقطاب ، فإذا كان التورق هو عماد التوظيف فالمنطق يقضي أن مقلوب التورق المنظم هو عماد الاستقطاب ، وهذا ما حصل بالضبط وإذا كان التورق المنظم مصدراً للنقد للعميل فإن مقلوب التورق أصبح هو مصدر النقد للمصرف نفسه فالتمويل النقدي ( نقد مقابل نقد ) أصبح هو أساس نشاط كثير من المصارف الإسلامية في الأصول وفي الخصوم، وبهذا ينتهي دور المصرف الإسلامي الذي كان قائماً على أساس النشاط الحقيقي في الجانبين .

 ثم يقول : لا ندري حقيقة ما هي الخطوة التالية لكن مسيرة المصارف الإسلامية تثير الشفقة والحزن لدى كل مراقب لهذا المشروع . وكل غيور على قضية الاقتصاد الإسلامي” د. سامي السويلم .

قد يرى البعض أن هذه نظرة قاتمة لا تمثل الواقع ، وقد يرى البعض أنها نظرة واقعية صحيحة . ولكل وجهته . لكن مالا يختلف عليه اثنان أن واقع أخلاقية المؤسسات المالية الإسلامية . يحتاج إلى تقويم في المنهج والواقع ، وأن التورق بالذات منتج كارثي خطيرمالم يضبط ويحدد حجمه ومساحة تطبيقه  .

والذي أراه أن اجتماع عناصر متعددة قد تجعل هذه النظرة صحيحة وواقعية ليس بالتورق المصرفي المنظم ومقلوب التورق فحسب ولكن بانضمام عناصر وحيثيات ومضامين أخرى كادت تجعل من المؤسسات المالية الإسلامية صانعة نقود . من مثل ترتيبات العقود مشتملة على ضمان رأس المال ، وضمان الخسارة بتحوير دور المضارب والوكيل ، وهما الصفتان الأساسيتان في عمل المؤسسات المالية الإسلامية . فالمضارب أو الوكيل أصبح شريكاً ومشتريا لنفسه وله نسبته وأجره وله حافز قد يفوق نسبته وأجره ، وهو الذي يقوم بالعمليات كلها ، وقد يتولى طرفى العقد وهو وكيل بالشراء و البيع ، والسحب من الحساب والإيداع فيه . وهو وكيل في تسلم السلعة ، ووكيل في بيعها لنفسه ، ووكيل في سداد الثمن ، وهو ضامن لرأس المال في بعض العقود ، بل ضامن للخسارة بنفسه أو وكيله أو عن طريق جهة لها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة  في مقابل ارتفاع نسبته في الربح والحافز.

إن اجتماع ذلك كله مع التورق أو ضمنه ، أو ضمن الصكوك يجعل ملاحظه الخبير الاقتصادي صحيحة بل أكثر قتامة.  

وتكمن خطورة هذه الأخلاقيات أو المنتجات أوالممارسات  لو عمت أن تتحول المؤسسات المالية الإسلامية إلى أخلاقية تجارة النقد وتوليده وهي صنعة الربا والعياذ بالله ، وقد حذرنا أئمتنا منذ أمد من خطورة بيع النقود كبيع السلع . وتكرر ذلك في تنبيهاتهم ، ومن ذلك قول الإمام النووي : ” إذا اتجر في عين الدراهم و الدنانير فقد اتخذها مقصوداً على خلاف وضع الحكمة ، إذ طلب النقد لغير ما وضع له ظلم ” .

وقال الإمام ابن تيمية : ” والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها ، بل هي وسيلة إلى التعامل بها ولذا كانت أثماناً ” .

وقال الإمام ابن القيم : ” إذا صارت الأثمان في أنفسها سلعا تقصد لأعينها فسد أمر الناس ” وهذا عينه الذى يحذر منه النابهون من علماء الاقتصاد الغربي اليوم ، ويرون أن الربا هو الذي جعل العالم اليوم على فساد أو شفا الفساد ، وما الهزات الاقتصادية العالمية إلا نذير الربا ، وهو اتخاذ النقود سلعة .

 

 

نموذج في تصحيح الخلل أوالحيدة عن الأخلاقية المالية الإسلامية

مما لاشك فيه أن النقد للتصحيح لأي أخلاقية يسوء  تطبيقها واجب شرعي على المؤسسات الإسلامية المالية ، أوبمعنى آخر هي واجب على الهيئات الشرعية في هذه المؤسسات ، وهذا يستلزم اطلاعا ومراقبة دقيقة للممارسات والتطبيق للفتاوى التي تصدرها الهيئة . والأجدى من ذلك أن يكون التنبيه والتصحيص من خلال المجامع الفقهية أو الندوات العلمية أو حلقات البحث . فتدرس المسائل محل الاستشكال والنظر بتجرد تام وبميزان أخلاقيات المال الإسلامية ، ومن ثم التصحيح على منوالها .

وإن المنهجية التي بدأها المجلس الشرعي في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في طريقة تدارك الخلل الأخلاقي في التطبيق تصلح أن تكون أنموذجا يتمثل فيه الجرأة في النصح والدقة في التصحيح وذلك في معيار الصكوك .

وقد كان المجلس قد أصدر معيارا للصكوك راعى فيه الضوابط الحاكمة والشروط اللازمة . وأخذ هذا المعيار طريقه في التطبيق وفق هذه الضوابط والشروط ، إلا أن بعض المؤسسات الإسلامية ، انحرفت قليلا أو كثيرا عن أخلاقية التطبيق السليم ، ربما لعوامل ضغط مالية خارجية رضوخا لمتطلبات التعامل وفق شروط مؤسسات تقليدية  ، أو لفتاوى من الهيئات الشرعية . أو نحو ذلك . الأمر الذي من أجله تدارس المجلس الشرعي وضع هذا النوع من الصكوك وأصدر إزاءها بيانا تضمن التعليمات والتوجيهات ، وتصحيح الخلل . وقد جاء في البيان ألآتي :

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين .

أما بعد ، فإن المجلس الشرعي بهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI) نظراً لاتساع تطبيق الصكوك عالمياً والإقبال العام عليها ومايثار حولها من ملاحظات وتساؤلات، بحث  موضوع إصدار الصكوك في ثلاثة اجتماعات (أولاً) بالمدينة المنورة بتاريخ 12 جمادى الآخرة 1428هـ الموافق 27 يونيو 2007 (وثانيا)ً بمكة المكرمة بتاريخ 26 شعبان 1428هـ الموافق 8 سبتمبر 2007، (وثالثاً) بمملكة البحرين بتاريخ 7 و 8 صفر 1429هـ الموافق 13 و 14 فبراير 2008، بعد ما اجتمعت اللجنة المنبثقة منه بتاريخ 6 محرم 1429هـ الموافق 15 يناير 2008 بمملكة البحرين بحضور عدد كبير من ممثلي مختلف البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وقدمت تقريرها إلى المجلس الشرعي.

وبعد النظر فيما دار في هذه الاجتماعات، والأوراق والبحوث التي قدمت فيها، فإن المجلس الشرعي _ إذ يؤكد على ما ورد بشأن الصكوك في المعايير الشرعية _ يوصي المؤسسات المالية الإسلامية وهيئات الرقابة الشرعية أن تلتزم عند إصدار الصكوك بما يأتي :

أولاً: يجب أن تمثل الصكوك القابلة للتداول ملكية حملة الصكوك بجميع حقوقها والتزاماتها، في موجودات حقيقية من شأنها أن تتملك وتباع شرعاً وقانوناً، سواء أكانت أعياناً أم منافع أم خدمات، وفقاً لما جاء في المعيار الشرعي رقم (17) بشأن صكوك الاستثمار، بند (2) وبند 512. ويجب على مدير الصكوك إثبات نقل ملكية الموجودات في سجلاته وألا يبقيها في موجوداته.

ثانياً: لايجوز أن تمثل الصكوك القابلة للتداول الإيرادات أو الديون ، إلا إذا باعت جهة تجارية أو مالية جميع موجوداتها، أو محفظة لها ذمة مالية قائمة لديها ودخلت الديون تابعة للأعيان والمنافع غير مقصودة في الأصل وفق الضوابط المذكورة في المعيار الشرعي رقم (21) بشأن الأوراق المالية.

ثالثاً: لا يجوز لمدير الصكوك، سواء أكان مضارباً أم شريكاً أم وكيلاً بالاستثمار أن يلتزم بأن يقدم إلى حملة الصكوك قرضاً عند نقص الربح الفعلي عن الربح المتوقع، ويجوز أن يكون احتياطي لتغطية حالة النقص بقدر الإمكان، بشرط أن يكون ذلك منصوصاً عليه في نشرة الاكتتاب. ولا مانع من توزيع الربح المتوقع تحت الحساب وفقاً للمعيار الشرعي رقم (13) بشأن المضاربة، بند 88. أو الحصول على تمويل مشروع على حساب حملة الصكوك

رابعاً: لا يجوز للمضارب أو الشريك أو وكيل الاستثمار أن يتعهد بشراء الأصول من حملة الصكوك أو ممن يمثلهم بقيمتها الاسمية عند إطفاء الصكوك في نهاية مدتها ويجوز أن يكون التعهد بالشراء على أساس صافي قيمة الأصول أو القيمة السوقية أو القيمة العادلة أو بثمن يتفق عليه عند الشراء، وفقاً لما جاء في المعيار الشرعي رقم (12) بشأن الشركة (المشاركة) والشركات الحديثة، بند 3162.، وفي المعيار الشرعي رقم (5) بشأن الضمانات، بند 221  و  222.  علماً بأن مدير الصكوك ضامن لرأس المال بالقيمة الاسمية في حالات التعدي أو التقصير ومخالفة الشروط، سواء كان مضارباً أم شريكاً أم وكيلاً بالاستثمار.

أما إذا كانت موجودات صكوك المشاركة أو المضاربة أو الوكالة بالاستثمار تقتصر على أصول مؤجرة إجارة منتهية بالتمليك، فيجوز لمدير الصكوك التعهد بشراء تلك الأصول عند إطفاء الصكوك بباقي أقساط الأجرة لجميع الأصول، بإعتبارها تمثل صافي قيمتها.

خامساًً: يجوز للمستأجر في التعهد في صكوك الإجارة شراء الأصول المؤجرة عند إطفاء الصكوك بقيمتها الاسمية على ألا يكون شريكاً أو مضارباً أو وكيلاً بالاستثمار.

سادساً: يتعين على الهيئات الشرعية أن لا تكتفي بإصدار فتوى لجواز هيكلة الصكوك، بل يجب أن تدقق العقود والوثائق ذات الصلة وتراقب طريقة تطبيقها، وتتأكد من أن العملية تلتزم في جميع مراحلها بالمتطلبات والضوابط الشرعية وفقاً للمعايير الشرعية، وأن يتم استثمار حصيلة الصكوك وماتتحول تلك الحصيلة إليه من موجودات بإحدى صيغ الاستثمار الشرعية وفقاً للمعيار الشرعي رقم (17) بشأن صكوك الاستثمار، بند 5815.

هذا ويوصي المجلس الشرعي المؤسسات المالية الإسلامية أن تقلل في عملياتها من المداينات، وتكثر من المشاركة الحقيقية المبنية على قسمة الأرباح والخسائر ، وذلك لتحقيق مقاصد الشريعة .

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

ونحن إذ نقول ماسبق ، ونذكر بيان المجلس الشرعي ، وهو نقد بمثابة المراجعة والتصحيح . لانقصد منه التوهين والتجريح ، وإنما قصد نقد الذات ، وإن كان نقدا على الملأ مقروءا أو مسموعا ،  فإننا والحمد لله نملك في المؤسسات المالية الإسلامية  من الجرأة والشفافية ما ننقد به أنفسنا بغية التصحيح . متفائلين أن مساحة ذلك الانحراف الأخلاقي إن صح تسميته بذلك محدودة يمكن حصرها وتداركها وهي في النزر اليسير من المؤسسـات المالية الإسلامية ، ولكن الاستدراك المبكر واجب قبل فوات الأوان . و أأكد ثانية أننا لانريد من هذا إلا نقد الذات بغية التنبيه فإن الواقع المائل و الماثل أمامنا هو من صنع أيدينا ومن كسب أعمالنا ، نحن فيه شركاء ، في إيجابياته وسلبياته فبعض مؤسساتنا هي التى طورت الصكوك ، ومثله التورق حتى وصلا إلى ماوصلا إليه ونحن الذين أضفينا على صفة الوكيل والمضارب ماليس من صفاتهما ، حتى تحصل من مجموع ذلك وغيره صورا غريبة على أخلاقية العقود المسماة في فقهنا ، بل إن منها ما التحيل فيها ظاهر حتى أعطينا الفرصة لمن يتشفى و يتجرأ علينا بالقول ، أمثال أحد المحامين ممن اطلع علي نماذج من هذه العقود فقال بملء فيه: ” إن المسلمين يستطيعون التحايل على ربهم بمالا نستطيع أن نتحايل به على قضاتنا ” وهذا الكلام وإن كان مردودا في ذاته إلا أنه قيل لا من فراغ .

ونحن في حاجة أن نخاطب أنفسنا ومؤسساتنا المالية الإسلامية قياداتها العليا ، وهيئاتها الشرعية بأخلاقيات التعامل بالمال الإسلامي بغية الالتزام بالمنهج وحسن تطبيقه وتحقيق الأهداف ، نريد منهم جميعا  الآتى :

أولا : : أن تنهج سياسة التميز والمنافسة والندية بأخلاقيات منهج المال الإسلامي وسمو مبادئه ، مع حسن العلاقة مع البنوك التقليدية ، ولايمنع من ذلك التعايش بتمايز المنهجين فالبقاء للأصلح ، ولا مانع أيضا من إلجائهم إلى أضيق الطريق ما أمكن نصرة لدين الله ولرسوله ما دامنا في ميدان حرب الربا.

ثانيا : أن تستثمر بأدوات الاستثمار الإسلامية أي العقود الفقهية المسماة ، مع الابتكار والتطوير واجتهاد البدائل إذ لا اعتراض على ذلك بل النجاح في أي صورة ضالة المسلم أنا وجدها فهو أحق بها ، إنما المحذور والاعتراض في الحيدة عن أخلاقيات المال إلى مسلك الحيل والمماحلة والتشبه المطابق .

ثالثا : أن تضع المؤسسات وهيئاتها هدفا أولويا هو توطين أمول المسلمين في بلادهم ، وأن يكون الاستثمار الخارجي محققا لهذا الهدف ما أمكن ، وأن تعزز الهجرة المعاكسة لرؤوس أمول المسلين في الخارج  وفي الوقت ذاته تعطي الأولوية للتنمية المحلية .

رابعا : أن تتجه المؤسسات إلى ميدان سوق إسلامية موازية

بآلياتها ومؤشراتها الإسلامية .

خامسا : إن مما يعين في تحقيق ما سبق وبخاصة الثبات والتطوير وإيجاد البدائل ، الالتزام بمقررات المجامع الفقهية ، والمجالس العليا للمؤسسات المالية الإسلامية ، والندوات العلمية ، ونسمي على  الخصوص المعايير الشرعية التى يصدرها المجلس الشرعي في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ، كذا المعايير المحاسبية من الهيئة ذاتها التى بلغت عضوية المؤسسات المالية الإسلامية فيها زهاء مائة وسبع وستين مؤسسة بين بنك ومصرف وشركة .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الأعمال الصالحات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

الوطن والمواطنة في ميزان الشريعة الإسلامية

التحوط في المعاملات المالية

بحث التحوط في المعاملات المالية

تحويل البنوك التقليدية لبنوك اسلامية ( المبادئ والضوابط والإجراءات )

تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك اسلامية